يستعد حزب العدالة والتنمية إلى إطلاق مبادرة الحوار الوطني، بغاية مواجهة تداعيات كورونا، وتقليص الإختلافات بين الفاعلين السياسيين. بغاية ربح وكسب الوقت وتقليص الاختلافات يخدم بالدرجة الأولى مصالح العدالة التنمية، ومنع بروز بديلا لها. وتمكينها من إحتواء فضيحة الرميد التي ستحرج المغرب دوليا في التسويق لإنجازاته في مجال حقوق الإنسان، و داخليا في إعطاء الثقة في المؤسسات. إحالة ملف الرميد وامكراز للجنة داخلية، رغم أن الملف يلزمه إجراء حكومي من طرف رئيس الحكومة كملتمس للملك لإعفاء الوزيران. إن هذه الفضيحة أوضحت أن المعظلة الأساسية في المشهد السياسي تمكن، في فقدان للأحزاب الثقة في أن تكون بديلا للعدالة التنمية، تحاول كلها المناورة، وهذا ما يفسر سلوك أحزاب المعارضة التي مازالت تعيش مرحلة مراهقة سياسية عنوانها “المشاركة في الحكومة مع العدالة التنمية ”، وتتضارب فيما بينها دون ان تملك الجرأة و الشجاعة لطرح نفسها بديلا سياسي، وهذا المعطى يخدم مصالح العدالة والتنمية، و جعلها تناور على تناقضات المشهد السياسي، الأمر الذي أكسب العدالة والتنمية. مجالا رحبا في اللعب على التناقضات، بعد تغلغلها داخل المؤسسات. فخصوم العدالة التنمية في الحكومة و المعارضة يشتركون في العديد من النقط، وإن كان بفوارق طفيفة، في عدم قدرتهم على تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهذا ما يفسر عدم دفع هذه الأحزاب بمساءلة الحكومة و تفعيل الآليات الدستورية، في هذا المجال. هذا على المستوى الخارجي أم على المستوى الداخلي بالعدالة التنمية، فإن حرب الأجنحة تفاقمت بفعل تطاحنات، و إخراج ملف وزير الشغل من قبل جناح بنكيران يوضح حالة الإرتياح الجماعي في صفوف العدالة التنمية في كسب انتخابات 2021، مما جعلهم يبدأون التسابق لتموقعات و التطاحنات اللذين يحاولون إحتواءها. عبر ترك هذه المهمة لشيوخ جماعة التوحيد و الإصلاح، التي تستشعر قلقا متزايدا، وتتولى مهمة البحث عن تفاهمات تُوصف بالصعبة للوصول لاحتواء فضيحة الرميد الذي تعول عليه في المرحلة القادمة، في وقت فضل العثماني الهروب من تحمل المسؤولية كرئيس للحكومة في محاولة منه لتجنب صدام بينه و بين شيوخ التوحيد و الإصلاح . ولعبة إحالة، هو تكتيك لربح الوقت بغية إيجاد تخريجة، وإنتظار السياق الدولي ماذا سيحمل. كما أنهم يستعدون للعب ورقة جديدة، من خلال دعوة البعض فيه إلى إخراج ورقة الحوار الوطني بغاية رسم تموقعاتها المستقبلية في المشهد السياسي بهدوء وأن تحافظ على وجودها الانتخابي، وتعمل على الفوز بمرتبة الأولى و تكون لها الحرية في رسم التحالفات المؤثرة. إن إخراج ورقة الحوار، ليس سوى مناورة سياسية جديدة، وورقة تفاوضية ستُطرح خلال المشاورات مع الأحزاب تريد من خلالها العدالة والتنمية توظيف أحزاب المعارضة، التي تبدو فاقدة للأمل أن تكون بديلا، وإبقاء الباب مفتوحا أمام إمكانية التراجع عن هذا القرار للظهور في صورة الحزب الحريصة على تكريس سياسة الشراكة مع بقية الأحزاب. وواقع الحال فان هذا الموقف الذي ستتخذه العدالة و التنمية يعكس واقع احتدام صراع الأجنحة داخل العدالة التنمية، والعثماني في الخطوات القادمة لن يتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة، لأنه يدرك أن الحكومة لن تصمد أكثر من شهور. قيادات العدالة التنمية تدرك بكون إخراج التطاحنات للعلن يشكل تهديد جماعي، لهم لكونهم سيفقدون الحصانة مما سيسمع ببروز العديد من القضايا التي قد تلاحقه في علاقة بتدبير للجماعات الترابية و الجهات. فالشيوخ العدالة والتنمية، فهم يتابعون السياق الدولي و لديهم قلق فعلي، جراء المتغيرات السياسية التي قد تكون لها تداعيات وانعكاسات فوق قدرتهم على التحمل أو حتى احتواء تبعاتها والتقليل من وطأتها، أكتر من تتبع باقي الأحزاب التي باتت تشهد حرب الجميع ضد الجميع و تعاني من الانهاك. لهذا فالتلويح بالحوار هو مسعى لخلط الأوراق، و فرصة لفتح سجالات جديدة تعيد بها تطويق مأزقها الداخلي المتفاقم بحثا عن مخرج يمكنها من إعادة ترتيب الأولويات و مواقفها السياسية. فإن تلك التهديدات لا تخرج عن دائرة التكتيات التفاوضية.