لم يكد الجزائريون ينتهون من جمعة الاحتفاء بالذكرى الأولى لاندلاع الحراك الشعبي، والتي شهدت مظاهرات حاشدة في العاصمة وأغلب المدن الجزائرية، حتى كان الحراك الطلابي في الموعد، اليوم الثلاثاء، لإحياء ذكرى مرور عام على دخول الطلبة على خط الثورة الشعبية ضد نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ورفضاً لترشحه لولاية رئاسية خامسة حينها. تظاهرات وتعزيزات أمنية وخرج الآلاف من الطلبة والمواطنين، اليوم، في مسيرات عبر العاصمة ومدن جزائرية، وسط تعزيزات أمنية انتشرت على مستوى كل الشوارع الرئيسية وسط العاصمة من ساحة الشهداء الى شارع العربي بن مهيدي، مع إغلاق تام للنفق الجامعي بشاحنات الشرطة لمنع المتظاهرين من التوجه نحو ساحة أودان. وتجمع الطلبة في ساحة الشهداء المقابلة لمسجد "كتشاوة"، أحد أبرز مساجد الجزائر، قبل أن ينطلقوا نحو ساحة البريد المركزي عبر شارع باب عزون والعربي بن مهيدي، رافعين الأعلام الوطنية ومرددين شعارات تطالب باستقلالية العدالة، ورافعين صور عدد من الناشطين المعتقلين الذين مازالوا في السجون، ككريم طابو وإبراهيم لعلامي وفوضيل بومالة، الذي كان قد قدم مرافعة تاريخية خلال جلسة محاكمته الأحد الماضي، أو الذين مازالوا قيد الملاحقة القضائية والتضييق. وكان لافتاً اليوم عودة الشعارات الأولى للحراك الشعبي، والتي تندد ب"العصابة والفساد"، وتطالب بتحرير العدالة من الضغوط والهيمنة السياسية. ورفع المتظاهرون شعارات مناوئة لجنرالات الجيش والمطالبة باستبعاد المؤسسة العسكرية عن مراكز صناعة القرار "دولة مدنية وليس عسكرية"، إضافة إلى شعارات تؤكد على الوحدة الوطنية ورفض إثارة النعرات بين الجزائريين، والتطلع إلى إقامة "دولة ديمقراطية في إطار المبادىء الإسلامية". وحاولت قوات الأمن منع المتظاهرين من الطلبة والمواطنين من الوصول إلى البريد المركزي، وهو ما دفع بالمحتجين إلى التمسك والبقاء بالقرب من ساحة أودان ورفض المغادرة مرددين شعار: "احنا ولاد عميروش (أحد شهداء ثورة التحرير ومهندس الثورة ومؤتمر الصمام) إلى الوراء ما نرجعوش" ( لن نعود)، مع تسجيل احتكاك طفيف بين الشرطة والطلبة بسبب رفض السماح للمتظاهرين بالتوجه إلى ساحة البريد المركزي. وأعلن المتظاهرون عن توجه جديد لتنظيم مسيرات شعبية كل يوم سبت، لتصبح أيام التظاهر ثلاثة أيام في الأسبوع، بعد تجربة الأسبوع الماضي التي شهدت مظاهرات يومي الجمعة والسبت، ما سيزيد متاعب جديدة للسلطة، ويرهق أكثر قوات الأمن التي تراقب المظاهرات منذ سنة. وفي مدينة بجاية، خرجت اليوم مظاهرات طلبة شارك فيها الأساتذة الجامعيون للمطالبة بتغيير النظام وبناء دولة العدالة والديمقراطية، كما خرجت مظاهرات طلابية في مدينة تيزي وزو للمطالبة بالتغيير السياسي وحرية التعبير. وجاب طلبة تلمسان شوارع المدينة للمطالبة بإطلاق سراح معتقلي الرأي، ورافع طلبة جامعة وهران غربي البلاد لصالح إطلاق مسار انتقال ديمقراطي في البلد. ثورة الطلبة ويعتبر التحاق الطلبة بثورة الشعب في فبراير حلقة أخرى واجبة، واستدعاء لقصة مغادرة الطلبة الجزائريين لمقاعد الدراسة عام 1956 للالتحاق بثورة التحرير، حيث اكدت إحدى الطالبات بهذا الخصوص انه "لم يكن ممكنا لنا كطلبة والشعب يثور ضد محاولة إهانته بترشيح رئيس مريض ومغيب عن الوعي، وهيمنة الكارتل المالي على مقدرات البلاد، أن نبقى بعيدين عما يحدث، وكان لزاماً علينا أن نتخذ الموقف الصحيح، وقد اتخذنا القرار الصحيح حينها أن ننحاز إلى الثورة". في تلك الفترة كان نشطاء الحراك أسبق من النظام بخطوة، عندما نجحوا في نقل الحراك من الشارع إلى الجامعة، إذ كان الوقت قد فات السلطة التي حاولت عبثاً اللحاق بالوضع والسيطرة عليه، فقررت بشكل غير مسبوق تسريح الطلبة إلى عطلة إجبارية وغلق الجامعات والمدن الجامعية، لكن ذلك كان قراراً غير موفق، لأن السلطة ساعدت الحراك من حيث لا تحتسب، ونقلت كتلة من الطلبة إلى بلداتهم، بحيث كانت لهم فرصة تأطير الحراك المحلي... وبقدر ما أخطأت السلطة في تقدير الحجم الحقيقي لمظاهرات 22 فبراير 2019، فإنها أخطأت أيضاً في تقدير تداعيات انتقال الحراك إلى الجامعة، بحيث صارت في مواجهة حراك شعبي كل جمعة وحراك طلابي كل يوم ثلاثاء، ومازال مستمرا حتى الآن. حراك مستمر ويعتبر استمرار الحراك الطلابي أمرا بالغ الأهمية في مسار الثورة الشعبية، وأكثر أهمية من مسيرات الجمعة، إذا أن مظاهرات الطلبة تؤكد بالدرجة الأولى وجود مستوى من الوعي الذي تكرس خلال عام، لكن الأكثر أهمية أن مظاهرات الطلبة تبرز أن هذا الجيل مهتم ويركز على مستقبله، وأكثر تمسكا بصياغة هذا المستقبل، وفقا لما يراه، بخلاف الجيل السابق... إن إيمان الطلبة بالقضية الديمقراطية مسألة هامة جداً، وتوضح أن الثورة الشعبية بلغت حداً لا يمكن أن تتراجع عنه حتى تحقيق المطالب أو وضع البلد على سكة الانتقال الديمقراطي.. عن "العربي الجديد" بتصرف