سبق للقاضي الإسباني المكلف بقضايا الإرهاب «بالتاثار غارثون» أن قال قبل 10 سنوات إن هناك حوالي ألف انتحاري في المغرب ينتظرون الأوامر للتحرك من أجل القيام بأعمال إرهابية. هذا الكلام أثبتته الوقائع، حيث تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الجهاديين المغاربة خلايا نائمة تتحرك كلما نودي عليها ل «القتال المقدس». وما التحاق مئات المغاربة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ثم بمقاتلي «النصرة» في سوريا، ثم بجيش «داعش» بسوريا قبل اجتياح العراق، ثم خروجهم الإعلامي الصاخب لتأسيس دولة الخلافة في المغرب الإسلامي، وإعلان ولائهم المطلق لأبي بكر البغدادي، الخليفة الذي مازال يتلقى البيعة من مختلف بقاع العالم، خاصة وأن جنسيات المقاتلين المتواجدين في سوريا بالأساس أجانب قاتلوا سابقا في العراق والشيشان وأفغانستان وعلى جبهات صراع أخرى ومن ضمنهم بريطانيون وفرنسيون وإسبان ودنماركيون وبلجيكيون وكذلك أمريكيون ومغاربيون. إن تغوّل »داعش« في جبهات الصراع المختلفة وأهمها العراقوسوريا جعل هذا التنظيم مقصدا لمئات الجهاديين من مختلف الجنسيات الأمر الذي ما فتأت عديد مراكز البحوث الاستراتيجية تحذر من تداعياته على وحدة دول المنطقة في الفترة المقبلة، بل إن مركز «بروكينغز» للأبحاث يشير إلى أن عدد مقاتلي «داعش» في سوريا الآن يتراوح ما بين ستة وسبعة آلاف مقاتل، ومنهم المئات من المغاربة الذين نجح «المال السلفي» في تأمين عبورهم إلى سوريا ثم العراق، مما يطرح هذا السؤال: هل سيتكرر السيناريو الذي عرفته بلادنا مع عودة المغاربة الأفغان؟ وهل وضعت أجهزة الأمن المغربية مخططا استباقيا، بتعاون مع نظرائها في الدول المعنية بمقاتلي داعش؟ تشير تقارير أمنية إلى أن أكثر من 2000 جهادي مغربي التحقوا بسوريا منذ عام 2011 ، بينهم 900 مقاتل التحقوا عام 2013. وتشير تقارير مواقع إخبارية، إلى أن تنظيم «شام الإسلام»يضم لوحده بين 500 إلى 700 مقاتل مغربي، فيما يتوزع الآخرون على باقي التنظيمات المقاتلة، خصوصا «جبهة النصرة» وحركة «داعش». ومن جانب آخر تشير المعطيات إلى وجود مقاتلين مغاربة عالقون في الحدود السورية التركية بعد أن قرروا العودة مجددا إلى أرض الوطن، إثر تطور الأوضاع، خصوصا بعد مقتل عبد العزيز المحدالي، أحد أبرز القادة المغاربة في صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف اختصارا ب «داعش «. كما تشير بعض التقارير الأمنية، خاصة في إسبانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا، إلى أن مقاتلين يحملون جنسيات هذه الدول (وهم في الغالب ينحدرون من أصول مغاربية) جرى استقطابهم للقتال في صفوف أبي بكر البغدادي في سورياوالعراق. ولعل هذا المعطى هو الذي جعل المغرب في قلب المعادلة الأمنية، خاصة أنه يتمتع ببنك معلومات مهم، وتجربة كبيرة في مطاردة الإرهابيين، وتجفيف منابعهم. وما يزكي هذا المعطى هو التقرير المفصل الذي أعدته وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA عن المقاتلين المغاربة الذين سبق لهم أن قاتلوا في أفغانستان، ومن أبرز المغاربة الذين خصص لهم الأمريكان تقريرا مفصلا «محمد مزوز» الذي يقوم تنظيم «شام الإسلام»، فضلا عن المغاربة الذين يحتلون مواقع قيادية في التنظيمات الجهادية المتفرعة عن تنظيم «القاعدة» أو الذين أظهروا قدرة كبيرة على تجنيد المقاتلين سواء داخل المغرب أو بين أوساط المغاربة المغتربين في أوربا (فرنساو إسبانيا وبلجيكا وهولندا)، وبالفعل، يظهر من التحركات الأخيرة للمقاتلين الداعشيين المغاربة أن المغرب محكوم عليه بالدخول في حرب استباقية لا هوادة فيها لمواجهة كل التهديدات الإرهابية المحتملة، خاصة بعد توالي الهجوم الداعشي الدعائي على المغرب، وعلى قادته السياسيين والحكوميين، بل حتى على بعض شيوخ السلفية الذين كانوا محسوبين إلى وقت قريب على السلفية الجهادية، وعلى رأسهم الحنوشي وأبي حفص، مما يعني أن الداعشيين قادمون بالفعل، وأن أحلام «دولة الخلاقة» تملأ رؤوسهم وجوارحهم، وأنهم على أهبة الاحتراب للانقضاض على السلطة.. وليس أدل على ذلك من شريط الفيديو الذي تهجم فيه مقاتلون مغاربة على إمارة المؤمنين، ويدعون إلى تبديلها. إن المخطط الاستباقي يأتي في أعقاب تحذيرات المراقبين من الخبرة العسكرية للجهاديين المغاربة في سورياوالعراق، وكذا تحذيرهم من احتمال تكرار سيناريو «المغاربة الأفغان»، بما قد يعنيه من احتمال تنفيذ عمليات إرهابية تمس أمن البلاد. في هذا السياق أشار بلاغ صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني في شهر أبريل 2014 إلى أنه: «يتضح من خلال التفكيكات المتوالية للشبكات الإرهابية الناشطة في مجال استقطاب وإرسال المقاتلين إلى مختلف بؤر التوتر، عزم تنظيم القاعدة وحلفائه استهداف استقرار المملكة، سيما وأن هؤلاء المتطوعين المغاربة يستفيدون من تداريب دقيقة حول استعمال الأسلحة وتقنيات التفجير والعمليات الانتحارية، قبل تعبئتهم من أجل العودة إلى أرض الوطن لتنفيذ عمليات إرهابية من شأنها زعزعة أمن واستقرار البلاد «. ويرى خبراء أن تحركات السلطات الاحترازية جاءت في سياق بروز مقاتلين مغاربة في صدارة العمليات القتالية في سوريا، من بينهم محمد مزوز الذي أطل لأول مرة من معسكرات الجهاديين في سوريا، حيث تولى قراءة بيان يدعو إلى النصرة، وذلك إلى جانب تنظيم « شام الإسلام «الذي يقوده المعتقل المغربي السابق في سجن غوانتانامو ابراهيم بن شقرون الذي قتل أخيرا في المعارك الدائرة في البلاد، والذي يعتبر من الشخصيات الأكثر تأثيرا في المقاتلين المغاربة بسوريا. وكانت المخابرات الهولندية قد أقرت في وقت سابق بوجود حوالي مائة هولندي مسلم أغلبهم مغاربة في سوريا يحاربون ضد النظام السوري، حيث تعد معركة «خان تومان» من أبرز المعارك التي قادها هؤلاء، وتمكنوا من اغتنام أسلحة كثيرة، وإن كانوا قد فقدوا زميلين لهم وهما مراد وياسين. كما كشفت تقارير فرنسية عن وجود 26 فرنسيا من أصول مغاربية يقاتلون في صفوف تنظيم القاعدة في سوريا. بينما ذكرت وسائل الإعلام البلجيكية أن سوريا تحولت إلى منطقة جذب للمقاتلين الإسلاميين القادمين من بلجيكا، حيث ذكرت أن هناك أعدادا من المسلمين البلجيكيين قد توجهوا إلى سوريا للقتال إلى جانب الجيش السوري الحر وفصائل أخرى، مما جعل السلطات البلجيكية تبدي قلقها البالغ قلقها من عودة هؤلاء المقاتلين إلى أوروبا بعد اكتسابهم خبرة المشاركة في العمليات القتالية. أما في إسبانيا، فإن أجهزة الأمن تعيش حالة تأهب قصوى بعدما تعرفت على رشيد حسين محمد، الجهادي الذي قام بتفجير نفسه بمعسكر أمني سوري، (32 سنة وأب لطفلين)، وهو سائق طاكسي بمدينة سبتةالمحتلة. فضلا عن حالة الشاب رشيد وهبي من مدينة سبتةالمحتلة، الذي أعلنت زوجته نبأ وفاته، وهو من جماعة تطلق على نفسها «شبكة أنصار المجاهدين» كان قد ظهر في شريط فيديو من ثماني دقائق وسبع وأربعين ثانية على موقع «يوتوب»، يصور عملية استعداد أحد الجهاديين لتنفيذ عملية ضد معسكر «النيرب»، التابع للجيش السوري قرب حلب.كما تناقلت وسائل إعلامية بمدينة سبتة أن مصطفى محمد (24 سنة سائق سيارة نقل) لقي حتفه في مواجهات بين الجيش النظامي والجيش الحر بسوريا. بل إن العملية الأخيرة التي قادها الأمن المغربي بتنسيق مع الأمن الإسباني، والتي مكنت من تفكيك خلية إرهابية يتزعمها إسباني بتوجهات متطرفة. وتمت عملية التفكيك بتعاون أمني دولي مغربي إسباني، وما بين فرقة النخبة من الشرطة المغربية مع المخابرات الداخلية، وهي سابقة من نوعها في التنسيق الأمني مع إسبانيا. وتنشط عناصر الخلية الإرهابية، البالغ عددهم ثلاثة، في كل من مدينة العروي في شرقي شمال المغرب، ومدينة ومليلية المحتلة، فيما اعتقل الأمن الإسباني زعيم الخلية. وبحسب وزارة الداخلية المغربية، فإن «زعيم الشبكة الإرهابية يرتبط بعلاقات واسعة مع متطرفين مغاربة وأجانب، كما سبق أن سكن زعيم الخلية في مدينة العروي، ونسج ارتباطات وطيدة، مع أفراد بارزين في خلية فككها الأمن المغربي في نوفمبر 2012، متخصصة في تجنيد مغاربة لصالح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في شمال مالي». وبعد أن استقر زعيم الخلية الإرهابية في مدينة مليلية، أرسل «متطوعين من مختلف الجنسيات للقتال في كل من ماليوسوريا وليبيا»، هذا بالإضافة إلى «نشاطاته في جمع التبرعات المالية المهمة»، التي قام ب»إرسالها إلى تنظيمات إرهابية». ومع ذلك، فإن المقاتلين المغاربة العالقون في الحدود التركية السورية يخشون من اعتقالهم فور عودتهم إلى المغرب وإدانتهم بتهم تتعلق بمكافحة الإرهاب، ولعل ما يعزز مخاوف هؤلاء هو إدانة 19 عائدا من سوريا أخيرا من طرف القضاء المغربي بأحكام تتراوح بين 3 سنوات حبسا و 6 سنوات سجنا. وجاء في رسالة لمعتقلين مغاربة عائدين من سوريا أدينوا من طرف القضاء المغربي إن:»جحيم الانضمام إلى المجموعات المقاتلة كان سببا في قرار العودة إلى المغرب»، مضيفين أنهم: «فضلوا السجن على البقاء في سوريا»، مطالبين في الآن ذاته من السلطات المغربي: «معاملتهم بمقاربة غير أمنية لتصحيح الأخطاء التي وقعوا فيها سابقا»، مؤكدين» رفضهم المس بأمن المغرب». غير أن السؤال المطروح هو: هل يمكن أن نأخذ هؤلاء العائدين على محمل الجد؟ ألم يكن هذا اللسان الذي تكلم به الأفغان المغاربة بعد عودتهم من جبال تورابورا؟ ومن يذكر الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة التي تأسست سنة 1998 في أوربا، وكانت تتكون من «مغاربة أفغان» سابقين تدربوا في افغانستان ومرتبطين بتنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن، وهي التي كانت تقف وراء اعتداءات 2003، ردا على التعاون الأمني الذي وقع بين الرباط وواشنطن، ووراء اعتداءات مدريد التي أدت إلى سقوط 192 قتيلا؟ من بإمكانه تجاهل عبد الكريم المجاطي الذي كانت قد قدمته الاستخبارات الأمريكية كخليفة لأسامة بن لادن، والذي كان على علاقة بأبي مصعب الزرقاوي؟ ومن يغمض عينيه على أسماء مثل (حسن الطور فقيه معسكرات المقاتلين، بن شقرون مؤسس جماعة «شام الإسلام» وأنس الحلوي وعبد الجليل القدميري ويونس الشقوري ودامير ومحمد السليماني والقائمة طويلة؟ حسب الباحثين، فإن أغلب المقاتلين المغاربة الموجودين في سوريا حاليا كانوا معتقلين على خلفية قضايا أمنية أو بسبب انتمائهم لتنظيمات متشددة محظورة، وتحديدا «السلفية الجهادية» بكل أسمائها الحركية الأخرى. وهنا يحق لنا التساؤل عن عن حقيقة الاستقطاب الذي خضع له هؤلاء للقتال في سوريا: هل كان استقطابا دينيا ومذهبيا تكفيرياً حرضته الفتاوى الدينية السياسية، وهو الأمر الذي ظل يتكرر كل مرة مع اندلاع أي صراع، بدءاً بأفغانستان، ثم البوسنة، والشيشان، فالعراق وغيرها، والذي لعبت فيه جماعات وأحزاب وفقهاء الإسلام السياسي الدور الأساسي، وهي الأطراف التي ما زالت تصر اليوم على تصوير الحرب الأهلية/ الدولية المروعة التي تدور رحاها في سورية على أنها حرب بين «الإسلام» وبين «الكفر والضلال»، ليتم الزج بالعديد من الشبان المغاربة في أتون الصراع الدائر بسوريا استجابة للفتوى الشهرية بوجوب الجهاد باعتباره «فرض عين» في سوريا والتي دعا إليها بعض الفقهاء المغاربة، ومنهم حماد القباج، المنسق العام للتنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن، الذي سبق له أن دعا رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى فتح باب الجهاد في سوريا في إطار دعم ونصرة السلفيين الذين يتساقطون تباعا في معارك دامية بسوريا.