الجريمة مأزق إنساني، ورافقت وجود الإنسان فوق الأرض، ولا يمكن الحديث عن جريمة فوق العادة، وما يجري في المغرب هذه الأيام محاولات لتبخيس جهود قامت بها بلادنا من أجل تحصين المجتمع. لقد تم الترويج عبر فيديوهات منشورة على الشبكة العنكبوتية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، لجرائم في حق نساء وأطفال، وهي جرائم ممكنة الوقوع في أي مكان من الدنيا، وحتى في البلدان، التي يعبدها مروجو هاته الأفكار، والتي توسم بأنها بلدان ديمقراطية وأكثر عراقة في التحضر، لقد تم الترويج لهذه الجرائم وكأن هناك انهيارا أمنيا شاملا. ويكفي نموذجا على ذلك بريطانيا العظمى، حيث وصلت جرا7م الطعن بالسلاح الأبيض إلى نحو 15 ألف حالة بلندن العام الماضي، إذ يبدو أن الأمر يتعلق بمصيبة عالمية، وتحتاج إلى مواجهة شاملة، وعلى كافة المستويات، أما من يريد تصوير المغرب على أنه بلد رفع الراية البيضاء أمام الجريمة، فالحقيقة غير ذلك، إذ هناك مواجهة قوية للجريمة بكافة أنواعها، بما فيها المعقدة، وقد حقق نتائج كبيرة مقارنة بكثير من الدول، بمن فيها تلك التي تتوفر على خبرة كبيرة في الميدان. ولا يمكن بأي حال من الأحوال حصر مسببات الجريمة، حيث حاولت كثير من الكتابات تبخيس دور المؤسسة الأمنية في محاربة الجريمة، بينما هذه الأخيرة لها أسباب موضوعية متعددة، ومن يزعم أن الأمن لم يواكب تطور الجريمة فهو لا يعرف أصلا تطورها وكيف تطورت أدوات التصدي لها، لكن المؤسسة الأمنية لن تلعب دور البلدية في توفير الإنارة العمومية في الأزقة المظلمة التي يستغلها المنحرفون، ولن تلعب دور الحكومة في التخفيف من التوترات الاجتماعية، التي تكون سببا وراء الكثير من الجرائم. من أجل محاربة الجريمة بشكل جذري لابد من النهوض بمنظومة متكاملة، تبدأ من الأسرة والتربية على القيم الحسنة، ومرورا بالمدرسة والتربية الأخلاقية، ووصولا إلى جمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، ناهيك عن الحكومة التي ينبغي أن تضع استراتيجية للتشغيل ضمانا للعيش الكريم ومحاربة للفراغ، الذي تنتج عنه كل أنواع الجريمة. وبالتالي، لا يمكن بأي حال من الأحوال إلصاق كل شيء بالمؤسسة الأمنية، التي هي من بين كل المؤسسات المذكورة تحافظ على وتيرة متصاعدة في محاربة الجريمة والتصدي لها، ووضع الخطط البديلة لضمان أمن واستقرار المواطنين، ولكن المواجهة الجذرية تقتضي، ليس فقط محاربة الجريمة أمنيا، ولكن التصدي للعوامل التي تنتجها. ما تم الترويج له أخيرا يهدف إلى شيء وحيد ألا وهو زرع الخوف في نفوس المغاربة، وتصوير أن هذه البلاد لم تعد آمنة، وكأن كل الشوارع والأزقة هي ساحات حرب وجريمة، مع العلم أن هناك مجهودات جبارة في التصدي لكل أصناف الجريمة مهما كان شأنها.