تعززت دينامية العلاقات الوثيقة والمتعددة الأبعاد بين المغرب وإسبانيا خلال عام 2019، وذلك بفضل مبادرات وقرارات جددت زخم هذه الشراكة الاستراتيجية التي ترتكز على مبدأ رابح رابح والتي تجمع بين المملكتين وبين الجارين . ويرتكز التعاون المتعدد الأبعاد بين البلدين الجارين الذي يشمل الاقتصاد والدبلوماسية مرورا بالملفات الأمنية وتدبير تدفقات الهجرة على رؤية واضحة وطموح واعد تغذيه رغبة متجددة لدى البلدين من أجل تكثيف وتقوية علاقات الشراكة في مختلف المجالات خدمة للشعبين الشقيقين . وإذا كانت العلاقات المتميزة والمتفردة التي تجمع بين المملكتين وبين العائلتين الملكيتين تاريخية وعريقة فإن الزيارة الرسمية التي قام بها عاهلا إسبانيا الملك فليبي السادس والملكة ليتيسيا في شهر فبراير الماضي إلى المملكة أعطت دفعة قوية وزخما متجددا لهذه الدينامية الشاملة . وبالملموس فقد توجت زيارة العاهل الإسباني إلى المغرب بدعوة كريمة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالتوقيع على 11 اتفاقية للتعاون الثنائي همت مختلف المجالات . ففي الشق الاقتصادي، يتعلق الأمر بمذكرة تفاهم حول إقامة شراكة إستراتيجية في مجال الطاقة واتفاقية حول تنمية وتطوير الربط الكهربائي بين المغرب وإسبانيا . وبفضل القرب الجغرافي بين البلدين واستقرار أكثر من 1000 شركة إسبانية في المغرب مع وجود جالية مغربية مهمة كما وكيفا في إسبانيا إلى جانب دينامية في التدفقات والمبادلات التجارية الثنائية تتواصل عملية تطوير وتكثيف وتنوع العلاقات الاقتصادية بين البلدين سنة بعد أخرى . كما أن إسبانيا التي حافظت في عام 2018 على مركزها كأول شريك تجاري للمغرب ( أول مورد وأول مصدر ) لا تخفي اهتمام الشركات والمقاولات الإسبانية بالسوق المغربي بالنظر لما توفره المملكة من فرص استثمارية مهمة وواعدة للفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الأجانب خاصة الإسبان . وكانت هدى بنغازي مديرة المجلس الاقتصادي المغربي الإسباني قد أكدت أن العلاقات التجارية المغربية الإسبانية تشكل نموذجا ومثالا للتوازن والتكامل، حيث ارتفعت نسبة تغطية الواردات للصادرات إلى أكثر من 170 في المائة لصالح إسبانيا عام 2012 لتنتقل في عام 2016 إلى 122 في المائة، مما يؤكد على التقدم الذي تم إحرازه في مجال تنمية وتطوير المبادلات التجارية الثنائية من خلال الاستفادة من المزايا التي يتيحها البلدان في مجال دعم وتعزيز القدرة التنافسية للمقاولات وخلق الثروة . كما أن إسبانيا جعلت من المملكة إحدى الوجهات ذات الأولوية التي سيتم التركيز عليها لتقوية وتعزيز تدويل اقتصادها كما أعلنت عن ذلك كسيانا مينديز كاتبة الدولة الإسبانية في التجارة في أكتوبر الماضي. وتتقاسم هذه الرغبة وهذا التوجه العديد من المؤسسات الإسبانية من بينها غرفة التجارة والصناعة والخدمات في منطقة نافارا والمعهد الإسباني للتجارة الخارجية اللذين أكدا معا أن المغرب يشكل أحد أهم الأسواق الناشئة البديلة والواعدة من حيث التصدير والاستثمار بالنسبة للشركات الإسبانية التي تبحث عن توطين استثماراتها ومشاريعها في بلدان أخرى تحسبا للخسائر المحتملة التي قد تنجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي . وفي ملف آخر، ترتبط إسبانيا والمغرب بتعاون مثالي في مكافحة الهجرة غير الشرعية ومختلف أشكال الجريمة المنظمة بما في ذلك محاربة الإرهاب وهو ما يعكسه التعاون الوثيق بين أجهزة الأمن ووزارتي الداخلية في البلدين والذي يشكل نموذجا ومثالا يحتذى في مجال التعاون الإقليمي . وقد تمت الإشادة خلال هذه السنة وفي العديد من المناسبات بالجهود التي يبذلها المغرب في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية كما جاء هذا التنويه على لسان كبار المسؤولين الإسبان بمن فيهم بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية المنتهية ولايتها ووزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا . وكان بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية قد أكد خلال ندوة صحفية مشتركة عقدها بمدريد مع شارل ميشيل رئيس المجلس الأوربي المنتخب في نونبر الماضي أن إسبانيا " تمكنت بفضل تعاون المغرب من تقليص عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى الساحل الإسباني في عام 2019 بأكثر من 50 في المائة " ودعا الاتحاد الأوربي إلى الزيادة في الموارد المخصصة للمغرب من أجل مساعدته على مكافحة الهجرة غير الشرعية . وبدوره أكد غراندي مارلاسكا في المؤتمر الوزاري لوزراء داخلية الاتحاد الأوربي حول الأمن والهجرة، الذي نظم بمبادرة من الرئاسة النمساوية لمجلس الاتحاد الأوربي أن المغرب هو " شريك متميز " لإسبانيا في مراقبة تدفقات الهجرة غير الشرعية القادمة من دول إفريقيا جنوب الصحراء " مشيدا بجهود المملكة في مكافحة الهجرة غير الشرعية . كما يرتبط التعاون الثنائي بين المغرب وإسبانيا بالهجرة المنتظمة، كما يتضح ذلك من العدد الكبير للعاملات الموسميات المغربيات اللواتي ينتقلن كل سنة للاشتغال في حقول الفواكه الحمراء خاصة بجهة الأندلس وهي المبادرة التي ترغب إسبانيا في استمراريتها ودعمها حيث عبرت وزارة الشغل والضمان الاجتماعي عن رغبتها مؤخرا في استقطاب حوالي 16 ألف و 500 من العاملات الموسميات المغربيات برسم الموسم الفلاحي 2019 / 2020 من أجل الاشتغال في حقول الفواكه الحمراء بإقليم هويلبا ( جنوب إسبانيا ) . وفي الميدان الأمني، تواصل التعاون الثنائي بين الأجهزة الأمنية في البلدين وتعزز أكثر من خلال الإعلان كل مرة عن تنفيذ عمليات مشتركة في مجال محاربة الإرهاب وكانت آخر عملية قد تمت يوم 4 دجنبر حين تمكن البلدان في إطار عملية مشتركة من تفكيك خلية إرهابية موالية ل ( داعش ) تتكون من أربعة أشخاص بكل من المغرب وإسبانيا التي أشادت ب " التعاون الممتاز " بين أجهزتها الأمنية ونظيراتها المغربية . وأكدت وزارة الداخلية الإسبانية في بيان صدر بعد الإعلان عن هذه العملية التي مكنت من إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص بالمغرب وزعيم هذه الخلية بضواحي العاصمة مدريد " إن هذه العملية المشتركة تبرز بشكل كبير التعاون الممتاز بين المديرية العامة للاستعلامات بالشرطة الوطنية والمركز الوطني للاستخبارات من جهة والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بالمملكة المغربية ". ولا شك أن مختلف المبادرات والأنشطة والتدابير التي اعتمدتها كل من إسبانيا والمغرب خلال عام 2019 تعكس بحق الرغبة والإرادة القوية للبلدين من أجل تعميق وتكثيف علاقات التعاون والشراكة في مختلف المجالات وإعطاء دفعة قوية لعلاقات التعاون الثنائي .