يبدو أن الشرارة التي أشعلها قتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية في مدينة مينيابوليس، جورج فلويد، خنقاً تحت ركبة ضابط شرطة، لن تنطفئ قريباً، بل هي في طريقها إلى التصعيد في منحىً لا يمكن التنبؤ بنهايته، ولا سيما مع تزايد العنف المصحوب بالتظاهرات التي وصلت إلى قلب العاصمة وعلى أسوار البيت الأبيض، وامتدت في أنحاء البلاد، الأمر الذي أجبر الرئيس دونالد ترامب، على النزول إلى المخبأ السري. وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن جهاز الخدمة السرية نقل الرئيس دونالد ترامب إلى مخبأ سري تحت الأرض ليل الجمعة، على خلفية التظاهرات الحاشدة التي تدور في محيط البيت الأبيض ومناطق أخرى. وأوضحت الصحيفة في تقريرها الذي نشرته، أمس الأحد، أنّ المخبأ كان يستخدم في الماضي في أثناء الهجمات الإرهابية. وبحسب تقرير الصحيفة، أمضى ترامب، أمس الأحد، بعيداً عن الأنظار، على الرغم من توقع البعض إلقاءه كلمة بخصوص ما تشهده البلاد من أحداث. وذكرت أن "ترامب كان قد أبدى أولاً تعاطفه مع فلويد وعائلته، لكن بعد ذلك عبّر عن استيائه الشديد من عمليات النهب والشغب التي رافقت الاحتجاجات، ودافع بشدة عن نشر الحرس الوطني في الولايات التي تشهد اضطرابات، وهدد بالتصدي لمثيري الشغب الذين يحاولون تخطي سور البيت الأبيض بالكلاب والسلاح". ونشر ترامب سلسلة تغريدات انتقد فيها مواقف الديمقراطيين من الاحتجاجات، كذلك حمّل اليساريين المتطرفين المسؤولية عنها. وقد اندلعت المظاهرات في 75 مدينة، على الأقل، حيث اضطر المحافظون ورؤساء البلديات إلى استدعاء الحرس الوطني، أو فرض حظر التجوال على نطاق لم يشهد منذ اغتيال زعيم الحركة المدنية مارتن لوثر كينغ جونيور في عام 1968. ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أنه "فيما كان ترامب محطّ غضب بعض المحتجين، وخاصة في واشنطن، حاول مساعدوه أن يشرحوا له أن الاحتجاجات لم تكن بشأنه فحسب، بل حول قضايا نظامية أوسع تتعلق بالعرق، وفقاً لعدة مسؤولين". وفي الوقت ذاته، لم يُخفِ بعض مستشاري الرئيس قلقهم من تغريداته، واعترفوا بأنها تزيد الوضع تأزماً، حسب الصحيفة.
بدورها، أكدت شبكة "سي أن أن" صحة خبر اختباء الرئيس الأميركي، وكشفت عن مسؤول في البيت الأبيض ومصدر أمني أنّ "الرئيس ترامب نُقل لفترة وجيزة إلى مخبأ تحت الأرض في البيت الأبيض لفترة من الوقت، الجمعة الماضية"، وأضافا أنه "مكث في المخبأ لمدة أقل من ساعة، قبل أن يصعد إلى الأعلى مجدداً". وقال المصدر الأمني ومصدر آخر مُطلع على الحدث، ل"سي أن أن"، إن "زوج الرئيس ميلانيا ترامب وابنهما بارون نُقلا إلى المخبأ أيضاً". وأوضح المصدر الأمني أنه إذا نقلت السلطات ترامب، فستنقل جميع الأشخاص المحميين، بحسب البروتوكول، وهذا يعني ميلانيا وبارون. وقال مصدر آخر إنه "إذا رُفعَت الحالة في البيت الأبيض إلى الدرجة الحمراء، ونُقل الرئيس إلى مركز عمليات الطوارئ أسفل الجناح الشرقي في البيت الأبيض، فإن ميلانيا ترامب وبارون، وأي أقارب غيرهم من الدرجة الأولى سيُنقَلون أيضاً". وبحسب شبكة "سي أن أن"، فقد استُدعيَ جميع قوات الحرس الوطني في واشنطن لدعم الشرطة في مواجهة احتجاجات. بينما نقلت "فوكس نيوز" عن مسؤول أميركي، قوله إن "أكثر من 50 عنصراً من جهاز الخدمة السرية أصيبوا بجروح، مساء الأحد، في واشنطن". ولليلة السادسة على التوالي، حصلت مواجهات بين متظاهرين ورجال الشرطة إلى جانب أعمال نهب. وقال مراسلو وكالة "فرانس برس" إنّ الغاز المسيل للدموع استُخدم لتفريق حشود الناس الذين تجمّعوا خارج البيت الأبيض وهم يهتفون ويشعلون النيران ويحملون لافتات احتجاجيّة. فيما فرض حظر تجول ليلي في عدة مدن، بينها واشنطن ولوس أنجليس وهيوستون. وذكرت قناة "الجزيرة" أن توتراً شديداً يسود محيط البيت الأبيض بعد إضرام محتجين النار في حديقة مقابل المبنى. وفي مينيسوتا، حاولت شاحنة صهريج شقّ طريقها، الأحد، بين آلاف المتظاهرين على جسر في وسط مينيابوليس، وهو الأمر الذي استدعى تدخلاً لعدد كبير من عناصر الشرطة. وقالت الشرطة المحلية في بيان إنّه لم تُسجَّل على الأرجح إصابات في صفوف المتظاهرين، واصفة ما حصل بأنه واقعة "مزعجة جداً". وأُصيب سائق الشاحنة بجروح، لكنّ حياته ليست في خطر، وقد اعتُقل ونُقل إلى المستشفى. والتظاهرة التي خرجت احتجاجاً على وفاة جورج فلويد على أيدي الشرطة، انطلقت من الكابيتول في سانت لويس حيث برلمان مينيسوتا. واتجهت التظاهرة التي ضمت نحو ألفي شخص في أجواء سلمية نحو وسط مينيابوليس. وعلى طول الطريق، أغلقت الشرطة وعناصر من الحرس الوطني الطرق المحيطة لتأمين الموكب. ولم يتضح في البداية كيف أمكن سائقَ الشاحنة الاقتراب من المتظاهرين. وبينما كان المتظاهرون يعبرون جسراً على طريق سريع، تقدَّم الرجل بشاحنته باتجاه الحشد. وقال شاهد لقناة "كاي إس تي بي" المحلية إن متظاهرين ألقوا درّاجاتهم تحت شاحنته في محاولة لإيقافه. ووصلت عشرات من سيارات الشرطة سريعاً وأبعدت المتظاهرين عن الجسر. وكانت وفاة جورج فلويد في ولاية مينيسوتا سبباً لاحتجاجات عنيفة أجبرت قوّات الحرس الوطني على تسيير دوريّات في مدن أميركية عدّة الأحد.