قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان بزيارات للمؤسسات الاستشفائية الخاصة بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية ليعد تقارير حول الزيارات التي قام بها للمؤسسات الاستشفائية الخاصة بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية، وذلك قصد قيامه بتشخيص الواقع والخروج بتوصيات وملاحظات لتحسين أوضاع نزلاء هاته المؤسسات المتخصصة في الأمراض النفسية والعقلية. كما هدف التقرير إلى إثارة انتباه مجموع الفاعلين العموميين والخاصين إلى العلاقة الثابتة بين صحة العقل وصحة البدن وإبراز العلاقات الجوهرية بين الصحة العقلية وحقوق الإنسان وتوعية المجتمع بارتفاع وثيرة الإصابة بالمرض العقلي والنفسي كما وقعت معاينتها حسب التقرير والتي رصدت جوانب القصور والنقص في الخدمات وقلة البنيات المخصصة لذلك. وقد اعتمد تقرير المجلس على خريطة طريق أسسها على المعايير الدولية في مجال الصحة العقلية والنفسية خصوصا المتعلقة بالترسانة القانونية خاصة المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المادة 24 من اتفاقية حقوق الطفل، المادة12 من اتفاقية القضاء على جميع الأشكال التمييز ضد المرأة، المادة5 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، دستور منظمة الصحة العالمية، الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعاقين، وجميعها صكوك ثم التوقيع والمصادقة عليها من قبل المغرب، ومرجعيات قانونية دولية أخرى. أما بخصوص التشريعات والإطار القانوني الوطني فيتميز بقدم النصوص التشريعية وعدم ملاءمتها، فما زال المغرب يعتمد على ظهير 30 أبريل 1959 المتعلقة بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها وإن كان رائدا آنذاك فإنه اليوم أصبح متقادما اليوم. الأمر الذي يفسح المجال للعديد من التجاوزات كما أقر التقرير بقدم البنيات وغير ملاءمتها. يتوفر المغرب حاليا على سبعة وعشرين مؤسسة عمومية لمعالجة الأمراض العقلية تشمل: ستة عشر مستشفى عموميا متوفرة على مصلحة للطب النفسي، وست مستشفيات متخصصة في الطب النفسي وثلاثة مستشفيات للطب النفسي تابعة للمراكز الإستشفائية الجامعية بالرباط ومراكش وفاس، ومصلحة للطب النفسي تابعة للمركز الإستشفائي الجامعي بالدارالبيضاء ومصلحة للطب النفسي للأطفال التابعة للمركز الإستشفائي بالدارالبيضاء. ويبلغ عدد أسرة مجمل هذه البنايات، حسب معطيات وزارة الصحة، 1725سريرا. ويعرف هذا العدد تناقصا مستمرا . وقد سجل التقرير بخصوص البنيات الملاحظات التالية: * إن نمط التسيير المطبق في الأغلب الأعم، وهو نظام مصالح الدولة المسيرة. بطريقة مستقلة، لا يتلاءم مع طبيعة مؤسسات الطب النفسي. * إن التوزيع الجغرافي للمؤسسات غير متكافئ وغير متوازن. * إن البنيات المتوفرة غير كافية بالنظر إلى تواتر الإصابة بالأمراض العقلية. * ثمة بنيات معطلة رغم أنها حديثة البناء والتجهيز(تزنيت، الناظور، الحي المحمدي). * بعض البنيات غير ملائمة تماما(آسفي، مكناس، تطوان). * ثمة بنيات متخلى عنها والمثال الصارخ عليها هو مستشفى برشيد. * لا تستوفي أغلب البنيات شروط مراقبة وسلامة ملائمة. * هنالك قصور في الصيانة والمحافظة في عدد لا يستهان به من المؤسسات. * توجد، مع ذلك، بنيات يمكن اعتبارها بمثابة نماذج يحتذا بها( جناح النساء بسلا، مصلحة الطب النفسي للأطفال بالدارالبيضاء). أما بخصوص الموارد البشرية فيضم القطاع العام 172 طبيبا نفسانيا و740 ممرضا اختصاصيا في الطب النفسي، ويضم القطاع الخاص 131 طبيبا نفسانيا. وما دام عدد الأطباء والمرضين في الطب النفسي في المغرب يشكو من نقص جلي، فإنه بعيد عن الاستجابة للمعايير المقررة والمعترف بها على الصعيد العالمي في هذا المجال. بالإضافة لذلك سجل التقرير الملاحظات التالية: * الطبيبات والأطباء النفسانيون: يتوزعون على الجهات والمؤسسات بكيفية غير متكافئة: يوجد 54 في المئة منهم في محور الدارالبيضاء-الرباط، وما أكثرا المؤسسات التي لا تتوفر سوى على طبيب نفساني واحد.وقد يكون بعض الأطباء معينين حيث هم ضدا على إرادتهم أو في إطار إجراءات تأديبية ضمنية. * الممرضات والممرضون : من أبرز الاختلافات: عدم وجود نظام أساسي للممرض والممرضة في مجال الطب النفسي، عدم تحديد المهام، غياب التكوين المستمر، افتقاد الأمن والحماية،ظروف العيش سيئة في بعض المؤسسات ومنها بخاصة مستشفى تيط مليل(النقل، السكن، الماء الشروب...)الوصم المهني والاجتماعي. * الموارد البشرية الخاصة بمصالح الطب النفسي: تشمل نظريا طبيبا مختصا في علم النفس(PSYCHOLOGUE)، واختصاصيا في العلاج بواسطة الترفيه أو العلاج بواسطة الفنون، ومساعدات اجتماعيات أو مساعدين اجتماعيين، وما أقل المؤسسات التي تتوفر، في الواقع، على إحدى هذه الفئات المهنية، فما بالك بمجموع هذه الفئات. هنا نسجل إغفال التقرير لشعبتي علم النفس بكل من كليتي الآداب ظهر المهراز فاس وأكدال بالرباط والتي مازالت النظرة المغلوطة اتجاه هاته الشعبة والتصاقها بالفلسفة فمنذ سنة 2008 استقلت عن شعبتي علم الاجتماع والفلسفة العامة فلا أحد يطل على مايدرس بها من معارف ومهارات من شأنها أن ترفع من عدد المتخصصين في المجال النفسي فخريجي هذه الشعبة ما زالوا لهم باب واحد على المستوى المهني وهي مباراة الولوج إلى المدرسة العليا للأساتذة أو ما أصبح يسمى بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين في حين أن هؤلاء الخرجين خصوصا علم النفس عدد منهم ليس لهم آليات ومعارف كافية في الفلسفة ببساطة لأنهم لا يدرسوها في مدرجات الجامعة وأن كل ما يتعلمونه هو عن طريق التعلم الذاتي والذي يسمح به الحرم الجامعي، وأن كل ما يدرسونه هو فقط وحدة في السنة الأولى، في حين يدرسون الطلبة على مدى سنوات الإجازة وحدات تتعلق مثلا من شأنها أن تأهل طالب علم النفس من التعامل مع المريض العقلي والنفسي خصوصا الاستماع والمواكبة ....من قبيل العلاج المعرفي والسلوكي، التحليل النفسي... وأن عددا من الطلبة كذلك يقضون مدة مهمة من التدريب مثلا بمستشفى الأمراض العقلية والنفسية ابن الحسن بفاس، كذلك ممكن خلق ماستر متخصص في علم النفس المرضي والعيادي... فهذا الإجراء من شأنه أن يوفر موارد بشرية مهمة للتصدي للعدد المتزايد من الأمراض العقلية والنفسية، ويكون التكوين يتماشى مع المهنة الممارسة تماشيا مع شعار “الرجل المناسب في المكان المناسب”. كما خلص التقرير إلى تدابير ينبغي اتخاذها باستعجال: * التخلي رسميا وإداريا عن إحداث المستشفيات الجهوية السبعة التي كانت مبرمجة، مع تخصيص الميزانية، التي كانت مرصودة لبنائها وتجهيزها والموارد البشرية التي كان من المتوقع أن تؤطرها، للمؤسسات العمومية للطب النفسي الموجودة حسب حاجياتها. * حل مشكل جناح النساء بمستشفى تطوان، والذي يمس بكرامة وحرمة نزيلاته، ووقف مسلسل تدهور هذه البنية. * تشكيل لجنة مختلطة خاصة لدراسة حالة مستشفى برشيد في كافة أبعادها وتفعيل عملية ترميم هذه المعلمة التاريخية ورد الاعتبار إليها. * ترميم البنيات الموجودة التي تعرف حالة من التدهور الجلي أو الانهيار الوشيك(مكناس، آسفي، خريبكة). * وفي انتظار تبني سياسة للصحة العقلية، وضع معايير دنيا لعمليات البناء والترميم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذا النوع من البنيات. إن رصد واقع الصحة العقلية والنفسية في المغرب عمل ومجهود لايمكن إلا تتمينه والتعريف به، لكن يبقى تفعل تلك التوصيات والملاحظات يجب أن يكون لتفعيلها محدودية في الزمن للأنة حسب التقرير الأمر يستدعي الاستعجال في التدخل للأنة هو العمل المكمل للتشخيص والرفع من جودة خدمات الصحة العقلية والنفسية ببلادنا . فلا يمكن المراهنة على العنصر البشري في كل تنمية بأفراد مختليين عقليا ومرضى نفسانيا.