ستتوجه أنظار الفرنسيين، بعد ظهر اليوم الخميس، إلى شاشات التلفاز، لمعرفة تفاصيل الاستراتيجية الوطنية لرفع تدابير الحجر الصحي التي ستدخل حيز التنفيذ ابتداء من 11 ماي الجاري، والتي سيعرضها رئيس الوزراء، إدوارد فيليب، وسط مخاوف متنامية حيال موجة عدوى ثانية محتملة لوباء فيروس كورونا. فبعد زهاء شهرين من الحجر الصحي المنزلي مع فرض قيود صارمة على التنقل، إلى جانب تعليق الحياة الاجتماعية والتوقف شبه التام للاقتصاد، حان الوقت لرفع تدابير الحجر، الذي تريده الحكومة تدريجيا ومتباينا، بناء على تطور الوباء في مختلف جهات البلاد. وفي الواقع، سبق للفرنسيين أن أخذوا فكرة أولية حول الاستراتيجية الحكومية لرفع تدابير الحجر بالبلاد، والتي قدم إدوارد فيليب محاورها، الأسبوع الماضي أمام الجمعية الوطنية، التي صادقت عليها بأغلبية واسعة، ثم مجلس الشيوخ الذي تلقت به صفعة قوية يوم الاثنين، حتى وإن كان التصويت بكلا الغرفتين لا يكتسي سوى قيمة رمزية وحسب. وهذه المرة، فإن رئيس الوزراء، الذي سيكون محاطا بعدد من أعضاء الحكومة، بمن فيهم وزراء الصحة، والتعليم، والاقتصاد والداخلية، والشغل، سيتوجه من جديد، إلى المواطنين الفرنسيين، من مقر رئاسة الحكومة بماتينيون، في الساعة الرابعة عصرا، وذلك في عرض مفصل للتدابير المتخذة من أجل الشروع في رفع الحجر، الذي طال انتظاره من طرف الكثيرين ويشكل مصدرا للقلق بالنسبة لآخرين. وحسب آخر استطلاعات للرأي، يؤكد فرنسيان من بين ثلاثة قلقهما حيال آفاق الخروج من الحجر الصحي. فهم يخشون على الخصوص، موجة ثانية لتفشي عدوى الفيروس الفتاك الذي أودى منذ فاتح مارس الماضي بحياة 25 ألفا و809 شخصا. وفي جميع خرجاته التلفزيونية، ظهر رئيس الوزراء مطمئنا عبر تأكيده أن الخروج من الحجر الصحي لن يبدأ في معزل عن سماح الظروف الصحية بذلك، أخذا بعين الاعتبار العديد من المؤشرات، لاسيما تفشي الفيروس، ومعدل شغل أقسام الإنعاش، وخاصة قدرة المصالح الطبية على إجراء 700 ألف كشف في الأسبوع. ولعل هذا ما عبر عنه العديد من المسؤولين الحكوميين، منهم وزير الصحة أوليفيي فيران، الذي صرح مؤخرا لصحيفة "لو باريزيان" بأن "هذا التاريخ يمكن مراجعته". وكان فيليب قد أعلن أمام غرفتي البرلمان، عن سلسلة من التدابير التي تطال العديد من مظاهر الحياة اليومية للفرنسيين، بدءا من إعادة فتح المدارس، الموضوع الذي يثير الكثير من نقاط الخلاف بين السلطة التنفيذية، ونقابات المدرسين، وآباء التلاميذ، وعمداء البلديات، المكلفين بالسهر على تنفيذ هذا القرار المثير للجدل. وتهم هذه الإجراءات، أيضا، التنقلات بين الجهات والمقاطعات، والنقل العمومي، والتجمعات، وارتداء الكمامات الواقية أو إعادة فتح المحلات التجارية والأسواق، واستئناف النشاط الاقتصادي والاحتفالات الدينية. وإذا كان الفرنسيون يتفقون حول ضرورة استئناف الحياة العادية، في أقرب وقت، بعد عدة أسابيع من العزل المنزلي، فإنهم يعارضون في المقابل أن يكون هذا الخروج على حساب سلامتهم الصحية. ولعل هذا الأمر ينطبق على قرار الحكومة المتعلق بالشروع في إعادة فتح المدارس والإعداديات، ابتداء من يوم الاثنين المقبل، والذي أملته، حسب المراقبين، أسباب ذات طبيعة اقتصادية والضرورة الملحة لجعل عجلة الإنتاج الصناعي تدور من جديد بالبلاد. ومنذ الإعلان عنه في 13 أبريل من طرف الرئيس ماكرون، ما فتئ هذا القرار يثير الجدل، لاسيما وأنه يعود برأي المجلس العلمي إلى الوراء، هذه الهيئة المكلفة بتقديم المشورة للحكومة حول التدابير التي يتعين اتخاذها لمحاربة الجائحة، والتي نصحت السلطة التنفيذية بإغلاق المدارس حتى شتنبر المقبل. وفي نفس السياق، طلب أزيد من 300 من عمداء بلديات جهة إيل-دو-فرانس، إحدى الجهات الأكثر تضررا جراء وباء "كوفيد-19"، من الرئيس إيمانويل ماكرون في رسالة موجهة إليه، تأجيل إعادة فتح المدارس، منددين ب "أجندة غير واقعية" للدخول المدرسي في 11 ماي الجاري، في الوقت الذي قرر فيه رؤساء عدد من البلديات والمدن تأجيل العدوة إلى فصول الدراسة لتواريخ لاحقة. وإلى جانب السياسيين ونقابات المدرسين، ما فتئت الفئة المعارضة لإعادة فتح المدارس تزداد اتساعا في أوساط الرأي العام الفرنسي، كما يؤكد ذلك استطلاع الرأي الأخير لحساب "بي.إف.إم.تي.في"، تم نشره أمس الأربعاء، والذي أشار إلى أن 70 بالمائة من الفرنسيين عبروا عن معارضتهم لإعادة فتح المدارس على نحو تدريجي، وهو الرقم الذي ارتفع ب 10 نقاط في ظرف أسبوع، وب 25 نقطة في ظرف خمسة عشر يوما. لكن، علاوة على التعليم، الذي يثير الكثير من التساؤلات، لا تزال الكثير من مناطق الظل قائمة، لاسيما في ما يتعلق بارتداء الكمامات الواقية، بعد رفع تدابير الحجر الصحي، والتعقب الرقمي للمرضى من خلال تطبيق "ستوب كوفيد"، أو حتى "الدوريات" الصحية وتحديد التنقلات. هكذا، سيحظى رئيس الوزراء، اليوم الخميس، بفرصة طمأنة الفرنسيين وتقديم إجابات واضحة حيال مظاهر القلق المعبر عنها من طرف شريحة عريضة من الرأي العام الفرنسي.