رسم تقرير أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول الصحة العقلية وحقوق الإنسان في المغرب، صورة قاتمة عن وضعية المؤسسات العمومية للطب النفسي، التي يعيش نزلاؤها في ظروف غير إنسانية. وشبهت جميلة السيوري، رئيسة لجنة إنجاز التقرير حول «وضعية السجون»، الذي سيتم نشره في الأيام القليلة المقبلة، حالة مؤسسات الطب النفسي بالمغرب بنفس الوضعية «المزرية» داخل المؤسسات السجنية، حيث يصل عدد المرضى النفسانيين داخل سجون المملكة إلى 2296 نزيلا، وهو الأمر الذي سيتم تضمينه ضمن تقرير المجلس حول وضعية «السجون». وأوضح التقرير، الذي جرى تقديمه في ندوة صحفية عقدت أول أمس بمقر المجلس في الرباط، أن أغلب مؤسسات الصحة العقلية بالمغرب تعاني من خصاص وخراب على مستوى التجهيزات، حيث لا تتوفر جل تلك المؤسسات على سيارات إسعاف، والأسرة والأغطية في حالة سيئة في معظم المؤسسات، أما المعازل فتوجد في وضعية لا إنسانية ومفتقرة إلى شروط السلامة، فيما تعرف المرافق الصحية في أغلب المؤسسات التي تمت زيارتها حالة خراب متقدمة. وسجلت اللجنة التي قامت بمهمة استطلاع وتحر همت عشرين مؤسسة استشفائية أن البنيات الاستشفائية مازالت عتيقة وغير ملائمة، حيث ثمة بنيات معطلة رغم أنها حديثة البناء والتجهيز، في بعض المدن مثل تزنيت والناظور والحي المحمدي بالدارالبيضاء، ووجود بنيات متخلى عنها تماما كما هو الشأن بالنسبة لمستشفى برشيد، علاوة على قصور في الصيانة والمحافظة في عدد لا يستهان به من المؤسسات. وأبرز التقرير على مستوى الخدمات قصورا ونقصا في جودتها، كما أن الخدمات الصحية المقدمة تبقى عموما في حدود العلاجات الدنيا والتقليدية تقريبا في معظم المؤسسات، كما أن المؤسسات الاستشفائية لا تتوفر على الأجيال الجديدة من الأدوية، مع تسجيل العديد من الاختلالات في مجال النظافة الصحية، مما يمس بحق المرضى في إيواء لائق يحفظ كرامتهم. وأكد التقرير أن المهمة التي قام بها المجلس كشفت أن السلطات القضائية لا تقوم بدورها في المراقبة على الوجه المطلوب، من حيث تواتر الزيارات ونوعية التقارير المنجزة والتتبع، وأبرزت من جهة أخرى أن الخبرات التي تأمر بها المحاكم غالبا ما يتم إسنادها إلى الطبيب النفساني الوحيد الموجود في المنطقة، والذي يكون قد قام من قبل بمعالجة المعني، مما يؤدي إلى حالة تناف من ناحية أخلاق المهنة. ومن بين الملاحظات التي سجلها التقرير الخصاص الحاد في عدد الأطباء وفي عدد الممرضات والممرضين، حيث يضم القطاع العام 172 طبيبا نفسانيا، و740 ممرضا اختصاصيا في الطب النفسي، فيما يضم القطاع الخاص 131 طبيبا نفسانيا، مشيرا في السياق ذاته إلى أن الطبيبات والأطباء النفسانيين لا يتوزعون بكيفية متكافئة على الجهات والمؤسسات، حيث يوجد 54% منهم في محور الدارالبيضاء-الرباط، فيما لا تتوفر عدد من المؤسسات سوى على طبيب نفساني واحد. ودعا التقرير إلى التخلي رسميا وإداريا عن إحداث المستشفيات الجهوية السبعة التي كانت مبرمجة، وتخصيص الميزانية المرصودة لبنائها وتجهيزها والموارد البشرية التي كان من المتوقع أن تؤطرها، للمؤسسات العمومية لطب النفسي الموجودة حسب حاجياتها، مع ضرورة تغيير القانون المتعلق بالوقاية من الأمراض العقلية وبحماية المرضى المصابين بها، بما ينسجم مع المعايير الدولية، ويتكيف مع الأوضاع الجديدة للصحة العقلية في المغرب. المطالبة بفتح تحقيق في ملف مستشفى الرازي بتطوان أكد تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان ما سبق أن نشرته «المساء» قبل ثلاثة أيام، حول الأوضاع المزرية التي يعيشها مستشفى الرازي للأمراض العقلية بتطوان، والذي لم تمر على تدشينه من طرف الملك محمد السادس سوى تسعة أشهر، حيث تم الكشف عن العديد من العيوب الذي شابت عملية بنائه، التي تفتقد لعدد من المرافق، رغم أن تكلفة بنائه بلغت وفق مصادر رسمية ما يناهز 6،14 ملايين درهم، توزعت بين 10،6 ملايين درهم لإعادة البناء، وأربعة ملايين درهم للتجهيز. وهو غلاف مالي ضخم لا يرقى، حسب مصادرنا، إلى ما يعرفه المستشفى من ثغرات جد مهمة. كما أن هذا المستشفى عرف تنديدا قويا عبر تقرير أصدرته جمعية حقوقية بتطوان وطالبت من خلاله بفتح تحقيق بشأنه، بعدما وقفت، على حد قولها على «مكامن الاختلال والاستخفاف بصحة المواطنين»، مثلما أصدرت ثلاث نقابات في ظرف شهر واحد، أربعة بلاغات وبيانات بعضها استنكاري ضد ما يعرفه مستشفى الأمراض العقلية الذي تم تدشينه مؤخرا من اكتظاظ كبير يفوق طاقته الاستيعابية و»المشاكل العويصة التي يتخبط فيها موظفو المستشفى المذكور»، جراء ما وصفوه ب»سوء التسيير واللامبالاة». تقرير المجلس الوطني أكد كذلك ما نشرته الجريدة حول جناح النساء الذي تم إقصاؤه من إعادة الهيكلة، مما جعله غير صالح لاستقبال مريضات يعانين أمراضا نفسية، وذلك لكون هذا الجناح منعزلا ويصعب الولوج إليه، كما أنه مفتوح أمام أنظار السكان المجاورين للمستشفى، الذين لا يتورعون عن التطفل على المريضات وجعلهن «فرجة» لهم، مما يعتبر انتهاكا خطيرا لحقوق المريضات ويتعارض مع ما جاء به الفصل 28 من القانون الداخلي للمستشفيات، وبالتالي فقد خلص تقرير مجلس الصبار إلى أن معظم هذه المرافق هي عبارة عن أماكن لعزل المرضى أكثر من كونها مستشفيات، ولا تستجيب للحد الأدنى من المعايير ذات الصلة بأخلاقيات المهنة وطب الأمراض العقلية، مضيفا أن أبرز نموذج لهذه المرافق الحاطة بالكرامة الإنسانية، هو جناح النساء بمستشفى الأمراض العقلية بتطوان، إضافة إلى المستشفيات الأخرى، كمستشفى محمد الخامس بأسفي، مولاي إسماعيل بمكناس. وقد علمت «المساء» أن المدير الجهوي للصحة بجهة طنجةتطوان، ومدير المستشفى استقدما، مساء أول أمس، أكثر من 30 سريرا جديدا لإنقاذ الموقف وتكملة الطاقة الإيوائية للمستشفى التي تبلغ 100 سرير.