قال محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن نجاح الحوار الليبي ببوزنيقة أفضى إلى بلورة اتفاق شامل لحل الأزمة الليبية، فالتوافقات التي حصلت بين المجلس الأعلى للدولة وبرلمان طبرق لم تكن مجرد إعلان نوايا ، بقدر ما هي معايير دقيقة وموضوعية نجحت في إيجاد توليفة سياسية حول كيفية توزيع المناصب السيادية، على اعتبار أن مسألة بناء دولة قوية بليبيا يشكل صمام أمان لضمان الاستقرار يين السياسي والأمني بهذا البلد. وأوضح الدكتور زين الزين في تصريح ل"تليكسبريس"، انه بقدر ما يشكل لقاء بوزنيقة أرضية صلبة لتحقيق مصالحة تاريخية بين مختلف أطراف النزاع بقدر ما يطرح على القادة الليبيون ضرورة التحلي بروح المسؤولية لمواجهة جملة من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، يتداخل فيها البعد الأمني مع البعدين الاجتماعي والاقتصادي بشكل ملحوظ، فليبيا اليوم تعاني من التضخم نتيجة لتوقف عائدات النفط الذي يشكل أزيد من 95 في المائة من مجموع عائدات الخزينة الليبية، ويزداد هذا الوضع قتامة في غياب تنوع للاقتصاد الليبي، فلا زراعة ولا صناعة ولا اهتمام بقطاع الخدمات، الأمر الذي أفضى إلى إنهاك الاحتياط النقدي. ويؤكد زين الدين، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، أنه "مما زاد الطين بلة هيمنة أطراف إقليمية ودولية على عائدات النفط ، لينعكس هذا الوضع سلبا على المعيش اليومي للمواطن الليبي، فتراجعت قدرته الشرائية وتدهورت الخدمات الأساسية في مجموع التراب الليبي كالانقطاعات المتكررة في الكهرباء، بشكل أدى إلى خروج العديد من الاحتجاجات مطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية، أكثر من ذلك فإن وضع اللاأمن في المنطقة ينذر بمخاطر صعبة أمام قادة تدبير". وزاد بالقول: "هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، فتزايد مخاطر الجريمة المنظمة والتهريب والهجرة السرية وتوسع بعض دول الجوار للهيمنة على الأراضي والمياه الليبية، يجعل من مسألة تسريع بناء دولة قوية مطلبا استراتيجيا لا محيد عنه، في المقابل ينتظر الليبيون من الطبقة السياسية إيجاد حلول لأوضاعهم الاجتماعية الصعبة. " لذلك يضيف الدكتور زين الدين: "أن هذا الأمر ينبغي أن يكون حاضرا في ذهنية كلا الطرفين، فلا سبيل لمواجهة مختلف هذه التحديات إلا باستعادة ثقة المواطن الليبي في طبقته السياسية. وأن المدخل الأساسي لتحقيق هذه المطالب يكمن في بلورة حل سياسي شامل، وهو الأمر الذي شجعت عليه الديبلوماسية المغربية عبر اقرار المادة 15 من اتفاق الصخيرات ليتم تكريسه في لقاء بوزنيقة الذي دلل العديد من الصعاب، خصوصا على مستوى تحقيق تفاهمات حول كيفية توزيع المناصب السياسية للوظائف السيادية بنسبة ناهزت 95في المائة، والأمر هنا يتعلق بالمناصب التالية: محافظ مصرف ليبيا المركزي ، ورئيس ديوان المحاسبة ، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد ، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات ، ورئيس المحكمة العليا والنائب العام." وخلص زين الدين إلى "أن مخرجات لقاء بوزنيقة ستدلل الصعاب فيما يتعلق بتدبير المرحلة الانتقالية المتعلقة ببلورة دستور يستجيب للمطالب المشروعة للشعب الليبي، وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وتأسيس مؤسسات دستورية قوية يأتي في مقدمتها إخراج حكومة وحدة وطنية تستوعب جميع الكفاءات الليبية دون إقصاء أو تهميش لأي طرف ، فالمصالحة لن تتحقق إلا حينما يجد الليبيون أنفسهم ممثلين في مؤسساتهم الدستورية. وأن هذا الخيار هو السبيل الأوحد لإخراج ليبيا من حالة الفوضى الخلاقة التي وضعت فيها. بيد أن إنجاح هذا الخيار يتطلب تقديم تنازلات متبادلة من جميع الأطراف، فحتى في أعتى النظم الديمقراطية لا نجد توافقات سياسية مطلقة بقدر ما نجد توافقات نسبية. كما أن الأمر هنا لا يتعلق بطرف خاسر وطرف رابح ، بقدر ما يتعلق بتغليب لروح المسؤولية الوطنية اتجاه ليبيا أولا وأخيرا، لذلك آن الأوان لجمع شتات القوى السياسية للعمل بكيفية جماعية من أجل استعادة السيادة الوطنية لليبيين، وهو الأمر الذي أظهره بوطنية صادقة جميع أعضاء الوفدين ببوزنيقة، حيث تم تغليب مصلحة الشعب الليبي على أي اعتبار آخر".