لم يتأخر معلق قنوات "بيين سبورت" القطرية، حفيظ دراجي، كثيرا، غداة خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى عيد العرش ال22، الذي دعا فيه جلالته الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى العمل المشترك وإلى فتح الحدود بين البلدين، ليدلو بدلوه عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، بلغة أقرب لتلك التي يكتب بها وزراء الخارجية بلاغاتهم المعلنة عن المواقف الرسمية للدول، معتبرا أن مسألة رفع الإغلاق عن المعبر الحدودي ليست ذات أولوية. تدوينة دراجي، ليست الأولى ولا الوحيدة التي تتجاوز الدور المهني للعديد من الصحافيين العاملين بالشبكات القطرية، وخاصة الجزائريين منهم، والتي تجعل من المغرب مادة دسمة للتفاعلات والتعليقات عبر منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن يعمد أصحابها لصياغة يراها العديد من المتفاعلين المغاربة "مستفزة" وأشبه ما تكون ب"حملات الذباب الإلكتروني"، والمثير للانتباه هو أنها كثيرا ما تكون معاكسة للخط التحريري المعلن عنه لتلك المنابر الإعلامية ومعارضة للتوجه الرسمي للدوحة. دراجي.. الناطق باسم خارجية الجزائر وبالعودة لآخر تدوينة لدراجي، نجده يعلق على الخطاب الملكي قائلا "خطاب جلالة الملك حمل الكثير من عبارات التهدئة والود تجاه الجزائر، ركز بالخصوص على ضرورة إعادة فتح الحدود المغلقة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وكأنها أصل المشكلة بين البلدين"، فبالنسبة لمعلق مباريات كرة القدم، ما جاء على لسان ملك المغرب "غير صائب"، لأن "الثقة المفقودة هي أم المشاكل وأكبر الأزمات بين الطرفين، تحتاج إلى الكثير من بوادر حسن النية قبل كل الإجراءات العملية التي تقتضي بدورها تنازلات متبادلة لتحقيق مصالح مشتركة للشعبين وليس لحساب شعب على آخر". ولا يُعرف لماذا عجز دراجي عن الانتباه إلى أن ما ورد في خطاب العرش يندرج ضمن "بوادر حسن النية" التي يطالب بها، كما لا يُعلم ما إذا كانت كتابته ناطقة باسمه أو باسم الشعب الجزائري أو باسم وزارة خارجية دولته، لكن المثير للاستغراب هو ما صدر منه هو قبل أيام، حين طفت على السطح قضية "تسريبات بيغاسوس"، الذي زعمت وسائل إعلام أن المغرب معني بها من خلال تجسسه على مسؤولي مجموعة من الدول، من بينها الجزائر. ودراجي، الذي كان إلى وقت قريب يقدم نفسه ك"معارض" للنظام الجزائري وداعم للحراك الشعبي في بلاده قبل أن يصمت تماما عن هذه القضية، لم يستحضر "حسن النية" هذه وهو يصف ما نُشر ب"إعلان حرب"، رابطا الأمر ب"التطبيع مع العدو الصهيوني" على حد تعبيره، بحكم أن برنامج "بيغاسوس" صناعةٌ إسرائيلية، علما أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب كانت في دجنبر من سنة 2020 في حين أن الفترة التي يشملها "التحقيق الاستقصائي" تبدأ في 2017 وتنتهي في 2019، ولو كان معلق "بيين سبور" انتظر قليلا قبل نشر تدوينته التي سيعود لمحوها لاحقا، لَعَلِمَ أن المغرب وضع 4 دعاوى قضائية لدى المحاكم الفرنسية ضد من نشروا تلك المواد. بن قنة.. السم في العسل لكن دراجي ليس الوحيد الذي اعتاد التطرق للمغرب في كتاباته على "تويتر" و"فيسبوك" بشكل مثير للجدل، فمن الدوحة أيضا وتحديدا من قناة "الجزيرة" تدبج مواطنته مذيعة النشرات الإخبارية خديجة بن قنة العديد من التغريدات الموجهة لقضايا المملكة، وإن كانت كتابات دراجي غالبا مباشِرة ولا تحتمل الكثير من التأويل، فإن بن قنة، وعلى حساباتها الموثَّقة، كثيرا ما تلجأ إلى أسلوب "وضع السم في العسل". ففي 18 نونبر 2020، وبعد 5 أيام فقط من تنفيذ الجيش المغربي لعملية ميدانية في المنطقة العازلة في "الكركارات" والتي انتهت بإعادة فتح الطريق البرية أمام حركة النقل المدنية والتجارية وطرد عناصر جبهة "البوليساريو" من المنطقة، ستكتب الإعلامية الجزائرية "كل عام والشعب المغربي بخير بمناسبة عيد الاستقلال الذي يوافق هذا اليوم، 18 نونبر، وهو تاريخ يصادف الاحتفال بعودة الملك المغربي محمد الخامس من المنفى وإعلانه فورا استقلال مملكته الكاملة في عام 1956". ولا يحتاج الأمر للكثير من التمعن لفهم أن مقصد التدوينة هو زعم أن الصحراء، التي ظلت محتلة من طرف إسبانيا إلى غاية 1975، ليست جزءا من المملكة، وهو تعبير عن الموقف الرسمي للدولة الجزائرية، لكنه معاكس للخط التحريري لقناة "الجزيرة" نفسها، التي لم تعد تضع فواصل على خريطة المملكة لفصل الأقاليم الصحراوية عن باقي التراب المغربي، والذي جاء تبعا لموقف قطر التي اتصل أميرها بجلالة الملك محمد السادس عقب عملية الكركارات ليعبر عن "مساندته للمملكة المغربية فيما ترتئيه من إجراءات للدفاع عن سلامة وأمن أراضيها ومواطنيها". وبما أن بن قنة والكثيرين غيرها من صحافيي قناة "الجزيرة" ذوو النشاط الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي عبر حسابات يعتبرونها "شخصية"، يقدمون أنفسهم فيها كمُنتمين للشبكة القطرية، يبدو الرجوع إلى ميثاق الشرف المهني المُعلن عنه منذ 2004، ومقارنة ما ورد فيه بما يوجد على أرض الواقع، أمرا مطلوبا. ونجد أن الميثاق يتحدث في بنده الأول على ضرورة "التمسك بالقيم الصحفية من صدق وجرأة وإنصاف وتوازن واستقلالية ومصداقية وتنوع دون تغليب للاعتبارات التجارية أو السياسية على المهنية"، والحال أن "الاستقلالية" و"التوازن"، وحتى "الإنصاف" و"المصداقية" يغيبان عن منشورات بن قنة التي تحمل وجهة نظر واحدة، هي نفسها المتبناة من طرف قصر المرادية في الجزائر. وفي البند التاسع من الميثاق تنص الجزيرة على ضرورة "التمييز بين مادة الخبر والتحليل والتعليق لتجنب الوقوع في فخ الدعاية والتكهن"، ويمكن مقارنة مدى احترام الصحافية الجزائرية لذلك من خلال تغريدة نشرتها عقب قرار أبو ظبي فتح قنصليتها في الصحراء المغربية، إذ أوردت "الإمارات تفتتح قنصلية في مدينة العيون الصحراوية، افتتاح قنصلية في مكان لا يوجد فيه مواطن إماراتي واحد، تراه الجزائر، حسب مراقبين قريبين من السلطة، أنه خطوة تهدف إلى محاصرة الجزائر في سياق التطبيع مع إسرائيل". تجارة بالخبر والمصداقية ولا يمكن الحديث عن مدى احترام صفحات إعلاميي الجزيرة لميثاق الشرف المهني للشبكة دون الوقوف على ظاهرة فريدة، غير جزائرية هذه المرة، ويتعلق الأمر بفيصل القاسم، الإعلامي السوري الذي يقدم برنامج "الاتجاه المعاكس"، ويبدو أن عنوان برنامجه ينسحب على صفحته في الفيسبوك أيضا، التي لا تجد حرجا في نشر الشيء ونقيضه. فالقاسم، حين يتحدث عن علاقة المملكة بقضية الصحراء مثلا، من خلال تدويناته الشخصية، يبدو مساندا للوحدة الترابية للمغرب حتى إنه وجه تحية للمغاربة في إحدى كتاباته لإصرارهم على أن الصحراء جزء لا يتجزأ من ترابهم، لكن صفحته تلك هي التي نشرت روابط لمواقع ضعيفة الصيت حول "وجود حرب في الصحراء" أو "هجوم الجيش الصحراوي على الجيش المغربي"، وهي أخبار أكدت تقارير بعثة "المينورسو" التابعة للأمم المتحدة زيفها. وتؤكد بعض المصادر، أن صفحة القاسم الموثًّقة تُدار من طرف فريق خاص يتعامل معها بمنطق تجاري، حيث تقوم بتقاسم روابط العديد من المواقع، بغض النظر عن مهنية ومصداقية محتواها، في مقابل مادي، مستغلة العدد الكبير من المتابعين الذي يتجاوز 12 مليون متابع، وهو ما يمثل أكثر من نصف تعداد متابعي صفحة "الجزيرة" الرسمية، ما يطرح علامات استفهام حول مشروعية هذا الاستغلال التجاري لصفحة أحد أبرز إعلاميي الشبكة القطرية. هل تلعب قطر على الحبلين؟ وما يلفت الانتباه أكثر في سيل التدوينات والتغريدات التي ينشرها إعلاميو الشبكات القطرية حول المغرب، هو أن الدوحة لا تحرك بخصوصها ساكنا، علما أن "الجزيرة" مملوكة رأسا لدولة قطر، في حين أن "بيين سبورت" مملوكة لمؤسسة قطر للاستثمار الرياضية لجهاز قطر للاستثمار، وهو صندوق سيادي قطري. والمثير أن العديد من هؤلاء الإعلاميين لا يتوانون عن مهاجمة المغرب في تدويناتهم بخصوص تعامله مع بعض القضايا لكنهم يصمتون حين يتعلق الأمر بقطر، فمثلا، اعتاد دراجي انتقاد "التطبيع المغربي الإسرائيلي" وكثيرا ما يعتبر ربط علاقات بين الدولة العبرية والدول العربية "خيانة"، لكنه سكت حين نقلت "بيين سبور" مباراة كأس السوبر الفرنسي الأحد الماضي، بين ليل وباريس سان جيرمان، النادي المملوك بدوره لقطر، بتعليق عربي من ملعب "بلومفيلد" في تل أبيب. ويشير ذلك بأن إعلاميي الشبكات القطرية ليسوا "أحرارا تماما" في كتابة ما يريدون على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتضح هذا من خلال توقفهم عن مهاجمة الإمارات والسعودية منذ إعلان المصالحة الخليجية بداية العام الجاري، لكنهم في المقابل لا يجدون حرجا في معاكسة مواقف الدوحة المتعلقة بالمغرب وخاصة المرتبطة بقضية الصحراء، الشيء الذي يُخلِّف انطباعا مفاده أن هذه الأخيرة "تلعب على الحبلين". عن "الصحيفة" بتصرف