هل تؤدي تصرفات جماعة الإخوان المسلمين المعادية لدولة الإمارات العربية المتحدة، إلى خلاف بين دول الخليج وحكومة مصر ما بعد ثورة 25 يناير وهل يعود الخلاف بين مصر والعرب كما كان الحال في أيام الرئيس جمال عبدالناصر الذي هاجم حكام العرب وهدد باسقاط أنظمهم؟ هل يعيد حكم الإخوان المسلمين في مصر محاولة فرض سيطرتها على الدول العربية باسم الخلافة الإسلامية، كما حاول عبدالناصر فرضها باسم القومية العربية؟!
بعد الإنقلاب العسكري الذي قام به تنظيم الضباط الأحرار في مصر عام 1952، نادى جمال عبدالناصر بفكرة القومية العربية وطالب بتوحيد الدول العربية في دولة مركزية واحدة تحت إمرته، مما أغضب باقي الدول العربية – وخاصة دول الخليج – التي راح يهاجمها ويهددها في محاولة لفرض سيطرته عليها بالقوة. ويبدو واضحا الآن من تصرفات جماعة الإخوان المسلمين وتصريحات قادتها، أنها عازمة على تحقيق أهداف مؤسسها حسن البنا، وإعلان عودة نظام الخلافة الإسلامية في مصر. فبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، قرر كمال أتاتورك - أول رئيس للجمهورية التركية - إلغاء الخلافة العثمانية في اسطنبول في 1924. وفي ماي 1926 عقد ممثلون عن الدول العربية مؤتمرا في القاهرة، للإتفاق على إعلان نظام الخلافة الجديدة، وكان ملك مصر عندئذ - فؤاد ابن الخديوي إسماعيل – يتمنى أن يصبح خليفة المسلمين. إلا أن غالبية مندوبي الدول العربية - وكان عددهم 38 يمثلون 13 دولة - لم يروا ضرورة لإحياء دولة الخلافة، حيث كانت الدول الإسلامية تحاول استعادة استقلالها القومي.
لكن مدرسا مصريا يدعى حسن البنا لم يوافق هذا القرار، وقام في 1928 بتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، للعمل على بناء الخلافة الإسلامية من جديد، مما جعل جماعة الإخوان المسلمين تصبح أول تنظيم للإسلام السياسي في البلدان العربية. وعندما فشل التحالف الذي أقامه الإخوان مع الضباط الأحرار في 1952، ظهر إتجاه جديد بين صفوف الجماعة ينادي بضرورة استخدام العنف لفرض نظام الخلافة بالقوة – ليس في مصر وحدها – بل في كافة الدول العربية التي اعتبروا حكامها غير شرعيين. إلا أن الفرصة جاءت سانحة لوصول الإخوان إلى الحكم بطرق سلمية عندما تمكن الشباب المصري من إنهاء حكم حسني مبارك في فبراير 2011، دون أن يكون لديهم القدرة على حكم البلاد.
من المعروف أن نظام الخلافة يقتضي إخضاع كافة الدول العربية إلى خلافة الإخوان في القاهرة، بالقوة إذا اقتضى الأمر. وربما هذا هو ما يفسر لنا محاولة جماعة الإخوان زعزعة الحكم في دولة الإمارات التي دائما ما ساعدت كافة الشعوب العربية منذ تأسست تحت حكم الشيخ زايد – رحمه الله – وقامت بتشكيل تنظيمات سرية هناك.
فقد كشفت تقارير أمنية إماراتية عن تفاصيل إلقاء القبض على خلية سرية من الإخوان المسلمين في دبي، جرى اتهام أعضائها بإدارة تنظيم في دولة الإمارات يقوم بجمع معلومات تتعلق بأسرار الدفاع، بهدف زعزعة الأمن في البلاد. وقالت صحيفة الخليج الإماراتية إن أعضاء الخلية كانوا يجتمعون في عدة مناطق بالدولة، ويقومون بتجنيد المصريين المقيمين هناك، ويجمعون الأموال لتحويلها إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر بطرق غير مشروعة. كما كانت خلية الإخوان التي تضم أحد عشر عضوا، تدرب إسلاميين محليين على كيفية الإطاحة بالحكومات الخليجية التي تعتبرها غير شرعية. وأكدت الجريدة التي تصدر في الشارقة أن التحقيق أكد وجود علاقة وثيقة بين هذا التنظيم السري، وبين قيادة الإخوان في مصر. وسبق أن كشفت أجهزة الأمن في الإمارات عن مجموعة سرية، اعترف أعضاؤها بتشكيل قوة مسلحة بهدف الإستيلاء على السلطة وإقامة دولة الخلافة الإسلامية. عندها قال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية الإمارات إن "فكر الإخوان المسلمين لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا بسيادة الدول". كما اتهم الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي، جماعة الإخوان المسلمين بالتآمر على دول الخليج، ومحاولة تغيير أنظمة الحكم بها، وقال خلفان إن "الإخوان يتجهون نحو تغيير الأنظمة في الخليج".
ورغم إنشغاله بأزمة إقتصادية تكاد تعصف ببلاده، بعث محمد مرسي بمساعده للشئون الخارجية، عصام الحداد العضو السابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان، ومدير المخابرات محمد رأفت شحاته إلى دولة الإمارات، لبحث موضوع المحتجزين من الإخوان الذين تطالب الحكومة المصرية بالإفراج عنهم. وقال أيمن علي مستشار مرسي لشئون المصريين في الخارج إن مهمة حداد تتعلق بحرص القيادة السياسية الدفاع عن المصريين، وتذكير الإمارات بتاريخها مع مصر. واعتبر أن هذه الزيارة بمثابة رسالة لجميع الدول العربية. بينما اعترض عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق على ارسال عصام حداد الإخواني كممثل للدولة المصرية، لأن الإمارات متحفظة ضد الإخوان وهذه الزيارة تزيد من تحفظها ضد مصر كدولة. وقال الأشعل إن مشكلة الإخوان المعتقلين لن تحل بهذه الزيارة لأنها مشكلة أمنية وليست سياسية، ورأى ضرورة طمأنة دول الخليج بأن مصر لن تصدر الثورة إليها.
وبعد عودة الوفد الرئاسي المصري إلى بلاده، قالت صحيفة "الإمارات اليوم" شبه الرسمية إن الوفد "جاء بجدول أعمال مكون من بند واحد، يتعلق بالإفراج عن المتهمين المصريين الأحد عشر". لكن المسئولين الإماراتيين رفضوا إطلاق سراح الموقوفين وقالوا بأن "الإمارات دولة مؤسسات وقانون"، مؤكدين أن ملف الخلية بات في يد القضاء وهو صاحب القرار النهائي في القضية، فإذا "ثبت إدانتهم ستتم معاقبتهم وفقا لقوانين دولة الإمارات، أما من يثبت براءته فسيتم إطلاق سراحه".
وبحسب ما نشرته جريدة الشروق المصرية في 5 يناير فإن "الشرطة والأجهزة القضائية الإماراتية لديها أدلة تصفها بعض المصادر بالدامغة، على تورط الشخصيات الموقوفة بالسعي لضم مواطنين من الإمارات لكيان إخواني سعت هذه الشخصيات لإقامته في الإمارات". كما نقلت الجريدة عن مصدر إماراتي قريب من الأسرة الحاكمة قوله إن: "بلاده كانت دوما ومنذ عهد الشيخ زايد تضع مصر في مكانة خاصة، ولا تتردد على الإطلاق في مد يد العون لها في كل شيئ. ولكن ما يقوم به نظام الحكم في مصر الآن تجاوز بالفعل أعراف هذه العلاقة الوثيقة، وخرقها مرات ومرات، فلم يبق على مسار للود".
فهل جاء حكم الإخوان في مصر ليهدد أمن دول الخليج لتحقيق أهداف الجماعة في إقامة دولة الخلافة غصبا، وهل يدفع شعب مصر ثمن تآمر الإخوان على دول العرب الذين وقفوا دائما بجانب بلادهم؟