أثارت التصريحات الأخيرة لصلاح الدين مزوار رئيس الباطرونا المغربية حول ما يجري في الجزائر رد فعل قوي وحاسم من الحكومة المغربية معتبرة قول مزوار تصرفا غير مسؤول ومتهور وأرعن. وأضاف البلاغ الرسمي الذي صدر اليوم أن هذا التصريح أثار تساؤلات على مستوى الطبقة السياسية والرأي العام بخصوص توقيته ودوافعه الحقيقية، مؤكدا أنه "لا يمكنه الحلول محل حكومة جلالة الملك في اتخاذ مواقف حول القضايا الدولية ولاسيما التطورات في هذا البلد الجار". وبهذا الخطأ الديبلوماسي والسياسي الخطير كان لزامًا على مزوار ان يقدم استقالته معلنا وفاة مساره السياسي. مزوار شغل رئيس الديبلوماسية المغربية كوزير للخارجية في عهد عبد الإله بنكيران وسبق ان قاد حزب التجمع الوطني للأحرار في مرحلته السابقة قبل اخنوش، وبالتالي فخطأ من هذا القبيل في حق دولة جار تسير في طريق تحديد مصيرها الديمقراطي يعد تدخلا سافرا في شؤونها خصوصا وان لنا معه مسارا تاريخيا طويلا من التحرش ضد الوحدة الترابية للمغرب. فما هي الكلمة التي أطاحت برئيس الديبلوماسية السابق؟ ماذا قال مزوار إذن في كلامه حول الجزائر؟ لقد كان رئيس الباطرونا المغربية متحمسا وهو ينتقد الوضع في هذا البلد الجار عندما قال، خلال مشاركته في مؤتمر دولي حول السياسات بمراكش، إن الاحتجاجات في الجزائر تحمل بعض الأمل، مضيفا أنه على الجيش الجزائري أن يقتسم السلطة مع الآخرين بمن فيهم القوة التي شاركت في الحرب المدنية باعتبارها قوة منظمة. ولم تمر سوى دقائق قليلة على هذا التصريح غير الودي ولا الأخلاقي لتنطلق الحكومة في تحرير بلاغها الناري عن طريق نفس الوزارة التي كان مسؤولا عنها قبل ثلاث سنوات، عندما غادرها عقب الانتخابات التشريعية حيث قدم استقالته بعد أن لم يتمكن حزبه من تحقيق النتائج التي كان يتطلع إليها. لكن السؤال الذي يحير المراقبين هل مزوار الذي كان في الخارجية ورئيس حزب الأحرار واستطاع ان يزن كلامه لمدد طويلة هو نفسه مزوار رئيس الباطرونا اليوم؟ فماذا جرى لهذا الصامت الكبير، الذي لا يتحدث الا عند الضرورة القصوى ولم يسبق له أن بادر بتصريح مماثل حول أية قضية كيفما كانت. فمزوار رجل دولة بامتياز وسبق ان حظي باهتمام ومر من مسؤوليات يستحيل معها أن يقع في هذا الخطأ الصبياني النزق، مما يجعل السؤال مشروعا حول السبب الرئيسي وراء هذا التصريح ذو الطابع الحماسي. لم يكن منتظرا أن يطلق العنان للسانه ليتفوه بمثل هذا التصريح غير المدروس. فرجل الدولة لا يقول الكلمة حتى يكررها داخل فمه عدة مرات، لنها لما تخرج تصبح ملك الجميع بعد أن تتناقلها الألسن والصحف المكتوبة والرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي. لماذا اختار مزوار هذه الظرفية بالذات وتظاهرة دولية تتعلق بأشغال الدورة ال12 لمؤتمر السياسة العالمية (وورلد بوليسي كونفيرانس)، لينطق بما نطق. وهل كان يصفي حسابا قديمًا له مع رئيس الديبلوماسية الجزائرية عبد القادر مساهل عندما وصف المغرب بأنه مصدر للحشيش وان علاقاته بافريقيا مبنية على عائدات الحشيش؟ ولماذا يريد أن يكون مثل الآخرين؟ وكان وزير الخارجية الجزائري تحدث في وقت سابق في منتدى جامعي عن تزايد الاستثمارات المغربية في افريقيا في السنوات الاخيرة، والمنافسة بين الجيران المغاربة في هذا المجال، واتهم مساهل، بلغة الشوارع، المصارف المغربية بتبييض الاموال الناجمة عن الاتجار بالمخدرات. وقال "المغرب يعني تبييض اموال الحشيش"، ولم يكتف بذلك حيث اتهم أيضا الخطوط الجوية الملكية بنقل أشياء غير الركاب، مما دفعها إلى الرد عليه ببيان شديد اللهجة. وهاجمت الخارجية المغربية حينها "هذه الافتراءات الباطلة والتي تنم عن مستوى غير مسبوق من عدم المسؤولية في تاريخ العلاقات الثنائية" وتأسفت لكون الأقوال التي أدلى بها الوزير الجزائري والتي صدرت بشأن مؤسسات بنكية والشركة الوطنية للنقل الجوي، تنم عن جهل، بقدر ما هو عميق فإنه لا يغتفر، بالمعايير الأساسية لاشتغال النظام البنكي ونظام الطيران المدني سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. لكن المغرب دولة مؤسسات، ولا تبني سياستها الخارجية على الأحقاد وتصفية الحسابات، ففي السياسة الدولية آخر ما يفكر فيه القائمون عليها هو تصفية الحسابات الشخصية، فبالأحرى أن يكون هذا التعبير صادر عن شخصية من مستوى وزير خارجية سابق. والحقيقة ان المرحلة التي تعيشها الجارة الجزائر كان لزامًا من المغرب ان يكون له رأي فيه . ولان الوضع بين البلدين هش إلى درجة ان أي تصريح رسمي سيتم تفسيره بشكل غير مناسب كان لزامًا على الظرفية ان تبحث لها عن ضحية من مستوى عالي تتوفر فيه شروط إصدار بلاغ رسمي يبصم لمرحلة جديدة في العلاقات بين المغرب والجزائر عنوانها الحياد التام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة الوطنية للبلدين.