بعد حوالي عقد عن دخول مينائه الأول حيز الاستغلال، أعاد المركب المينائي طنجة المتوسط خلال عام 2019 كتابة التاريخ البحري العريق للمملكة، ليكرس مكانة المملكة بين الأمم البحرية العظمى. بالفعل، فقد أصبح الأمر واقعا، إذ بفضل هذه المنشأة التحتية الهائلة، التي تعتبر تجسيدا لرؤية ملكية نيرة وطموحة، كرس المغرب مكانته بين الأمم البحرية العظمى، خاصة بعد إطلاق العمليات المينائية لطنجة المتوسط 2، أواخر يونيو الماضي، ليصبح أكبر ميناء بإفريقيا والمتوسط، تمهيدا لولوج نادي أكبر 20 ميناء في العالم. فخلال عقد من الزمان ونيف، أقرت دراسة لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (كنوسيد) بأن ميناء طنجة المتوسط حقق أكبر ارتفاع في العالم، كقيمة صافية، في مجال مؤشر الربط خلال العقد الأول منذ تشغليه ابتداء من عام 2007. وأشار مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية، في دراسة حول النقل البحري برسم عام 2019 نشرت مؤخرا، أن توسعة ميناء طنجة المتوسط، باستثمار يصل إلى 3,5 مليار أورو، مكن من مضاعفة القدرة الإجمالية لأرصفة الحاويات لثلاث مرات، لتبلغ إمكانية معالجة 9 ملايين حاوية من حجم 20 قدما، مقابل 3 ملايين حاوية سلفا. كما تربط ميناء طنجة المتوسط، المدعوم بتوفره على منطقة خاصة للتطوير تمتد على مساحة 500 كلم مربع، شبكة متشعبة من الخطوط البحرية، تصله ب 186 ميناء ب 77 بلدا عبر العالم، عدا قدرة الميناء على مناولة 700 ألف شاحنة للنقل الدولي الطرقي وتصدير مليون عربة واستقبال 7 ملايين مسافر سنويا، وهو ما يؤهله لأن يكون مركزا مرجعيا في خدمة تنافسية الخطوط اللوجستية الإفريقية دون منازع. بموقعه في قلب خطوط المبادلات التجارية الدولية وملتقى الطرق البحرية، والذي كان اختيارا حكيما من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يتيح هذا المركب المينائي الوصول إلى روتردام (هولندا) في 3 أيام فقط، أما نحو جنوب القارة، فيتوفر الميناء على رحلات أسبوعية نحو 35 ميناء ب 22 بلدا بغرب إفريقيا، بينما بالإمكان الوصول منه إلى أمريكا الشمالية خلال 10 أيام وإلى الصين في ظرف 20 يوما فقط. ويضم المركب المينائي طنجة المتوسط ميناء طنجة المتوسط 1 المخصص لشحن الحاويات بقدرة على المناولة تصل إلى 3 ملايين حاوية، تجاوزها فعليا عام 2018 بأزيد من 16 في المائة، ثم ميناء طنجة المتوسط للمسافرين، مر منه عام 2018 أزيد من 2,8 مليون راكب، ليتعزز هذا العرض بميناء طنجة المتوسط 2 الجديد، بقدرة مناولة تناهز 6 ملايين حاوية. ومن حق هذا الميناء الأخير أن يفخر بتوفره على 2800 متر طولي من الأرصفة و160 هكتارا من الأراضي المسطحة، حيث تطلب تشييده 9 سنوات من الاشغال الكبرى. بفضل هذه المميزات الاستثنائية، تمكنت هذه المنصة المينائية، التي تتوفر على مناطق صناعية ولوجستية ملحقة، من جذب 912 شركة دولية في قطاعات السيارات والطائرات والنسيج والصناعات الغذائية واللوجستية، والتي وفرت أزيد من 70 ألف منصب شغل وحققت رقم معاملات يصل إلى 7,3 مليار أورو خلال العام الماضي. بالفعل، فكبريات الشركات العالمية اختارت الاستقرار في محيط هذه المنشأة الهائلة، من بينها سيمنس ودلفي وديكاتلون وإنديتيكس ومانغو والكورتي إنغليس ورونو ودي إتش إل وداهير وفاليو .. وغيرها. وحسب شركة "أي بي مولر مايرسك"، الشركة الأم ل "آي بي إم تيرمينالز" التي تشرف على تدبير رصيفين مينائيين بالمركب، فطنجة المتوسط يشكل واحدا من الموانئ "الاكثر تطورا" ضمن شبكة المرافئ التي تنشط فيها المجموعة بالعالم. كما شكلت فلسفة ورؤية تشييد هذا المركب المينائي مصدر إلهام لعدد من البلدان، خاصة الدول الإفريقية الطامحة لضمان مكان لها ضمن خريطة التجارة العالمية. لهذه الغاية، أعلن خلال انعقاد المنتدى الأول للموانئ الإفريقية، في يونيو الماضي، عن إنشاء فريق عمل مختص لخدمة القدرة التنافسية لموانئ القارة، وذلك بناء بمبادرة من طنجة المتوسط، حيث عهد إلى الفريق تبادل الخبرات بين السلطات المينائية وإقامة تنسيق استراتيجي حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، لاسيما التكامل اللوجستي بين الموانئ والممرات البرية. فالمغرب، بالنظر لتاريخه الملاحي العريق ورغبته في تقاسم ثمار النمو مع إفريقيا وفاء لقيم التعاون جنوب – جنوب، يطمح إلى أن تكون المنصة المينائية طنجة المتوسط منصة في خدمة إفريقيا والتجارة الدولية، وأن يكون قطاع الملاحة البحرية عاملا لتحقيق الإقلاع الاقتصادي بالقارة.