تكشف الأحداث والوقائع أحيانا عن كمية النفاق، الذي يمارسه كثير من رجال السياسة والإعلام والحقوقيين والذين لا شأن لهم. في كل قضية هناك أناس يدافعون من "نيتهم" وهم معدودون على رؤوس الأصابع. وحتى لا نتيه في القضية نضرب نموذجا بالحكم الصادر في حق هاجر الريسوني، المحكومة بسنة سجنا نافذا بعد تأكيد تهمة الإجهاض في حقها، وهي اليوم تنتظر محاكمتها استئنافيا، وللقضاء الكلمة الفصل في المرحلة الثانية من التقاضي. لكن نود القول إنه بعد الحكم، صرح كثير من الناس أنهم حزينون وعبروا عن الأسى والأسف، ومنهم برلمانيون من العدالة والتنمية وحتى من غيرها كانوا ضد قانون تقنين الإجهاض، وهم في الحقيقة أوصلوا "الخبز إلى الفران" أي غرروا بها فقط، فبدل أن تبحث عن مخارج قانونية لقضيتها حولتها إلى قضية سياسية وصراع سياسي، وأحيانا إذا كانت تدخلات المحامين تقنية وقانونية قد تحل المشكل بحثا عن أخف الأحكام، والقاضي لا يحكم إلا بضميره وفق ما تنص عليه القوانين، التي جعلت مدد الأحكام متراوحة بين الأخف والأقصى. هؤلاء، الذين نسميهم غرارين عيشة، ذهبوا إلى حاناتهم المفضلة وعانقوا زوجاتهم وخليلاتهم، بينما قلة هي تلك التي تألمت حقا وهم عائلتها الصغيرة، أما الآخرون فهم فقط ينتظرون الشروع في المحاكمة استئنافيا ليبدؤوا جولة جديدة من السب والشتم ولعن المؤسسات وخصوصا القضائية، التي يتهمونها بعدم الاستقلالية، مع العلم أنه توجد مفوضية دولية تابعة للأمم المتحدة هدفها مراقبة استقلال القضاء في الدول الأعضاء، وكل التقارير تشير إلى أننا دولة تتمتع بميزات شرف في هذا المجال. العائلة وحدها من تتألم حقيقة وحزنها طبيعي، والباقي مجرد أحزان فيسبوكية وغضبات إعلامية، تنتهي عند أول مقهى يجلس فيه المناضلون وتبرد مع أول قنينة يحتسيها "التريتورات" ومتعهدي حفلات الاحتجاج، التي تعتبر من ركائز الدعم الأجنبي. كتب أحد رواد الفيسبوك معلقا على صورة لعبد الحميد أمين، الرئيس الأسبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وأحد مسرحيي الشارع، قائلا: انظروا إلى ملامحه وهو يحتج لفائدة هاجر الريسوني، انظروا إليه إنه منتش ومسرور، ويتمنى لو يتم اعتقال نصف الشعب كي يبقى محتجا ويجد فرص عمل. دائما توجد للقضية المعروضة على القضاء أوجه متعددة، وأتعس المتابعين من يدافع عنه محامو "الإعلام والبروباغندا"، فهم "المغرقون" الحقيقيون، لأن الوجه الكامن وراء الضجة هو بنود تحتاج من يستخرجها ويعرضها على القضاء بحثا عن ظروف التخفيف، ولكن محامو الدعاية يتمنون أن يتم "تغريق الشقف" لموكلهم، كي يخرجوا للإعلام بتصريحات "ثورية" للغاية، وليذهب المتهم إلى الجحيم. هذا من جهة، لكن من جهة أخرى، أغفل هؤلاء أن القاضي لا يمكن أن يحكم خارج التكييف القانوني للقضية، وخارج نصوص الإدانة. والجريمة تأكدت في حق هاجر الريسوني ومن معها. نعم المرأة حرة في جسدها في حدود ما يرسمه القانون. وهذه القضية فتحت أفواه "أولاد البيجيدي" وأصبحوا يتحدثون عن الحريات الفردية..هيا يا زعماء قدموا قانونا للبرلمان ليصادق عليه، ولن يجد القضاة سوى مسطرة يحكمون بواسطتها. أما الآن فهناك قوانين، تعجبكم أو لا تعجبكم لن يحيد عنها القاضي، الذي هو ضمانة حماية تنفيذ القوانين. ومن حسنات هذه القضية أنها أخرجت "المنافقين" من جحورهم، وأعلنوا "كفرهم" بالقوانين. بالأمس كانوا يدارون واليوم أفصحوا عما بدواخلهم.