ارتفعت خلال السنوات الأخيرة أعداد الكفاءات المغربية المغادرة نحو بلدان أخرى ككنداوفرنسا والمانيا، للبحث عن عمل في ظروف جيدة وبأجور مغرية، مما يجعل الحكومة أمام مسؤولية كبيرة في تدبير هذا الملف، وإن كانت في الوقت الحالي ترفض توقيع تراخيص هجرة الكفاءات، لكن هناك وكالات خاصة تقوم بعمليات الوساطة لتهجير الأطر المغربية للعمل في شركات أجنبية بأجور مغرية. ورغم أن وزير التشغيل الجديد محمد أمكراز حاول التقليل من حدة الأمر، بالكشف عن أرقام ومعطيات تفيد انه منذ سنة 2015 لم يتم الترخيص لأي عملية تتعلق باستقطاب الكفاءات المغربية للعمل بالخارج، لكنه توقف عند معطيات مقلقة بشأن هجرة الأطر المغربية، إذ تظهر إحصائيات المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج أن 7820 مغربيا هاجروا إلى حدود شتنبر 2019، من بينهم 6291 شخصا في إطار الهجرة الرسمية، و1529 شخصا في إطار الهجرة الاقتصادية. لكن لماذا تتزايد أعداد الكفاءات الراغبة في هذا النوع من الهجرة التي يمكن أن تصنف في خانة "الهجرة المترفة" ؟. أرقام مقلقة والحكومة غائبة من جهته، أمين زروق، نائب رئيس جمعية مهنيي تكنولوجيا المعلومات، عبر عن أسفه لتزايد أعداد المغادرين من بين الأطر الذين كانوا يديرون مشاريع كبيرة، ما يطرح صعوبات أمام المقاولات المغربية، حيث غادر ما بين 8 آلاف و12 ألف مغربي من الكوادر المؤهلة ورجال ونساء الأعمال المملكة سنة 2018، بحسب تقديرات وسائل الإعلام التي تدق ناقوس الخطر إزاء نزيف هجرة الأدمغة. وتختلف هذه الهجرة "المترفة " عن تلك التي يلجأ إليها الكثير من الشباب المغاربة الذين يركبون " قوارب الموت " أملا في الحصول على عمل أو تحسين أوضاعهم المعيشية في " الفردوس الأوروبي " عبر السواحل الإسبانية. ويصعب قياس حجم هجرة الأطر من ذوي الوظائف والأوضاع الاجتماعية المريحة نظرا لغياب معطيات رسمية، لكن الكثير من الشهادات تدل على حدوثها، بينما حكومة سعد الدين العثماني تبدو تائهة وغائبة عن تدبير هذا الملف. البحث عن حياة أفضل يستطيع الأطر ومسيرو المقاولات أن يحصلوا في المغرب على أجور قريبة من تلك التي يمكنهم تحصيلها في أوروبا، لكن الاعتبارات المادية ليست الحافز الأساسي الذي يجعلهم يختارون الهجرة، ذلك أن الكثير من الكفاءات تفضل العمل في الخارج لأسباب غير مادية، أحيانا ترتبط بالبحث عن حياة أفضل وليس أجرا أعلى ومستوى تعليمي أفضل للأبناء ونظام صحي أكثر جودة. نحو فضاء أكثر تحضرا ترهق مصاريف التعليم والتطبيب جيوب الطبقة الوسطى في المغرب نظرا لكونها تفضل تعليم أبنائها في مدارس خصوصية مكلفة بسبب مستوى التعليم العمومي الذي يعتبر متدنيا، كما هو شأن الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية. ويتمثل الوجه الآخر لهذه الظاهرة في نزيف اليد العاملة المؤهلة خصوصا في قطاع التكنولوجيا الرقمية. ويفضل أغلب المهاجرين من الكوادر المغربية، وخصوصا منهم المهندسين، الاستقرار في فرنسا أو المقاطعات الفرنكفونية في كندا نظرا لإتقانهم اللغة الفرنسية، بينما تشير كل المؤشرات الى أن الأعداد ستتضاعف في السنوات المقبلة.