وأخيرا خرجت » جماعة العدل والإحسان « عن صمتها لتعلن للعموم عن » انتخاب « محمد عبادي أمينا عاما للجماعة لمرحلة لا شك أنها ستعرف متغيرات أو على الأقل ستكون بداية لهذه المتغيرات على مستوى الجماعة . لقد كان اسم عبادي من الأسماء المرشحة لخلافة مرشد الجماعة عبدالسلام ياسين؛ كما كان منتظرا أن يسفر مطبخ الجماعة على إخراج هذه الطبخة التي يبدو أن إعدادها تم جيدا وبدقة ، وأخذت ما يكفي من الوقت حتى قبل وفاة ياسين. الآن لم يعد للجماعة مرشدا بل أمينا عاما اختارته لقيادة مسارها للمرحلة المقبلة ، مع اختيار نائبه هو الناطق الرسمي لها (فتح الله أرسلان) . ومن خلال ما قاله الأمين العام عبادي في لقاء مع الصحافة ، لم تحضره كريمة الشيخ نادية ياسين ولا زوجها عبد الله الشيباني ، يظهر أنه وجه رسالة ،ليس للرأي العام بل للسلطات في المقام الأول، خاصة بإعلانه التمسك بمبادىء الجماعة وعلى رأس هذه المبادىء » نبذ العنف « و» مقاومة الاستبداد « . كان الرأي العام ينتظر ، مثلا، معرفة لماذا لم تحضر نادية ياسين ، ولماذا لم يحضر الشيباني باعتبارهما أولا زوجين ، ثم لأنهما من أقرب أقرباء الشيخ الراحل ، بل كانا مرشحين بقوة للخلافة المنتظرة التي تم تغيير تجاهها في آخر اللحظات .
إلى جانب هذا ، لم تقدم الجماعة ، التي توجد في منعطف هام وخطير في مسارها، أية إشارة لبرنامجها في المرحلة » الجديدة « ، عدا ما أفاد به فتح الله أرسلان من أن » صلاحيات المنصب الجديد(أي الأمانة العامة) تشبه صلاحيات أمناء الأحزاب الآخرين. من المفيد للجماعة أن تخرج من قوقعتها وتعلن للملأ أنها قادرة على تغيير نفسها ، بل الانخراط في التغيير الذي يعرفه المغرب وسائر دول المنطقة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ، ومختلف بلدان العالم، بدل الاكتفاء والتأسف على عدم اعتراف السلطات بها .
الواقع يدحض هذا الطرح الذي ما زالت الجماعة تتشبث به : هل تعترف هي بأي شيء في هذا البلد الذي تنشط فيه ، وتقيم فيه ، وتعقد ندوات واجتماعات ، وتنظم مظاهرات لاستعراض القوة ، وتوزع منشورات وبيانات ورسائل لمن يهمهم الأمر ، وتقول وتنتقد من شاءت في أي وقت شاءت بدون حدود ، بل بطريقة تخلو حتى من آداب وأدبيات النقد والحوار ؟ ماذا سيضيفه الأمين العام الجديد ل» العدل والإحسان « هو الذي لا يستطيع الانسلاخ من جلباب الشيخ المرشد بينما كل شيء يتغير حوله حتى في دائرة أسرته ؟
إن القول بأن » أدنى شخص في الجماعة يمكنه أن يصير دولة ما «، ادعاء ليس فيه أدنى احترام للمغرب والمغاربة ، وغرور ما بعده غرور من طرف شخص تبَوَّأ منصب الأمانة العامة لجماعة من المفروض أن تعطي إشارات لما ينبغي عمله في المرحلة المقبلة ، وإبداء الاستعداد للانفتاح والتحاور مع الآخر من هيآت سياسية ونقابية وجمعوية وثقافية ، وجميع التنظيمات والهيآت التي يزخر بها هذا البلد. إنه الفراغ القاتل الذي يعاني منه أشخاص تنزل عليهم القيادة في آخر لحظة ، وعبّادي واحد منهم . ومن هنا يمكن القول بأن فاقد الشيء لا يعطيه ، والشخص الفارغ لا يصدر عنه إلا لَخْوَا الخاوي. ومن طبع المغاربة وعاداتهم وثقافتهم عدم الاكثرات بالخواء ومن يتكلم بالخواء ؛ فذاك ضرب من الخبل والجنون.. إن قول الجماعة عدم اعتراف السلطات بها حق يُراد به باطل ، وَمَثَلُها كمثل ناد أو فريق يقبل بالمشاركة في المنافسة وفي نفس الوقت يرفض قرارات الحَكَم المشرف على تسيير المواجهة طبقا للقوانين الجاري بها العمل ! إن عبّادي استمرأ الخروج على كل شيء ولو كان قانونا ، ويريد أن يطبق فقط ما تراه جماعته وما تؤمن به ، وكأنه وحده في هذه البلاد ، ودون ذلك الطوفان. غريب أمر هذه الجماعة : إنها تطلب ما تنفيه عن الآخر؛ تطلب الشرعية بينما هي لا تعترف بأية شرعية ، وكأن البلد خلاء . إنها الأمية السياسية في أجلى مظاهرها .لا بل هي »السِّيبَة « بعينها، ولا يوجد أحد في مغرب اليوم يقبل بمنطق الخواء والتخراف الذي يريد الأمين العام الجديد ل» العدل والإحسان « تنزيله وفرضه على المغاربة .