رغم أن التقديرات عن أعداد الشباب المغاربة في صفوف الجماعات المسلّحة بسورية تختلف إلى حد كبير – يصل عددهم إلى ألف بحسب التفديرات الأعلى – إلا أن القادة السلفيين المغاربة يرجّحون أن تكون أعلى بقليل، معتبرين أنها تتراوح بين 1000 و1500 شخص.1 يستقطب الحضور المتزايد للمقاتلين المغاربة مزيداً من الاهتمام إلى قضية المعتقلين السلفيين في المغرب. فالإخفاق في إيجاد حل لهذه المسألة أو حتى النظر فيها أو في الأسباب الكامنة خلف التشدّد شجّع- إلى جانب دوافع أخرى – السلفيين المغاربة على الانضمام إلى القتال في سورية وأماكن أخرى. التحق الفوج الأول من المغاربة بالثورة السورية في مرحلة مبكرة من العام 2012، وكان أغلبهم في البداية من المنضوين تحت لواء القاعدة في العراق، وبعدها بدأت أفواج من الشباب تلتحق تدريجياً من داخل المملكة وخارجها. قاتَل هؤلاء في البداية إلى جانب جبهة النصرة، بقيادة أبو محمد الجولاني، قبل انقسامهم نتيجة تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (المعروف اختصاراً ب"داعش"، أو "تنظيم الدولة") بقيادة أبو بكر البغدادي في نيسان/أبريل 2013، الأمر الذي أدّى إلى تغيرات في الولاءات. معظم المغاربة الذين يقاتلون مع "داعش" هم جنود مشاة، مع العلم بأن قلّة منهم ارتقوا إلى مناصب قيادية من الدرجة الثانية، مثل عبد العزيز المحدالي (الملقّب بأبو أسامة المغربي) الذي لقي مصرعه مؤخراً إلى جانب 20 مقاتلاً خلال صدامات مع جبهة النصرة. تُعتبَر داعش حالياً الوعاء الثاني من حيث الأهمية لمغاربة سورية بعد حركة شام الإسلام التي شهدت تدفقاً أكثر اطراداً للمقاتلين المغاربة منذ صيف 2013. تضم حركة شام الإسلام بحسب بعض التقديرات حوالي 500 إلى 700 مقاتل مغربي يشكّلون غالبية عناصرها، وكانت حتى الآونة الأخيرة بقيادة ابراهيم بن شقرون، المعتقل السابق في سجن غوانتانامو الذي يُعتبَر الشخصية الأكثر تأثيراً على المتطوّعين المغاربة الذين يتوجّهون للقتال في سورية، ولاسيما المعتقلين السلفيين السابقين الذين كانت تربط بينهم علاقات صداقة في السجون المغربية. وقد لقي عشرات المغاربة – وبينهم بن شقرون – حتفهم خلال المواجهات الأخيرة مع النظام السوري في محافظة اللاذقية، ويبقى أن نرى إذا كان سقوط القتلى سيؤثّر في عدد المقاتلين المغاربة الذين ينضمون إلى حركة شام الإسلام. الدافع وراء الانضمام إلى القتال في سورية مضاعف: لوجستي وأيديولوجي. يعتبر الجهاديون المغاربة أن الجوانب اللوجستية للقتال في سورية أسهل بالمقارنة مع الساحات الإقليمية الأخرى. يتميز السفر إلى سورية بالسهولة والكلفة القليلة، وهو مايشجع العديد من الشباب نحو خوض المغامرة. يغادر معظم المقاتلين بمفردهم أو في مجموعات صغيرة بعد الاتصال بأشخاص داخل سورية. تحمل سورية أهمّية كبيرة بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص، على المستويين الأيديولوجي والديني، فهم يعتبرون أنها ستشهد معارك حاسمة بين المسلمين و"غير المؤمنين" في نهاية الزمن. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الملتحقين بجبهات القتال في سورية ليسوا كلهم من التيار السلفي الجهادي حيث لايُطلَب من الملتحق أن يكون جهادياً من الناحية الأيديولوجية، لكنه يصبح كذلك من خلال عملية تعبئة منظمة. ففي معسكرات التدريب تتم عملية التعبئة الأيديولوجية وتحويل المتطوعين من مرتبة التعاطف إلى مرتبة الولاء الأيديولوجي، عبر تلقين دروس نظرية في الفكر الجهادي (مثل الولاء والبراء والحاكمية…)، جنباً إلى جنب مع دروس نظرية وتطبيقية في فنون القتال واستعمال الأسلحة. لقد أدّت هذه العملية التحويلية إلى ظهور جيل جديد من الراديكاليين الأكثر تشدّداً ونشاطاً؛ فحتى الأشخاص الذين يدخلون هذا النزاع وقد تشرّبوا جيداً العقيدة السلفية الجهادية يجدون أن التدريب والتطوّرات المستمرة تولّد مزيداً من التطرّف. ويفضّل هذا الجيل الجديد المنفلت من التصنيفات التقليدية يُنظر إليه أنه أكثر تشدداً، ولكن من الصعب تحديد حجمه ضمن صفوف المقاتلين المغاربة في سورية. في مايتعلّق بالتجنيد، يتمّ بشكل فردي، ويموِّل معظم المتطوّعين سفرهم بأنفسهم. تدفع بعض التنظيمات، على غرار داعش، أجوراً للمقاتلين الذين ينضمّون إليها – وهذا دافع إضافي للالتحاق بالقتال – ويتقاسم جميع المقاتلين الغنائم التي يستحوذون عليها. يبدو حتى الآن أن عملية الاستقطاب تعتمد على العلاقات الشخصية بشكل كبير، وتلعب شبكات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في عملية التسويق للجهاد في سورية، حيث ينشط عدد من الشباب الملتحقين هناك عبر صفحاتهم على شبكة الفيسبوك، ويتواصلون بشكل يومي مع أصدقائهم المغاربة لتحفيزهم على الالتحاق بهم. تنحدر أصول أغلب المتطوعين من مختلف مناطق المغرب، مع حضور أكثر كثافة للمناطق الشمالية والغربية للمملكة، خصوصاً مدن طنجة وسلا والبيضاء وفاس، وهي مناطق تنشط فيها التيارات السلفية بشكل بارز، فضلاً عن ارتفاع بطالة الشباب كما أنها تتميّز بوتيرة تَمْدين لامثيل لها مقارنة مع مدن أخرى. ويشكّل الشباب المغاربة الذي يهاجرون بأعداد كبيرة من هذه المناطق إلى أوروبا مصدراً إضافياً للمقاتلين المغاربة، فعدد كبير من المقاتلين القادمين إلى سورية من الدول الغربية يتحدّرون أساساً من أبناء الجيلَين الثاني والثالث من المهاجرين المغاربة المقيمين في أوروبا. تحاول السلطات المغربية، بصورة متقطّعة، تطبيق إجراءات متشدّدة لقطع الطريق على تجنيد المقاتلين، وتعمد في بعض الحالات إلى تكثيف التنسيق الأمني مع أجهزة الاستخبارات في دول أخرى (مثل الاستخبارات الإسبانية) لتفكيك الخلايا التي تجنّد الشباب نحو سورية. لكن في الغالب، تغض السلطات المغربية الطرف عن الجهاديين عند خروجهم من المغرب باتجاه سورية، ربما بدافع الرغبة في التخلّص منهم. فتصدير الجهاديين المغاربة أو السماح لهم ضمناً بالمغادرة هو طريقة أقل كلفة وإثارة للجدل لمعالجة مسألة التشّدد الجهادي السلفي. لكن عندما يعود كثرٌ منهم سالمين من ساحة المعركة، تودعهم السلطات السجن – تقتادهم غالباً من المطار مباشرةً – خشية أن يشكّل الجهاديون الذين تمرّسوا في القتال تنظيماً للعمل المسلّح داخل المغرب. يُحكَم على معظم العائدين بالسجن أربع سنوات بالاستناد إلى تفسير واسع لقانون مكافحة الإرهاب. وقد خاب ظنّهم بعدما تبيّن لهم أنهم أخطأوا في تفسير استضافة المغرب لمؤتمر "أصدقاء سورية" في مراكش في كانون الأول/ديسمبر 2012، إذ خُيِّل لهم آنذاك أنه دليل على تأييد السلطات الرسمية للثورة السورية، الأمر الذي شجّعهم على الانخراط في القتال. لايتسبّب زجّهم في السجون بتعقيد ملف المعتقلين السلفيين في المغرب وحسب، بل يؤدّي أيضاً إلى الدوران في حلقة مفرغة: مَن يعودون من القتال يودَعون السجون، ومن هم في السجون يذهبون للقتال بعد الإفراج عنهم. أحد العوائق الأساسية أمام التوصّل إلى حل جدّي وتفهّمي هو الاعتماد فقط على المقاربة الأمنية للتعاطي مع الملف السلفي الجهادي في المغرب. فهذا الملف الأمني الحسّاس يتم تدبيره بشكل شبه "حصري" من طرف القصر – عبر وزارة الداخلية وأجهزة المخابرات الداخلية والخارجية التي تقع تحت السلطة "الفعلية" للملك – ولاتمتلك الحكومة المنتخبة فيه إلا مجالاً محدوداً للتدخل. يتوقّع السلفيون من حزب العدالة والتنمية الحاكم بذل مزيد من الجهود في هذا الملف للإفراج عن بعض المعتقلين، وهو مايرفضه القصر بسبب مخاوف أمنية. من جهته يعتبر حزب العدالة والتنمية أن المعتقلين السلفيين لم يقوموا بمجهودات كافية لمنع الشباب الجهاديين من الالتحاق بالقتال في سورية. إلا أن حضور العاهل المغربي مؤخراً صلاة الجمعة التي أمّها محمد الفزازي، وهو معتقل سلفي سابق سُجِن بموجب قانون مكافحة الإرهاب، ربما يؤشّر إلى تراجع حساسية النظام الملَكي تجاه السلفيين، وإلى أنه قد يكون بالإمكان التوصّل إلى حل. مما لاشك فيه أن ذلك يتوقّف على قدرة السلفيين على تقديم ضمانات وتنازلات كافية، بما في ذلك الاعتراف بسلطة الملك (بصفته أمير المؤمنين) ونبذ العنف – على الأقل داخلياً. من شأن وضع قانون يمنع الانضمام إلى القتال في ساحات النزاعات الخارجية أن يحول دون توجّه بعض الجهاديين إلى سورية في المدى القصير. بيد أن القضية أكثر تشعّباً، والعلاج الأنجع في المدى الطويل هو بلورة مقاربة متوازنة تقوم على ضمان الأمن من دون التضحية بالحريات وحقوق الإنسان الأساسية، وتساهم في إرجاع الثقة في العملية السياسية، وإدماج جميع القوى السياسية "الرافضة للعنف". محمد مصباح زميل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، يساهم بانتظام في نشرة صدى. يستند هذا المقال إلى سلسلة من المقابلات مع سلفيين مغاربة