الصورة من أرشيف تازة اليوم مع الشكر الجزيل للزميل عبد الإله بسكمار عبد الكريم الأمراني : كان مفروضا أن أكون رجل سلطة أو عاملا أو أكثر من ذلك قال إن أباه أطلق عليه اسم عبد الكريم تيمنا بالزعيم عبد الكريم الخطابي حاوره-يوسف ججيلي عبد الكريم الأمراني، الصحافي المثير للجدل، يحكي تفاصيل مهمة عن مساره النضالي في صفوف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويقف عند تفاصيل الأحداث التي عاشها على المستوى المهني. يعود إلى مراحل مهمة من تاريخ المغرب كان شاهدا عليها، ويروي كيف كبرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وأسباب سقوطها، كما يعرج على كواليس ميلاد جريدة «الأحداث المغربية» وأسباب تراجعها في المبيعات والتأثير. الحديث مع الأمراني لايمكنه أن يخلو من الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها الأمراني مع بعض رجالات الدولة. إليكم اعترافات صحافي ضد التيار… - واظبت منذ صغرك على كتابة المقالات، هل كانت هذه بداية علاقتك بالصحافة؟ علاقتي بالصحافة، إن رجعت بالذاكرة إلى مرحلة الطفولة، كانت ربما بوادرها في مجموعة من الممارسات أتذكرها، وكنت حينها في المرحلة الابتدائية في مدينة تازة. كنت خلالها مشرفا على مجلة أسميناها «المشعل»، فرسمت مشعلا على غلافها وأنجزت 60 في المائة أو 70 في المائة من موادها. واستمر الهوس بالكتابة الصحافية بعد ذلك في دار الشباب، حيث كنت أشرف على المجلة الحائطية بها، وكنت أنجز المجلة بشكل فردي. هذه الميول أعزوها إلى عوامل متعددة أهمها أنني أنتمي إلى أسرة لها نوع من الوضع الاعتباري في مدينة تازة، حيث كان عمي الحاج محمد الأمراني، من علماء القرويين، وقد توفي السنة الماضية رحمه الله. وهو أحد المثقفين بالمدينة، له كتاب عن علي بن بري، وكان خطيبا مفوها ونموذجا للعالم المغربي المعتدل الوسطي، الذي يحبب لك الدين ولا ينفرك منه. عمي هذا كان لديه تأثير علي، كنت أذهب لزيارته وكان يزودني بأعداد مجلة العربي بين سنتي 1963 و 1964، عندما كان يديرها الأستاذ المرحوم أحمد زكي. وكنت أحرص باستمرار على أن أقرأ هذه المجلة. العائلة كما قلت لك كانت لها حظوة في مدينة تازة، فجدي كان هو «المزوار» أي نقيب الشرفاء العلويين، رغم أنني لا أومن بهذه الأشياء. وأستعملها لأنها اصطلاحات يستعملها المجتمع. - إذن فأنت تنتمي ل«الشرفا»؟ جدي كان نقيب الشرفاء العلويين بظهير سلمه له السلطان مولاي يوسف، ووالدي ورث «تامزوارت» بظهير أعطاه له الراحل الحسن الثاني، إذن فأنا «الشريف» ابن «الشريف» حفيد «الشريف». وكان مفروضا أن يكون مساري مختلفا عن مساري الحالي، أن أكون، مثلا، رجل سلطة أو عاملا أو في موقع أكثر من العامل. وضعنا العائلي وعلاقتنا بالمخزن كانا يؤهلاني للعب هذه الوظائف وليس شيئا آخر. لكن نشأتي في هذه الأسرة التي كانت، في نفس الآن، أسرة مرتبطة بالحركة الوطنية وبالتحديد بحزب الاستقلال، غيرت مساري، حيث كان والدي من المناضلين الأساسيين في صفوف هذا الحزب في الخمسينيات والستينيات. عمي عندما كان يدرس في القرويين كان يتتلمذ على يد الشهيد عبد العزيز بن ادريس، الذي اغتيل في ضواحي مراكش، وقيل إنه اغتيل بتعليمات من المهدي بنبركة. عبد العزيز بن ادريس كان يعطي المناشير لعمي، ووالدي حينها كان بائع أثواب في تازة وكان يقتنيها من فاس، وكان حين يذهب إلى هناك يقوم بوضع المناشير في كيس بلاستيكي كبير. وكان يقوم بإعطائها لخلايا حزب الاستقلال بتازة أو يوزعها. - هل تدرجت في منظمات حزب الاستقلال؟ الانتماء الأسري كان له تأثيرفي ذلك. في بداية الستينيات ذهبت للمشاركة في مخيم مع الكشفيةْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْ، التي كانت حينها تنتمي إلى حزب الاستقلال ٍٍ،وسني لا تتجاوز العشر سنوات، وتدرجت في الجمعيات الموازية لحزب الاستقلال وتعلمت حب الوطن والتعادلية وحب الخير والتفكير في الآخر وتجنب الأنانية وقيم أخرى، فأنا مدين كثيرا للجمعيات الموازية لحزب الاستقلال. هناك عاملان إذن لهما تأثير كبير في توجهاتي الكبرى وحتى في قناعاتي، أولا العائلة، ثانيا تدرجي في جمعيات حزب الاستقلال، الذي كان أقوى حزب في المغرب. من الأشياء التي أذكرها، أن جولة الزعيم علال الفاسي بالمغرب، عندما عاد من المنفى قادته إلى مدينة تازة، حيث نصبت له الأقواس على غرار ما كان يفعل لمحمد الخامس، وتم استقباله في منزل ضخم في ملكية عائلة التازي، وهي عائلة معروفة في تازة، وذهبنا أنا وأخي الأكبر والوالد لنسلم عليه في هذا المنزل والوفود تأتي بالآلاف لتسلم عليه. في مساء اليوم الأول لزيارته، شعر علال الفاسي بإرهاق فجاء إلى منزلنا للصلاة، فسخن له الوالد الماء ليتوضأ، وقدمني له قائلا: «هذا ابني عبد الكريم وذاك شقيقه عبد اللطيف». وللإشارة فإن أبي أطلق علي اسم عبد الكريم تيمنا بالزعيم عبد الكريم الخطابي. - ما الذي دفع عبد الكريم الأمراني، ابن الاستقلال، إلى الانخراط في حزب الاتحاد الاشتراكي؟ كان هناك انتقال بدأ بقراءات، حيث شرعت في قراءة بعض الأدبيات الاشتراكية والماركسية، وقد تستغرب حينما تعلم أن الشخص الذي له الفضل في هذه النقلة الفكرية هو عبد الرحمان عاشور، مدير الإذاعة، الذي كان صديقا عزيزا ولا يزال رغم أنه اختار اتجاهه الخاص، إذ يشغل الآن مهمة مدير التواصل في وزارة الداخلية. عاشور كان عبقريا في اللغة الفرنسية وهو لا يزال في السادسة ثانوي سنة 1969، كان فعلا تلميذا مثقفا، أعطاني مذكرات «تشي غيفارا»، وقد كانت ممنوعة من التوزيع في المغرب. كان يزودني باستمرار بجريدة «غرانما» للحزب الشيوعي الكوبي، كل أسبوع يأتيني برزمة من الجرائد لم أدر من أين كان يحصل عليها، وهو الذي كان يزودني بأعداد من مجلتي «الحرية» و«الهدف»، لساني حال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رغم أنه كان يعرف أنني لازلت استقلالي الهوى، هل كان يريد أن يستقطبني؟ أو يغير فكري؟ لا أعرف، لكن من المؤكد أنه كان ينتمي إلى ماكان يسمى باليسار الجديد، لا أدري إن كان ينتمي إلى 23 مارس أو منظمة إلى الأمام. فانقطعت الصلة بيننا بعد الباكالوريا. في هذه الفترة بدأت أبتعد عن حزب الاستقلال، وفي آخر مرة كنا في مخيم في السعيدية مع جمعية الكشاف المغربي، رأيت أشياء لا داعي لذكرها لأنني لا أريد أن أجرح أحدا، فقررت الانسحاب عبد الكريم الأمراني :عذبوني في المعتقل بضربي بالعضو الذكري للثور على رجلي العاريتين قال إن الجلادين كانوا يقولون له «أنت شريف علوي آشنو كاتدير فالاتحاد» حاوره-يوسف ججيلي عبد الكريم الأمراني، الصحافي المثير للجدل، يحكي تفاصيل مهمة من مساره النضالي في صفوف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويقف عند تفاصيل الأحداث التي عاشها على المستوى المهني. يعود إلى مراحل مهمة من تاريخ المغرب كان شاهدا عليها، ويروي كيف كبرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وأسباب سقوطها، كما يعرج على كواليس ميلاد جريدة «الأحداث المغربية» وأسباب تراجعها في المبيعات والتأثير. الحديث مع الأمراني لايمكنه أن يخلو من الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها الأمراني مع بعض رجالات الدولة. إليكم اعترافات صحافي ضد التيار… - هل هذه فقط أسباب التحاقك بالاتحاد؟ كان هناك عامل خارجي موضوعي ويتعلق الأمر بإذاعة ليبيا، التي كانت تسمع في تازة أكثر من الإذاعة المغربية، بالطبع كانت كلها شتائم في النظام المغربي. وحينها بدأت أنتقل تدريجيا إلى دائرة أخرى فكرية وإيديولوجية وهي اليسار، فقد استهواني ما كان يذاع في تلك الإذاعة. أصبحت مناضلا اتحاديا دون علاقة بالتنظيم، لأن مقر الحزب بتازة كان مغلقا منذ 1965. اعتقل المناضل احمد بنقليلو،وهو من كبار المناضلين وهو شخص لم يُنصف، حُكم بالإعدام في عهد الحماية وصدر في حقه حكم آخر بالإعدام مع مجموعة الفقيه البصري. ولن أنسى ما حييت ذلك المشهد، عندما خرج بنقليلو من المعتقل بعد صدور العفو عنه، شاهدت الرجل مارا بين الناس ولا يجرؤ أحد أن يسلم عليه وكانوا يتجنبونه كأنه جذام. بعد مرحلة الباكالوريا توجهت إلى كلية الآداب بفاس أبحث عن الاتحاديين، وأتذكر أن الانتماء الرسمي كان مع صدور جريدة «المحرر» سنة 1974. لازلت أذكر مشهد توزيع جريدة «المحرر» للمرة الأولى داخل كلية فاس، وأعدادها تتوسط ساحة الجامعة وبقربها عبد الهادي خيرات الذي كان يبدو منتشيا بخروج أول أعداد المحرر. وجدت العنوان الذي كنت أبحث عنه، وهو عبد الهادي خيرات، لأفاجأ في المساء بطرقات في الغرفة 120، التي كنت أقطن بها في الحي الجامعي، حيث وجدت أنور المرتجي، بعدها أصبحت المسؤول عن القطاع الطلابي الاتحادي بفاس ما بين 1974 و1978.وكانت دفعتي تضم أيضا محمد عامر، الوزير الحالي، ومحمد البوبكري، عضو المكتب السياسي الحالي للاتحاد. - حدثنا عن مرحلة الاعتقالات التي تعرضت لها في مرحلة الجامعة… أصبحت أتحمل المسؤولية المباشرة للشبيبة الاتحادية بفاس والقطاع الطلابي أيضا، إذ كان لدينا 160 أو 170 مناضلا، وشكلنا القوة الثانية بعد تحالف الجبهة. ذهب احمد بنقليلو بعد 1965 إلى مكناس وهجر مدينة تازة ليترك قيادة محلية اتحادية من خارج المدينة، وكان هذا عنصر ضعف في مدينة صغيرة. أتذكر أنني ذهبت إلى مقر الحزب بتازة الذي كان مغلقا منذ 1965 إلى غاية 1974، ووجدته عبارة عن ركام من التراب. خلال هذه المرحلة صُعق رجال السلطة بأن الأمراني ابن نقيب الشرفاء ينضم للاتحاد الاشتراكي، خصوصا وأنني بدأت أشتغل بطريقة لا أعتقد أنه سبق اعتمادها في منطقة أخرى في المغرب. أولا، أشير إلى أنني كنت أصدق ما يكتب من أدبيات الحزب ولم يكن لدي شك فيه، فقمت بتلخيص التقرير الإيديولوجي للحزب الصادر عن المؤتمر الاستثنائي ولقنته للإخوة في الحزب. كان ما يزيد عن 480 شابا منخرطا في الحزب بشكل رسمي، واستقطبت جميع شباب حزب الاستقلال بالمدينة، وأصبحنا قوة أساسية داخل المدينة. بعدها تم تعميم قرار إقامة الوداديات في جميع الثانويات بالمغرب، اتفقنا في تازة على توقيف الدراسة وانتخاب التعاضدية بشكل ديمقراطي وإخبار مدير المؤسسة بها، مع الاعتراض على الدراسة في حال ما إذا رفض قبول الودادية. رد السلطات المحلية كان عنيفا فقد طوقت عناصر الشرطة مقر الحزب بتازة واعتقلت حينها في التاسعة مساء وتعرضت لتعذيب وحشي في الكوميسارية، وسمعت الكلمة الشهيرة «أنت شريف علوي آشنو كاتدير فالاتحاد»، وفهمت أنه من غير المقبول أن ينضم شخص من عائلة محترمة إلى الاتحاد. ثلاثة أيام في المعتقل، لم يتكلموا فيها معي، لكن أخذت حصة وافرة من التعذيب، جربت طريقة التعذيب ب «الطيارة»، وقاموا بإيقاظي من النوم في الثالثة صباحا بعدما وضعوا عصابة على عيني، كل ما أعرفه عن الذين عذبوني أن أحدهم اسمه «الغريب»، يعيش حاليا في القنيطرة، وآخرا اسمه الخمسي. - ماذا فعلوا بك؟ عذبوني تعذيبا وحشيا، ولن أسامحهم على مافعلوه بي. ضربوني بالعضو الذكري للثور على رجلي العاريتين، أكثر من ذلك كانوا يعرون مؤخرتي ويستشيرون الكوميسير حول إن كان يرغب في أن يغتصبونني، وأهانونني كثيرا. كان الهدف هو إبعادي عن الاتحاد لكن ذلك زادني إصرارا. قضيت شهرا ونصف في الاعتقال بالسجن المدني، من حسن حظنا أن ملفنا عرض على قاض نزيه، أجل المحاكمة حتى يتغير الجو العام فأطلق سراحنا، وحكم ببراءتي «لفائدة الشك» وزملائي حوكموا بالبراءة. سنة 1975، وبالتحديد خلال الأسبوع الذي اغتيل فيه عمر بنجلون، نشرت جريدة «المحرر» خبرا باعتقالي للمرة الثانية، وكنت حينها قد اختطفت من أمام باب منزلي، حيث كنت قدمت من فاس إلى تازة لأقضي عطلة عيد الأضحى مع عائلتي. حينما استفسرت قيادة الاتحاد عن سبب اعتقالي قالوا لهم إن الأمراني ينتمي إلى منظمة إلى الأمام ويختبئ في الاتحاد. قضيت نهاية الأسبوع داخل الكوميسارية فسمحوا لعائلتي أن تمدني بجلباب، قبل ذلك أخذوني مغمض العينين ولم أعرف إلى أين اقتادوني وأنا أتوسط شرطيين، بعد الحادث قدرت أنني في مدينة فاس. هذه المرة لم يكن هناك تعذيب أو إهانة أوضرب، وضعوني في مخفر بجانب أحد المصريين، يبدو أنه لم يكن سويا عقليا. خلال ساعات انصب التحقيق على كيفية دخولي للاتحاد ومن أعرف داخل هذا الحزب، كانوا يفتحون العصابة بين الفينة والأخرى ليطلعوني على صور بعض أعضاء منظمتي إلى الأمام و23 مارس. طبعا لم أكن أعرف من كان ينشط داخل هاته المنظمة أو الأخرى لأنهم كانوا يقومون بذلك في سرية. أروني بعض الصور الأخرى منها أسماء كثيرة معروفة، لكن لم يأخذوا مني ماكانوا ينتظرون، لأنني لم أكن أعرف شيئا. بعد ذلك وقع حادث طريف، إذ إنك حين تلج المعتقل يجب أن تترك ساعتك اليدوية والحزام والنظارات إلى غير ذلك، وكنت قد أعطيتهم نظاراتي، وحين قرروا أن يطلقوا سراحي، قاموا باقتيادي إلى وسط مدينة فاس بالقرب من أحد المطاعم وأطلقوني هناك دون نظارات، لأنهم يعرفون أن مستوى الرؤية لدي ضعيف. كانوا يريدون من ذلك أن يُخوّنوني أمام الرفاق عبد الكريم الأمراني : عامل تازة كتب أنني ماوي شيوعي متطرف وهدفي إسقاط النظام قال إن رجال الأمن اعتقلوه رغم أنه لم يقم بشيء سوى توزيع المناشير الداعية للإضراب حاوره-يوسف ججيلي عبد الكريم الأمراني، الصحافي المثير للجدل، يحكي تفاصيل مهمة من مساره النضالي في صفوف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويقف عند تفاصيل الأحداث التي عاشها على المستوى المهني. يعود إلى مراحل مهمة من تاريخ المغرب كان شاهدا عليها، ويروي كيف كبرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وأسباب سقوطها، كما يعرج على كواليس ميلاد جريدة «الأحداث المغربية» وأسباب تراجعها في المبيعات والتأثير. الحديث مع الأمراني لايمكنه أن يخلو من الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها الأمراني مع بعض رجالات الدولة. إليكم اعترافات صحافي ضد التيار… - كيف كانت علاقتك بجريدة المحرر؟ عبد الهادي خيرات، الذي أعتبره مناضلا حقيقيا، رغم أنني قد أختلف معه في الوقت الراهن، قبل أن يغادر جامعة فاس، بعثني في مهمة صحافية إلى دوار ريافة هوامش فاس لإنجاز تحقيق حول الواقع الاجتماعي في أكبر حي صفيحي بمدينة فاس. قمت بالمهمة بمساعدة خلية أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي بالحي، ونشر التحقيق في صفحة كاملة بجريدة «المحرر»، ولا يمكن أن تتصور سعادتي بنشر أول تحقيق لي في الجريدة سنة 1976. أتذكر أنني اقتنيت عشر نسخ، وأشير إلى أن علاقتنا كمناضلين ب«المحرر» كانت تتميز بالقداسة. أنجزت بعض التحقيقات والاستطلاعات في فاسوتازة إلى أن توقفت الجريدة، وقبل أن تتوقف نشرت فيها سنة 1977 دراسة مطولة حول «الازدواجية اللغوية»، وهو البحث الذي أنجزته واستحققت عليه ميزة «الكفاءة التربوية» من المدرسة العليا للأساتذة في الرباط، التي هي كلية علوم التربية الآن، وبعد ذلك قضيت سنة في التكوين التربوي. وفي البحث الذي أنجزت كنت أول مغربي قال «إن علينا تجاوز الحساسية التي زرعتها فينا الحركة الوطنية من المسألة الأمازيغية وعلينا تدريس الأمازيغية»، وكوني قادما من حزب الاستقلال كانت مثل هذه الأفكار غير مقبولة، لكنني دافعت عنها. لما تم توقيفي في إضراب 1977 لم أتردد في التوجه إلى العمل الصحافي، لأنه كان لدي ميل إلى الكتابة الصحافية وكانت لدي مساهمات أعتقد أنها كانت محترمة، وأن اختياري لقطاع التعليم كان خطأ، لكن لم تكن لدي إمكانية العودة إلى الوراء. - ما هي خلفيات توجهك للعمل في التدريس بمدينة تازة؟ سنة 1979، لما تخرجت من المدرسة العليا ذهبت إلى عبد الهادي خيرات الذي تحول إلى الرباط، وقلت له إن مجموعة من الأساتذة في المدرسة العليا طلبوا مني أن أطلب التعيين في مدينة الرباط، لأنهم ينشرون مجموعة من النظريات والأفكار في المدرسة العليا، وأنه قبل إرسال الطلبة للتدريب يجب أن نتوفر على أساتذة ينسجمون معنا في نفس الأفكار، وقالوا لي إنهم سيتدخلون في الوزارة ليتم تعييني في العاصمة، كما هو الشأن بالنسبة إلى بعض الزملاء المتميزين أيضا. أتذكر أنني لما دخلت عند خيرات وجدته مع مالك الجداوي، سفير المغرب الحالي في روسيا، وأخبرته بالأمر فقال لي: «لا يمكن. نحن محتاجون إليك في تازة وعليك أن تبقى فيها»، وأن التنظيم الاتحادي في هذه المدينة لن يتقوى بدون وجود الأمراني. فملأت طلب التعيين في تازة استجابة لرغبة الحزب، حيث اشتغلت ستة أشهر فقط ودخلت السجن، تعرضت خلالها لمطاردات يومية من قبل السلطة، وكنت مستهدفا من قبل العديدين بشكل واضح. - إذن تم اعتقالك ثانية خلال الإضراب العام لسنة 1979… بدأنا الاشتغال في تازة، وأعددنا خطة لاقتحام البادية على أساس تأسيس فروع للنقابة الوطنية للتعليم تكون مدخلا لإنشاء فروع للحزب، وكذلك كان. عندما انتخبنا المكتب بمنطقة واد أمليل رفض القائد أن يتسلم الوثائق منا. كنت أشغل حينها مهمة الكاتب الجهوي لنقابة التعليم، حيث صوت علي 5500 رجل تعليم. ركبت السيارة مع الأخ لحسن البويولي، أحد المناضلين الشرفاء الذين عايشتهم، وتوجهنا صوب عامل إقليمتازة. عندما بلغنا مقر العمالة أخبرنا مدير الديوان، وهو من عائلة تازية معروفة، أن العامل يريد أن يراني على انفراد، فرفضت ذلك. لكني فيما بعد دخلت إلى مكتبه فاستقبلني بحرارة وحكيت له ما جرى مع القائد، فوعدني بأن يتدخل لحل المشكل، قبل أن يقول لي: «كيف يمكن أن تقبل على نفسك أن تكون مسؤولا في حزب كاتبه الإقليمي جزائري؟» ففاجأته بجوابي قائلا : «آسي مصطفى الجزائري معروف أنه لا يتقدم إلى الانتخابات البرلمانية»، فأجابني «إنني لا أقصد الجنسية ولا تقل مصطفى فأنا سعادة العامل»، فقلت له: «سعادة العامل عبارة يجب أن يقولها لك «المخزني» الذي يشتغل تحت إمرتك». بعد ذلك غيّر نبرة صوته وانتقل إلى المساومة وقال لي: «فكر جيدا فيمكن أن نضمن مستقبلك السياسي والانتخابات التشريعية على الأبواب». وقفت وقلت له: «إنني سأبلغ ما قلت لي لسي عبد الرحيم بوعبيد، وسنرى إن كان الانتماء إلى حزب الاتحاد سبة»، فانتفض في وجهي وانتهى اللقاء عاصفا ودفعني نحو الباب. - حدثنا عن تفاصيل الاعتقال… بعد ذلك بشهرين كنا على موعد مع إضراب 8-9-10-11 أبريل 1979، فأرسل العامل رسالة إلى النيابة العامة، تتضمن تهما من أخطر ما كُتب عن أي سياسي في المغرب والشهود موجودون. جاء في رسالة العامل أنني «أخطر عنصر في الاتحاد وأنني ماوي، شيوعي متطرف، أختبئ في الاتحاد الاشتراكي وهدفي إسقاط النظام وأنني إنسان يجب إبعاده بأي وسيلة». الأستاذ الدباغ، المحامي المعروف، قال لي إنه لم يسبق أن اطلع على رسالة للسلطة تتضمن كل هذه التهم الخطيرة. لم أقم بأي شيء، حيث اتخذ قرار الإضراب العام، حينما كنت أشغل مهمة الكاتب الجهوي للنقابة، نفذت القرار بتوزيع المناشير الداعية للإضراب. وأتذكر أن ذلك اليوم كان صبيحة الجمعة، والإضراب كان مقررا يوم الثلاثاء الموالي، إذ نزلت لأشتري جريدة «المحرر»، فطلبت نسخة من بائع الصحف فرد علي بأنه تم حجز النسخ في محطة القطار. وبمجرد ما التفت وجدت شرطيا عاديا بادرني بالتحية وقال لي إن الكوميسير يريد رؤيتي في الحال. عندما بلغنا مقر الشرطة لم أجد الكوميسير ولا غيره، كان هناك فقط شرطي آخر قال لي إن لديه أمرا باعتقالي فقلت له: تفضل. أدخلوني إلى الزنزانة. لم أكن قد فعلت شيئا باستثناء أنني وزعت المناشير. كان ذلك أكبر ظلم يُرتكب في حقي، لأنني لم أقم بأي شيء مخالف للقانون. دخلت إلى الزنزانة صبيحة الجمعة على الساعة التاسعة صباحا، وبقيت فيها لوحدي. ويوم الاثنين الموالي، ألحقوا بي اثنين آخرين في زنزانة أخرى، والثلاثاء، الذي صادف يوم الإضراب، تم إدخال خمسة آخرين إلى زنزانة أخرى، وبقيت طيلة هذه المدة في زنزانة انفرادية. يوم الأربعاء جاؤوا بنا لينجزوا لنا محضرا، فكانت الأسئلة على الشكل التالي : «سي الأمراني وزعت المناشير؟»، فأجيب ب«نعم»، لأنها وزعت في المغرب بأكمله والقيادات التي حررت المناشير لم تعتقل. كانوا يطرحون أسئلة عامة ليبقى الباب مفتوحا أمام التأويلات، ولا يحددون التهمة لتجيب عنه عبد الكريم الأمراني: لم أفهم الانقلاب في العلاقات الذي حدث بين المغرب والجزائر خلال حرب الرمال شاهدت فيلم «جميلة بوحيرد» خمس مرات وكنت أبكي دائما لما تعرضت له من تعذيب حاوره-يوسف ججيلي عبد الكريم الأمراني، الصحافي المثير للجدل، يحكي تفاصيل مهمة من مساره النضالي في صفوف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويقف عند تفاصيل الأحداث التي عاشها على المستوى المهني. يعود إلى مراحل مهمة من تاريخ المغرب كان شاهدا عليها، ويروي كيف كبرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وأسباب سقوطها، كما يعرج على كواليس ميلاد جريدة «الأحداث المغربية» وأسباب تراجعها في المبيعات والتأثير. الحديث مع الأمراني لايمكنه أن يخلو من الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها الأمراني مع بعض رجالات الدولة. إليكم اعترافات صحافي ضد التيار… - حدثنا عن بداية طريقك نحو الإعلام المرتبط بالعمل السياسي في إطار الاتحاد الاشتراكي. البداية كانت داخل أسرة استقلالية، بكل ما في كلمة «استقلالية» من معان.. التزام وانخراط في كل المعارك، بل تمثيل للحزب في المؤسسات المنتخبة من غرفة تجارية (حيث كان الوالد، رحمة الله عليه، نائبا للرئيس في أول انتخابات سنة 1963، ثم رئيسا فيما بعد في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات) إلى المجلس البلدي (الذي كان العم امحمد الأمراني، رحمة الله عليه نائبا لرئيسه في أول انتخابات جماعية يشهدها المغرب في بداية الستينيات…) كان النشاط الجمعوي في إطار الكشفية الحسنية، التي كانت آنذاك أهم المنظمات الموازية التابعة لحزب الاستقلال، هو المدرسة الأولى التي تعلمت فيها الكثير من الأشياء: حب الوطن، الاهتمام بالشأن العام، حب الخير، التضامن مع المظلومين… ولازلت أذكر، حتى اليوم، مختلف المبادرات التضامنية مع الأشقاء في الجزائر.. أذكر طبعا عمليات جمع «هيادر» العيد، التي اغتنى منها الكثيرون، كما يعلم الجميع… وأذكر أيضا مشاركة الكشفية الجزائرية، التابعة لجبهة التحرير الوطني، لنا في احتفالات عيد العرش في ساحة «أحراش» بتازة العليا، حيث كنا نتناوب معها على تقديم الأناشيد أمام عشرات الآلاف من المواطنين، ومنها حفظت أناشيد الثورة: يا شباب ضموا الشمال الإفريقي، لتحيى الجزائر، الله أكبر فوق كيد المعتدي… كانت لنا علاقات وثيقة مع كل أبناء الجالية الجزائرية في المدينة، وكانوا وقتها بالآلاف، كنا نزورهم بانتظام في مكتب جبهة التحرير الوطني، الذي كان أشبه بخلية نحل لا تهدأ.. وأذكر من بين الأشياء التي مازلت أذكرها عن هذه المرحلة، الإقبال منقطع النظير على فيلم «جميلة بوحريد» للمخرج الكبير «يوسف شاهين» وللرائعة «ماجدة»، والذي كان ريعه مخصصا بالكامل لدعم الثورة الجزائرية. شاهدت الفيلم أكثر من خمس مرات، لم أتوقف خلالها عن البكاء وأنا أشاهد عمليات التعذيب الوحشي الذي تعرضت له المناضلة الجزائرية «جميلة بوحريد» على يد الجلادين الفرنسيين في زنازن الاحتلال… كنا نشاطر الإخوة قضيتهم، التي كنا ننظر إليها باعتبارها قضية وطنية.. كما نشاركهم كلامهم وآمالهم، بصدق وأريحية.. كان العلم الجزائري يجاور العلم المغربي في منزل العائلة.. وكانت صور الزعماء الخمسة المخطوفين (بن بلة، أحمد قيصر، محمد بوضياف، حسين آيت احمد…) تجاور صور محمد الخامس وعلال الفاسي وعبد الخالق الطريس في أركان البيت… لكن حدثت مرحلة القطيعة مع الجزائريين… ولذلك لم أفهم، أنا الطفل، المتحمس للجزائر ولاستقلالها، الانقلاب الذي حدث خلال حرب الرمال بين البلدين سنة 1963… كيف انتقلنا من: «لتحيا الجزائر وشعب الجزائر» إلى:» بن بلة الوحش الغدار يا اللي قلت كلام العار خصك لحريقة والنار ياللي اصبحت غدرا هجمت على أرض سيادك بالسلاح اللي اتَّهدا لك انت ولعديان اصحابك ياللي اصبحت غادر» وهي الأغنية التي لم تكن إذاعة الرباط تتوقف عن بثها طيلة فترة الأزمة.. والتي كانت تقابلها أغنية لا تقل عنها عداء وإساءة تبثها إذاعة الجزائر، التي كانت وقتها مسموعة عندنا أكثر في الرباط أقصد بالمسموعة قوة الدفع على امتداد الساعة، عشنا نحن الأطفال، في تلك المرحلة، أبشع فترة على الإطلاق، في علاقتنا بأصدقاء وجيران وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بلا سند، وبلا مورد رزق، بعد أن أقدمت السلطات المغربية على إبعاد المئات من الجزائريين، بدون مبرر أو سبب، (وهو الفعل الذي سيتكرر بعد المسيرة الخضراء، ولكن من الطرف المقابل!). وجدنا أنفسنا، فجأة، وبلا مقدمات، أمام «أعداء» ينبغي علينا أن نقاطعهم أو في أحسن الأحوال أن نتجنب ما أمكن الاختلاط بهم… لم أستطع شخصيا أن «أنضبط» للتعليمات، رغم إعجابي بالأغنية الجماعية التي كانت تشتم «بن بلة الوحش الغدار» وترديدي لها مع الأصدقاء في ساحة الحي، وفي مقر الكشفية الحسنية، وظلت علاقتي بالعديد من الأطفال الجزائريين متينة لا تشوبها شائبة… - وماذا عن العلاقة ب«الدّاخل»، أي بمن ستلتحق بهم فيما بعد، أعني الاتحاد الوطني للقوات الشعبية؟ أشرت سابقا إلى أنني أنتمي إلى أسرة استقلالية حتى النخاع.. كانت "العلم"، الجريدة الوطنية المعروفة، حاضرة بشكل يومي في البيت.. حيث إنها كانت، في أذهاننا، هي الجريدة le journal، والجريدة هي "العلم"… كانت الوالدة إذا أرادت أن تطلب ورق جريدة لمسح زجاج أو آنية تنادي على أحدنا قائلة: «جيبوا شي «عَلَمْ»، وهي تقصد طبعا «ائتوني بورق جريدة، أي جريدة إلا «العلم»، التي كان من غير المسموح طبعا الاقتراب منها)، كنت أتحين فرصة انتهاء الوالد من قراءتها لكي أنقض عليها قبل شقيقي الأكبر عبد اللطيف، وأشرع في قراءتها من الصفحة الأخيرة إلى الصفحة الأولى، مركزا على مقالات الأستاذين عبد الكريم غلاب وعبد المجيد بن جلون، ثم فيما بعد أضفت إليها مقالات المرحوم مصطفى الصباغ ومحمد الصباغ، التي كنت أقتطعها لنفسي وأحتفظ بها في ملفات مازلت أحتفظ بها إلى اليوم (وهي تضم عشرات المقالات للأستاذين غلاب وبن جلون من «مذكرات العلم».. عبد الكريم الأمراني : كنت أقرب إلى الانخراط في مشروع الإخوان المسلمين قال إن والده أدخله للسلام على علال الفاسي وتقبيل يده وأخذ بركته حاوره-يوسف ججيلي عبد الكريم الأمراني، الصحافي المثير للجدل، يحكي تفاصيل مهمة من مساره النضالي في صفوف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويقف عند تفاصيل الأحداث التي عاشها على المستوى المهني. يعود إلى مراحل مهمة من تاريخ المغرب كان شاهدا عليها، ويروي كيف كبرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وأسباب سقوطها، كما يعرج على كواليس ميلاد جريدة «الأحداث المغربية» وأسباب تراجعها في المبيعات والتأثير. الحديث مع الأمراني لايمكنه أن يخلو من الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها الأمراني مع بعض رجالات الدولة. إليكم اعترافات صحافي ضد التيار… - كنت تهتم فقط بالمقالات الثقافية في بداياتك؟ في البداية.. نعم.. ولكن مع مرور السنوات، بدأت أقرأ الافتتاحيات وخطب الزعماء، وخاصة علال الفاسي وعبد الخالق الطريس، الذي تعرفت عليه شخصيا أثناء ترؤسه تجمعا عاما في بيتنا بمناسبة الانتخابات التشريعية لعام 1963، التي فاز بها المرشح الاستقلالي البشير لقباقبي بأغلبية ساحقة.. مازلت أذكر أنا الطفل الذي لم يكن عمري يتجاوز آنذاك ال 12 عاما صورة الزعيم الطريس وهو يخطب «وسط الدار» أمام أكثر من ألف مواطن ملؤوا جنبات المنزل وسطحه.. وكان حزب الاستقلال، وقتها، قد خرج إلى صفوف المعارضة… خطاب عنيف ضد «الخونة» الذين استولوا على البلد، والوطنيين الذين ضحوا من أجل الاستقلال، ثم أُبعدوا عن السلطة.. بيتنا الذي احتضن تجمع الزعيم عبد الخالق الطريس، كان قد استقبل الزعيم علال الفاسي، الذي «فر» إليه من زحمة المستقبلين الذين جاؤوا إليه من مختلف مناطق إقليمتازة بعشرات الآلاف، لتهنئته بعد عودته إلى أرض الوطن، في نهاية الخمسينيات، وكان منزل «آل التازي» الذي يبعد عن بيتنا بحوالي مائة متر هو محج المهنئين.. ولكنه طلب «الابتعاد» عنه لأداء الصلاة وأخذ قسط من الراحة.. فأخرجوه من باب جانبي، وتوجهوا به إلى بيتنا حيث أدى ما عليه من صلوات وأخذ قسطا من الراحة، قبل أن يعود إلى بيت آل«التازي »لمواصلة استقبال المهنئين، وقد اغتنم والدي فرصة وجوده في المنزل لإدخالنا، أنا وشقيقي، إلى «الصالة» أو (البِيتْ) الذي كان ممددا فوق فراشه، لتقبيل يده وأخذ بركته.. - بِمَ تحتفظ ذاكرتك في هذه المرحلة؟ احتفظت ذاكرتي في هذه الفترة «الاستقلالية» بعدة أشياء، أهمها على الإطلاق: معاداة الشُّوريين (المنتمين إلى حزب الشورى والاستقلال)، الذين كانوا يمثلون أقلية «منبوذة» في المدينة، حيث كان أغلب الناس ينظرون إليهم بازدراء يقارب الاتهام بالخيانة.. (عندما تقول «شوري»، كأنك تقول بلغة ومنطق اليوم: «صهيوني»..!). كراهية «الانفصاليين» أو «البركويين»، كما كنت أسمع من والدي.. وقد زاد من هذه الكراهية ما أشيع أثناء حرب الرمال من اتهام للمهدي بن بركة بالخيانة، من خلال دعمه للجزائر في تلك المعركة ضد بلده المغرب.. وبعد اعتقالات يوليوز 1963، زادت كراهيتنا، عمقا، بعد أن أضيف إلى الاتهام ب«الخيانة الوطنية»، اتهام آخر ب«التآمر على العرش»… جاء التنسيق داخل البرلمان أثناء تقديم ملتمس الرقابة سنة 1965، الذي كانت التلفزة تنقله مباشرة، للتخفيف من حدة العداء، وكانت «العلم» تنشر مداخلات النواب الاتحاديين (عبد القادر الصحراوي، الذي اكتسب «نجومية» حقيقية في صفوف الشعب، شأنه في ذلك شأن المحامي التبر، وعبد الواحد الراضي)، إلى جانب مداخلات عبد الخالق الطريس وعلال الفاسي وغيرهم… ثم جاء إعلان حالة الاستثناء، ومفاوضات القصر مع زعماء الحزبين الوطنيين الكبيرين، عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله ابراهيم وعلال الفاسي، لتُصحح لدي الصورة عن «الانفصاليين»، الذين بدأت أنظر إليهم بشكل مختلف تماما، خصوصا مع بدء انفتاحي على الفكر الاشتراكي والشيوعي، من خلال أدبيات الآباء المؤسسين، ومن خلال الكتاب- «الإنجيل»، وقتها، بالنسبة إلى كل المتمركسين («أصول الفلسفة الماركسية» لجورج بوليتزر). في سنة 1969، وقع الاعتداء الشهير الذي قامت به عناصر من جهاز المخابرات على مطبعة «الرسالة» التي كانت تطبع جريدتي «العلم» و«لوبنيون».. وكانت قد سبقته محاكمة مديري الجريدتين، بعد نشر «لوبنيون» لخبر يتعلق بتموين الجيش (L'intendance de l'armée)، صدر في أعقابه حكم بالسجن لمدة عام في حق مديرها محمد برادة، وحكم بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة ستة أشهر في حق الأستاذ عبد الكريم غلاب، مدير جريدة «العلم». جاء حدث تخريب المطبعة، ثم محاكمة مديري صحيفتي حزب الاستقلال، ثم أحداث «أولاد خليفة» التي ذهب ضحيتها عدد من الفلاحين الفقراء برصاص أفراد القوات المساعدة، لتدفعني بعيدا عن قناعاتي التي تشبعت بها منذ الطفولة الأولى، وتشربتها مع حليب الأم وأحاديث الوالد والعم: الله ثم الوطن ثم الملك… بدأت أطرح أسئلة تتعلق بالدين، ثم بالنظام، وفي هذه الفترة (نهاية الستينيات)، ربطتني صداقة مع شخص بدأ يزودني بكتب سيد قطب، الذي قدمه إلي باعتباره «شهيدا» ذهب ضحية «الطاغوت» الذي لم يكن سوى جمال عبد الناصر، الذي تربينا على حبه، بل إن الوالد أطلق اسمه على أحد أشقائي.. قرأت «ظلال في القرآن» ثم «معالم في الطريق» الذي استهواني مضمونه، وخصوصا حديثه عن «جاهلية القرن العشرين» وعن «البشرية التي تقف اليوم على حافة الهاوية» بسبب الفراغ الروحي الذي تتخبط فيه… كنت أقرب إلى الانخراط في مشروع الإخوان المسلمين، خصوصا الجناح الذي يرتبط بتراث سيد قطب، لو لم أتعرف في هذه المرحلة بالضبط على شخص، قد يستغرب الكثيرون للدور المفصلي الذي لعبه في حياتي.. وهو الصديق عبد الرحمان عاشور. - عبد الرحمان عاشور مدير الإذاعة السابق والمسؤول عن الاتصال حاليا في وزارة الداخلية؟ بالضبط.. عبد الرحمان عاشور، المسؤول الحالي عن الاتصال في وزارة الداخلية، ومدير الإذاعة السابق.. تعرفت عليه في السنة الأولى من السلك الثاني (ما كان يسمى سابقا بالسنة الخامسة)، وكان يسبقني بسنة دراسية.. كان تلميذا متميزا، خصوصا في اللغة الفرنسية، وكان يقرأ بنهم، وأذكر أنه زودني في هذه الفترة بالعديد من الكتب والمنشورات المحظورة وقتها، منها على سبيل المثال لا الحصر: «مذكرات شي غيفارا» التي أصدرتها منشورات فرنسوا ماسبيرو، (Journal de Bolivie)، بالإضافة إلى أعداد كثيرة من مجلتي «الحرية» (التي كانت تصدرها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) و«الهدف» (التي كانت تصدرها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويرأس تحريرها الشهيد غسان كنفاني)، كما كان يزودني بانتظام بأعداد من صحيفة «غرانما» لسان حال الحزب الشيوعي الكوبي، بالفرنسية.. كنت متعطشا للقراءة والمعرفة، وقد جاءت هذه الكتب والمطبوعات، التي زودني بها الصديق عاشور، لتملأ فراغا كبيرا في رصيدي المعرفي، خصوصا في ما يتعلق بالفكر الاشتراكي… في هذه المرحلة، بدأت الإذاعة الليبية تبث برنامج «التحرير» كل يوم أربعاء.. وهو برنامج كانت تشرف عليه المعارضة الاتحادية في الخارج، وبالتحديد الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد آيت قدور.. وكان «نجم» البرنامج بامتياز، أحد أبناء تازة من آل التوزاني، الذي كان يقدم فقرة بالدارجة المغربية، تميزها، على الخصوص، طريقة نُطقه التازية لحرف القاف… - كانت الإذاعة مسموعة في تازة؟ كانت، بالفعل، مسموعة في المدينةوالإقليم.. وكان الناس يتابعون ما تقدمه من معلومات ومعطيات تفضح النظام وممارساته.. وكنت حريصا على متابعتها، بعيدا عن أعين الوالد، الذي كان استقلاليا، وظل مواليا بالرغم من معارضة حزبه السياسية للمؤسسة الملكية، بحكم جذوره الشريفة، فهو نقيب الشرفاء العلويين (مزوار) بظهير ملكي، منحه له الراحل الحسن الثاني، ووالده (جدي) مولاي أحمد الأمراني، كان نقيبا للشرفاء العلويين (مزوار) بظهير منحه له السلطان مولاي يوسف… فكيف يعقل ل «الشريف» ابن «الشريف» حفيد «الشريف» أن يستمع إلى إذاعة لا تتوقف عن شتم رمز النظام المغربي، والتحريض عليه؟! عبد الكريم الأمراني : استوقفني بعد فشل محاولة الصخيرات أن الناس تعاملوا بلا مبالاة كبيرة مع الانقلاب.. قال إن التلاميذ نجحوا في تحقيق كل «المطالب»، التي كان أغلبها مجرد مماحكة لتبرير الإضراب حاوره-يوسف ججيلي عبد الكريم الأمراني، الصحافي المثير للجدل، يحكي تفاصيل مهمة من مساره النضالي في صفوف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويقف عند تفاصيل الأحداث التي عاشها على المستوى المهني. يعود إلى مراحل مهمة من تاريخ المغرب كان شاهدا عليها، ويروي كيف كبرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وأسباب سقوطها، كما يعرج على كواليس ميلاد جريدة «الأحداث المغربية» وأسباب تراجعها في المبيعات والتأثير. الحديث مع الأمراني لايمكنه أن يخلو من الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها الأمراني مع بعض رجالات الدولة. إليكم اعترافات صحافي ضد التيار… - إلى أي حد أثرت الإذاعة الليبية، وبرنامج «التحرير» تحديدا، فيك؟ كانت المرحلة تتسم باحتقان سياسي خطير أدى، من جملة ما أدى إليه، إلى تأسيس الكتلة الوطنية، التي أثارت وقتها غضب الراحل الحسن الثاني، الذي لم يجد ما يقوله للتعبير عن غضبه، سوى الاعتراض الساخر على وصف الراحل علال الفاسي للكتلة بأنها «زواج كاثوليكي» بين «الاستقلال» و«الاتحاد»… وقد استوقفني، بعد فشل المحاولة الانقلابية الأولى في الصخيرات، أمر ملفت، خصوصا بالنسبة إلى شاب يبحث عن نفسه، وهو أن الناس تعاملوا بلا مبالاة كبيرة مع الانقلاب.. فقد ظلت الإذاعة تبث بيان الانقلابيين بصوت الراحل عبد السلام عامر، من الساعة الواحدة بعد الزوال تقريبا إلى الساعة السابعة مساء، دون أن يتحرك أحد لمساندة الانقلاب ولا لمعارضته والدفاع عن النظام القائم. كان الجميع ينتظر انقشاع «الغبار» لكي يحدد موقفه.. وهذا ما حدث في اليوم التالي، أي بعد التأكد من فشل الانقلاب، حيث بدأت رسائل تجديد الولاء والإخلاص تنهال على القصر الملكي، منددة ب«المتآمرين/الخونة» أعداء الوطن والدين!.. - بِمَ تفسر هذا الموقف؟ هكذا كان الناس دائما يتصرفون في مثل هذه الأحداث.. «اللي تزوج امّي نقول ليه عمي»! و«الله ينصر من اصبح».! ويحضرني، بالمناسبة، مثال دال في هذا المجال: عندما دخلت فرنسا إلى المغرب في مطلع القرن الماضي، وقعت معاهدة الحماية مع السلطان عبد الحفيظ، وشرعت في ما يسمى ب«حرب التهدئة».. وكانت مراكش، التي كانت خارج سيطرة المخزن ومعه الحماية الفرنسية، قد بايعت أحمد الهيبة سلطانا على البلاد، باعتبار أن السلطان الآخر فقد شرعيته بعد توقيعه معاهدة الحماية مع «النصارى»!.. في هذه الفترة، كان أئمة المساجد في المناطق الخاضعة للمخزن المدعوم من الحماية الفرنسية، يدعون للسلطان عبد الحفيظ، ثم من بعده للسلطان مولاي يوسف. وفي مراكش كان الأئمة يدعون ل»السلطان» أحمد الهيبة… أما في المناطق التي توجد بين مراكش والصويرة، فكان الأئمة فيها يدعون قائلين: اللهم انصر من نصرته!.. كانوا طبعا ينتظرون انقشاع غبار المعركة لكي يحددوا موقفهم… - كيف كان رد فعلك الشخصي على هذا «الموقف»؟ هذه الواقعة هزتني من الأعماق.. ودفعتني إلى التأمل في واقعنا السياسي والاجتماعي، بشكل مغاير تماما، فبدأت أفكر في قضايا لم أكن أجرؤ في الماضي على مجرد الاقتراب منها، مثلا: الموقف من النظام الذي تعرض لهزة عنيفة كادت تطيح به، الموقف من المشاريع المجتمعية والسياسية الكبرى المطروحة: المشروع «التعادلي» لحزب الاستقلال، المشروع الاشتراكي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المشاريع الراديكالية التي كانت تطرحها تنظيمات جديدة منشقة عن الاتحاد (منظمة 23 مارس) أو عن الحزب الشيوعي (منظمة إلى الأمام)… لقد عشت فترة تخبط بين انتمائي الأصلي (بحكم تأثير الأسرة، والنشاط الجمعوي الممتد لأكثر من عشر سنوات في الكشفية الحسنية، ثم في منظمة الكشاف المغربي)، وبين إعجابي الشديد بالخطاب الثوري الذي كنت أسمعه كل أربعاء (ثم كل أربعاء وسبت) في برنامج «التحرير» على أمواج الإذاعة الليبية… ثم أخيرا وليس آخرا افتتاني بالخطاب الراديكالي لشباب صادق متحمس، كنت على احتكاك مباشر به في الثانوية، من خلال إضرابات طويلة كانت تشن تحت إشراف ما كان يسمى ب«النقابة الوطنية للتلاميذ»، وكنا، نحن أبناء المدينة، معترضين على طولها غير المبرر، خصوصا بعد تلبية كل المطالب من طرف السلطات المحلية. وهنا أذكر للأمانة التاريخية أن عامل الإقليم وقتها، السيد حجاج (الذي أصبح فيما بعد كاتبا عاما لوزارة الداخلية)، استقبلنا في مكتبه في عمالة الإقليم -نحن أعضاء الودادية، التي انتخبت نائبا لكاتبها الذي كان ينتمي إلى منظمة «إلى الأمام»- وعرضنا عليه كل المطالب فوافق عليها بالكامل. - وماذا جرى بينكم وبين العامل؟ «قال لنا اسمعوا يا أبنائي.. أنا الآن عامل إقليم.. وغدا سأحصل على التقاعد، وسأنتقل للإقامة في أي مدينة مغربية كأي مواطن آخر.. وأريدكم، إذا التقيتم بي غدا، بعد حصولي على التقاعد، أن تتعاملوا بالاحترام نفسه الذي تعاملونني به اليوم.. السلطة «دايزة» .. المهم هو المصلحة العامة وخدمة البلاد وناس البلاد» خرجت من الاجتماع مرتاحا جدا، لأننا نجحنا في تحقيق كل «المطالب»، التي كان أغلبها مجرد مماحكة لتبرير الإضراب، ومع ذلك فقد التزم السيد حجاج بما وعد به.. تم تحسين التغذية كما وكيفا.. وتضاعفت الأغطية وزودت المدفئات بحطب التدفئة… إلخ. هنا سأكتشف أن الإضراب لم يكن من أجل مطالب تلاميذية، بل كان إضرابا سياسيا يستهدف أشياء أخرى لها علاقة باستراتيجية «الجبهة» (إلى الأمام + 23 مارس).. فبعد يومين فقط على تلبية كل المطالب التي كانت في الواقع تعجيزية استؤنف الإضراب، وتدخلت قوات الأمن في الليل لإبعاد «الآفاقيين» من الداخلية (حيث نقلوا في حافلات إلى مناطقهم الأصلية)، وشرعت في استدعاء أولياء أمورنا لتوقيع التزامات باستئناف الدراسة وعدم الإضراب. وبمجرد دخولنا إلى الأقسام، وقفت وطلبت الإذن من أستاذ اللغة العربية، وخاطبت زملائي قائلا: «أيها الإخوان.. أقترح عليكم أن نمتنع عن الدراسة بشكل سلمي ومسؤول إلى حين إعادة زملائنا المبعدين.. وبعدها فقط نستأنف الدراسة.. صحيح أننا جميعا غير مستعدين لإضاعة سنة دراسية من أجل أهداف سياسية لا نعلمها، ولكننا، في نفس الوقت، غير مستعدين للتخلي عن زملائنا المبعدين». صفق الجميع للاقتراح الذي قمنا بتعميمه على جميع الأقسام.. وفي المساء، كان لوفد منا لقاء مع عامل الإقليم السيد حجاج الذي وعدنا خيرا.. وبالفعل، لم يمر أسبوع حتى كان زملاؤنا الداخليون معنا، يواصلون ما تبقى من دروس (حوالي ثلاثة أسابيع) لاجتياز امتحان الباكالوريا عبد الكريم الأمراني : اتصل بي شخصان وأخبراني أن السلاح سيصل إلى تازة وإذا ما كنت أرغب في المشاركة في «الثورة المسلحة» قال إن رجال الشرطة اصطحبوه إلى خارج بيته وهم يحيطون به وكأنه «تشي غيفار» حاوره-يوسف ججيلي عبد الكريم الأمراني، الصحافي المثير للجدل، يحكي تفاصيل مهمة من مساره النضالي في صفوف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويقف عند تفاصيل الأحداث التي عاشها على المستوى المهني. يعود إلى مراحل مهمة من تاريخ المغرب كان شاهدا عليها، ويروي كيف كبرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وأسباب سقوطها، كما يعرج على كواليس ميلاد جريدة «الأحداث المغربية» وأسباب تراجعها في المبيعات والتأثير. الحديث مع الأمراني لايمكنه أن يخلو من الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها الأمراني مع بعض رجالات الدولة. إليكم اعترافات صحافي ضد التيار… - هل كان لهذه التجربة مع «اليسار الجذري» تأثير في تحديد خياراتك السياسية؟ هذه التجربة هي التي دفعتني إلى حسم اختياري بالابتعاد عن اليسار الجديد، الذي لا أخفي أنني تأثرت بأدبياته وبمواقفه النضالية..وجاءت أحداث مارس 1973 لتجعلني أكثر ميلا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي بدا لي، من خلال ما كنت أسمعه في برنامج "التحرير" مرتين في الأسبوع، ثم من خلال انتقاله إلى «الفعل الثوري المباشر» (أحداث مارس 1973) الذي واكبته حملة إعلامية مثيرة في الإذاعة الليبية، أكثر القوى السياسية قدرة على الفعل وعلى التغيير الجذري.. وهنا لا بد أن أفتح قوسا لأشير إلى واقعة مثيرة ترتبط بهذه الأحداث الدامية المؤلمة.. فقد فوجئت، مباشرة بعد صدور البيان الحكومي الرسمي المتعلق بأحداث «مولاي بوعزة»، بشخصين أعرفهما حق المعرفة، يطرقان باب بيتنا ويطلبان مني الذهاب معهما لكي يكلم