ربما بات من المسلم به الدور الذي صار يطلع به المجتمع المدني في العديد من المجالات ذات الصلة بالسير العام للدولة والمجتمع، على السواء ، فرغم أن مفهوم المجتمع المدني عندنا مازال ملتبسا إلى حد ما ، من حيث افتقاره إلى الرؤية الإستراتيجية وآليات الاشتغال التي تجعله يحافظ على مسافة من الاستقلالية عن مؤسسات الدولة، إلا أن بوادر النضج بدأت تلوح في الأفق. في المجتمعات المتقدمة ، تحول المجتمع المدني إلى شريك أساسي في التسيير ، حيث تجاوز وضعيته كمجرد قوة اقتراحيه ، وتحول إلى شريك ، وهي الحلقة التي ظلت غائبة عن علاقة المجتمع المدني عندنا، بسلطة القرار، إذ ظل على الدوام متماهيا مع الدولة مترجما لتوجهاتها دون أن يرقى إلى مرتبة القوة الاقتراحية حتى، وهي الوضعية التي عرفت نوعا من التململ مع العشرية الأخيرة . إن أحد أهم الأهداف التي انطوت عليها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، كانت تحرير المجتمع المدني بشكل من الأشكال من وضعية التبعية المطلقة ، نحو وضعية الشريك إلى حد ما ، ثم جاء الدستور الجديد لينص على مأسسة المجتمع المدني من خلق المجلس الأعلى للجمعيات و المجتمع المدني، كما نسجل لأول مرة وجود وزارة للمجتمع المدني ، وهي مؤشرات دالة على المكانة التي أصبح يحتلها هذا المجتمع في معادلة التسيير التشاركي، خاصة مع القطيعة المعلنة بين الشباب والفعل السياسي، ما أهل الجمعيات إلى ملئ الفراغ التنظيمي الذي تركته الأحزاب السياسية نتيجة إكراهات موضوعية وذاتية، أكيد ليست الجمعية بديلا عن الحزب، ولكنه يمكن أن تلعب دورا في المصالحة بين المواطن والمؤسسة ما يمهد الطريق نحو المعالجة مع السياسة عموما . في هذا السياق، تطرح إشكالية الحكامة، باعتبارها مقاربة نظرية لخلق ثقافة جديدة في التسيير القائم على مبادئ الشفافية و القرب والتشاركية … وهمها كانت هذه المبادئ مثالية في منطاقاتها ، إلا أنها لن تبرح السياق النظري ما لم تم إشراك المجتمع المدني ف تنفيذها ، باعتباره قناة التواصل الأساسية بين المؤسسة أي مؤسسة والمجتمع ، فالتسيير التشاركي الذي هو عصب الحكامة، لا يعني أكثر من إشراك المجتمع المدني في كل المقاربات والاستراتيجيات خاصة منها ذات البعد التنموي، بمستوياته المتعددة، والإشراك بهذا المعنى يفيد القرب أولا، والشفافية ثانيا، ما يحقق هدفا ضمنيا هو تحول المجتمع المدني نحو ممارسة نوع من الرقابة على المؤسسة العامة، ما يقلص من إمكانيات الفساد في أفق محاربته إن استثمار الإمكانات والطاقات الهائلة التي يزخر بها المجتمع المدني، إن على مستوى التأطير أو التنظيم أو الاقتراح، لهو وحده الكفيل بتحقيق وخلق ثقافة جديدة في التسيير جوهرها الشفافية واقتصام السلطة والمقاربة التشاركية بما هي آليات لتفعيل الحكامة الرشيدة.