يشهد فصل الشتاء انتشار العديد من الأمراض الفيروسية التي تتفاقم بفعل برودة الطقس، مما يساهم في انخفاض المناعة الذاتية للأشخاص، وبالتالي ارتفاع خطر ملازمة الفراش لعدة أيام، نتيجة الإصابة بأحد أنواع الأنفلونزا الموسمية. ارتفاع مفاجئ في حرارة الجسم، وسعال مرفوق بصداع وألم في العضلات والمفاصل، إلى جانب التهاب الحلق وسيلان الأنف، تعد أكثر الأعراض شيوعا في صفوف المصابين بالأنفلونزا الموسمية باعتبارها ، كما تعرفها منظمة الصحة العالمية، عدوى فيروسية حادة يسببها أحد أصناف فيروسات الأنفلونزا الثلاث ("أ" و"ب" و"ج"). ويوضح مدير مديرية علم الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة، محمد اليوبي، في هذا الصدد، أن فيروس الأنفلونزا بطبيعته ينتشر في فصل الشتاء، مسجلا أن خاصيته تتمثل في تغير تركيبته الجينية بشكل خفيف، من سنة لأخرى، إذ يكون مختلفا قليلا عن الفيروس المنتشر خلال الموسم السابق. لذلك، يقول اليوبي، لا يتوفر الإنسان على المناعة المطلقة إزاء الأنفلونزا، وهذا ما يفسر أهمية التلقيح ضد الفيروس كل سنة . وأشار المسؤول إلى أن الحالة الوبائية للأنفلونزا الموسمية لم تتغير خلال الموسم الحالي من حيث العدد، موضحا أنه يتم اعتماد مؤشرين لقياس هذه الحالة الوبائية، يشمل الأول تحديد نسبة الإصابة انطلاقا من قسمة عدد الأشخاص الحاملين لأعراض الإصابة بالأنفلونزا على مجموع الأشخاص الذين توافدوا على المراكز الصحية خلال الأسبوع. وأكد أنه يتم تتبع هذه النسبة بشكل أسبوعي طيلة السنة، وليس فقط خلال فصل الشتاء، في إطار نظام المراقبة الوبائية للأنفلونزا، والذي يظهر أن حالات الإصابة بالأنفلونزا الموسمية تبدأ إجمالا بالارتفاع خلال شهر دجنبر، لتبلغ ذروتها أواخر شهر يناير وبداية فبراير، ثم تبدأ في الانخفاض في الأسبوعين الأخيرين من فبراير وبداية مارس. وسجل في هذا الإطار، أن الوضع الوبائي خلال الموسم الحالي يعد طبيعيا، مشيرا إلى أنه تتم المقارنة مع معدل السنوات العشر الماضية، بواسطة طرق الدراسة الوبائية. أما المؤشر الثاني، يضيف السيد اليوبي، فيتمثل في إرسال عينات بعض الأشخاص الذين تنطبق عليهم أعراض الإصابة بالأنفلونزا، والمختارة بطريقة اعتباطية موزعة على التراب الوطني لضمان التمثيلية، إلى المختبر، بهدف التعرف على الفيروسات الأكثر انتشارا خلال الموسم الراهن، وبالتالي الاطلاع على مدى وجود النوع الرائج ضمن تركيبة اللقاح المستعمل خلال الموسم. وبعد أن رصد أن الصنف (ب) يعد الرائج بشكل أكبر خلال هذا الموسم، وذلك إلى جانب فيروسي (H1N1) و(H3N2) (صنف أ) المنتشرين خلال السنوات الأخيرة، أكد أن اللقاح الثلاثي المستخدم يضم الأصناف الثلاثة للأنفلونزا، مسجلا أنه لا يوجد اختلافات بين الجهات أو بين الفئات العمرية مقارنة مع السنوات الماضية، وذلك في ما يتعلق بحالات الإصابة بالأنفلونزا الموسمية. ورغم كون الأنفلونزا تعد مرضا حميدا قد لا يتطلب أكثر من الخلود إلى الراحة، فإن المسؤول الصحي يشير إلى أن الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة يكونون دائما عرضة لمضاعفات يمكن أن تتسبب في بعض حالات الوفيات، مشددا على أن الوفاة لا تنجم عن فيروس الأنفلونزا بل عن الحالة الصحية لهؤلاء الأفراد، والتي تضعف مناعتهم. ويندرج ضمن هذه الفئة، كما تحددها منظمة الصحة العالمية، كل من المرأة الحامل بالنظر لحالتها الفيزيولوجية التي تضعف مناعتها، والأشخاص المسنين خاصة الذين يكونون حاملين لبعض الأمراض المزمنة، من قبيل السكري وباقي الأمراض المزمنة مثل القلب وأمراض الجهاز التنفسي. ومن الفئات ذات عوامل الاختطار أيضا الصغار دون الخامسة، حيث يمكن أن تساهم الإصابة بالأنفلونزا، في بعض الحالات، في ظهور مضاعفات، إذ تنضاف للفيروس بكتيريا أخرى تصيب الجهاز التنفسي حيث تتفاقم حالة التعفن لتبلغ الرئتين. وتشمل هذه الفئات أيضا الأشخاص الذين تضعف مناعتهم بفعل تناول الأدوية كتلك الخاصة بعلاج السرطان. ويبرز اليوبي، بهذا الخصوص، أنه من المستحسن بالنسبة للأشخاص المعرضين لمضاعفات الأنفلونزا الموسمية، اللجوء إلى التلقيح الموسمي. أما الاحتياطات المتعين اتخاذها لتجنب الإصابة بالأنفلونزا الموسمية، فهي على غرار احتياطات السلامة العامة التي توصي بها وزارة الصحة والمتعلقة بجميع الأمراض التي تنتقل عبر الهواء، حيث تشمل على الخصوص غسل اليدين بصفة منتظمة، وتغطية الفم، أثناء السعال، بالمناديل الورقية أو مرفق اليد، والابتعاد عن الأشخاص الذين يعانون السعال والحرص على التهوية الجيدة للفضاءات المغلقة التي تضم عددا كبيرا من الأشخاص، من قبيل فضاءات العمل والمساجد ووسائل النقل الجماعية، وكذا داخل المنازل. وبخصوص بعض الممارسات الشائعة، المتمثلة أساسا في التطبيب الذاتي في حالات الإصابة بالأنفلونزا، فإن المسؤول بوزارة الصحة يؤكد أن الأمر يتعلق بعملية محفوفة بالمخاطر، إذ لا يجب الاستهانة بأي مرض، مشددا على ضرورة استشارة الطبيب. وسجل، في الوقت نفسه، أنه يمكن أحيانا تناول أدوية لخفض الحرارة في انتظار عيادة الطبيب من أجل التشخيص الجيد وبالتالي تناول الدواء المناسب للحالة، محذرا من الإقبال على تناول المضادات الحيوية دون وصفة طبية، إذ يمكن أن يفتح تناول أدوية مختلفة المجال أمام مخاطر صحية جمة. يهدف نظام مراقبة الأنفلونزا بالمغرب إلى ضمان التتبع الدقيق لتطور الأنفلونزا الموسمية، وتحديد الفيروسات المتفشية خلال كل موسم، إذ يقدم كافة المعطيات الضرورية حول تطور الوضعية الوبائية بغية اتخاذ الإجراءات الضرورية. ويستند النظام، حسب معطيات لوزارة الصحة، على مكونين أساسيين، يشملان المراقبة السريرية للأنفلونزا من خلال شبكة تضم 412 مركزا صحيا في القطاع العمومي عبر التراب الوطني، والمراقبة الوبائية والفيروسية للأنفلونزا والالتهابات التنفسية الحادة التي يتم التكفل بها على مستوى ثمانية مراكز صحية وثماني مؤسسات استشفائية، وكذا من خلال شبكة تضم 28 طبيبا في القطاع الخاص. تشير معطيات نشرة الوضعية الوبائية لوزارة الصحة، الخاصة بشهر يناير 2020، إلى أن الوضعية الوبائية اتسمت بانطلاق سريع للأنفلونزا الموسمية خلال الفترة ما بين 25 نونبر وفاتح دجنبر 2019، حيث تم تجاوز عتبة متوسط حالات الإصابة، والمقدر بالمغرب ب1,51 حالة لكل 100 استشارة طبية، لتبلغ ذروتها في الفترة ما بين 16 و22 دجنبر 2019، والتي تقدر ب2,17 حالة إصابة لكل 100 استشارة طبية. غير أنها تظل وضعية عادية مقارنة بمتوسط السنوات العشر الأخيرة. وتضيف معطيات وزارة الصحة أن وتيرة حالات الإصابة بدأت في التراجع خلال الفترة ما بين 30 دجنبر 2019 و5 يناير 2020. وتوضح المعطيات ذاتها أنه تم القيام بتحليل فيروسي ل770 عينة (56,9 بالمائة منها تهم الالتهابات التنفسية الحادة و43,1 بالمائة خاصة بالأنفلونزا) خلال الفترة ما بين 9 شتنبر 2019 و19 يناير 2020، وذلك بالمختبر المرجعي لوزارة الصحة. وتظهر هذه المعطيات أن التحليل مكن من تحديد خصائص 192 فيروسا للأنفلونزا، من بينها فيروس من الصنف "أ" (H1N1) بنسبة 0,5 بالمائة، و17 فيروسا من الصنف "أ" (H3N2) (8,9 بالمائة) و174 فيروسا من الصنف "ب" ب90,6 بالمائة من مجمل حالات الإصابة بالأنفلونزا. كما تبرز المعطيات التحليلية أن الفئتين العمريتين (من سنتين إلى خمس سنوات) و(5 - 15 سنة)، تعدان الأكثر تعرضا للأنفلونزا (51,2 و61,2 بالمائة على التوالي)، وذلك من أصل 332 عينة الخاصة بالأنفلونزا، وهو ما يعزى بالأساس إلى التعرض للفيروس في الوسط المدرسي، تليهما الفئة العمرية ما بين 15 و50 سنة (43,1 بالمائة) بفعل سهولة انتشار الفيروس في الوسط المهني. وتسجل المعطيات كذلك بخصوص هذا الموسم، في ما يتعلق بحالات الإصابة بالالتهابات التنفسية الحادة أنه من أصل 438 عينة تحليلية، فإن نسبة الإصابة في صفوف فئة كبار السن (65 سنة وما فوق) تقدر ب10 بالمائة، مسلجة انخفاضا مقارنة مع الموسم 2018 - 2019 (32,9 بالمائة).