كلنا يتذكر تصريح الرئيس الجزائري، في المقابلة التي أجراها مع فرانس 24 يوم 4 يوليوز الجاري، عندما قال :"أقولها بشكل رسمي بأن الجزائر ليس لها أي إشكال أو مشكل مع هذا البلد الجار(المغرب)"، مضيفا في تصريحه الغامض الذي يوحي بأنه يرغب في اليد الممدودة :"الآن، إذا اعتقدوا (يقصد المغاربة) أنه يجب اتخاذ مبادرة، فستكون موضع ترحيب. أعتقد أنه يمكنهم اتخاذ مبادرة لإغلاق هذا الملف". خرجة الرئيس تبون، المعيّن من قبل مؤسسة الجيش يوم 12 دجنبر المنصرم وسط رفض شعبي كبير، أوحى للبعض بأن نظام العسكر في الجزائر يريد طيّ صفحة الخلافات مع المغرب، وقد أثارت هذه التصريحات موجة من الذعر في صفوف العسكر الجزائري وجبهة البوليساريو، وأعقب ذلك حملة شرسة ضد المغرب في وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية مفادها أنه لا يوجد أي تغيير في الأفق في السياسة الجزائرية اتجاه جاره الغربي. ولأن الرئيس تبون ليس رئيسا مستقلا ومنتخبا من قبل الشعب، بل مجرّد دمية في أيدي المؤسسة العسكرية، الممسكة بزمام الأمور في الجزائر، فإنه عاد اليوم، أو أجبر على الأصح، لتصويب تصريحه السابق مع قناة فرانس 24، وذلك من خلال حوار تحت الطلب اجرته معه صحيفة "لوبنيون" الفرنسية.. في هذه المقابلة الأخيرة، قال عبد المجيد تبون بالحرف: "بالنسبة لنا، ليست لدينا مشكلة مع المغرب ونركز على تنمية بلدنا"، مضيفا "لا يبدو أن إخواننا المغاربة في نفس الحالة الذهنية"! وللتوضيح أكثر، قال الرئيس المعيّن من قبل العسكر "بالنسبة للمغرب، فإن جمهورية الوهم الصحراوي "هي زائدة على الساحة الدولية"، مضيفا "إن الأمر متروك لهم(يقصد المغاربة) للدخول في حوار مع البوليساريو" إذا قبل "الصحراويون مقترحاتهم، فسوف نشيد بذلك"! قبل ان يؤكد أ، ما أسماه "دعم حركات التحرر" هو ثابت من ثوابت الدولة الجزائرية وقال "إنها شبه عقيدة". زلة لسان تبون تكشف حقيقة ثابتة لدى نظام العسكر وهي أن "دعم البوليساريو هو عقيدة في الجزائر"، وبعبارة أخرى هي أحد ثوابت الدولة، أي حقيقة لا تقبل النقاش ولا يمكن أن توضع موضع تساؤل، إنها باختصار البومدينية في أبهى حللها وتجلياتها.. في هذا الحوار مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، عاد الرئيس الجزائري للحديث مرة أخرى عن بناء قاعدة في جرادة من قبل القوات المسلحة الملكية والحال ان الامر يتعلق بمجرد ثكنة عسكرية. وأكد الرئيس الجزائري المعيّن أن "بناء قواعد عسكرية على حدودنا هو شكل من أشكال التصعيد الذي يجب أن يتوقف"، كذا! ولكن تبون نسي أن الجيش الجزائري، الذي هو من حيث المبدأ وفوق الورق قائده الأعلى، يمتلك حوالي عشرين قاعدة عسكرية على طول الحدود مع المغرب. ويبدو أن القاعدة العسكرية التي يعتزم المغرب بناءها بالقرب من جرادة هي مجرد مبرر جديد للنظام الجزائري من أجل تغذية التوتر الدائم مع المغرب. أما بالنسبة للأشخاص الذين اعتقدوا بحصول معجزة بعد حوار تبون مع فرانس 24 فيتعين عليهم أن يتمسكوا بكلمة "شبه" التي تسبق كلمة "عقيدة"، وهذا يترك بعضا من الأمل في إقامة علاقة طبيعية بين البلدين.