الاديب والقاص المغربي إدريس الواغيش أدارت مفتاح باب الشقة ، ثم دخلت....حركت مقلتيها في جمجمة رأسها ثم جالت بنظراتها المشتتة في أركان البيت ، كان ضوء خافت يشق طريقه إليها في الظلام ، كأنه قادم لتوه من زمن بعيد لم تعشه بعد . رمت بجلابيتها على السرير فتذكرته. ألقت نظرة خاطفة على المرآة ، تمثل لها بجبينه المقطب وشارب خشن كثيرا ما أدمى شفتيها النديتين ، وغاب تتبعه خطاه المتناغمة وصوته المرعب. - أكرهك ...أمقتك...نعم أخونك ...لا بد أني يوما قاتلك...(هذا كل ما تتذكره الآن...) - القتل بالقتل ، والبادئ أظلم...(لكنني على العكس... كنت أحبه ، لم أقتله ، هو من قتل نفسه....رددت بينها وبين نفسها). تسمرت للحظات هائمة ثم.... ، ابتسمت / تذكرت / تشنجت ، أطلقت عليه عدة رصاصات في الرأس ، تصاعد دخان كثيف في الممر ، سمعت قهقهات تنحدر في السلالم . ولتشفي غليلها أكثر ، تبعته وأتبعته بطلقات أخرى في الظهر. تكسرت المرآة المثبتة أمامها وتطاير الزجاج من حولها ، تراجعت مذعورة في خطوة إلى الوراء ، أصابها ذهول وهي تسمع دويا قويا استيقظ معه سكان العمارة ، أحست أنها فقدت شيئا مهما من جسدها ، كان رأسها قد انفجر! . تطايرت إلى مسامعها صرخات واستغاثة ، رجعت لتطلق عليه رصاصات (الرحمة) ، حملقت في المرآة ، لم يكن أمامها غير جسدها العاري ، وفي المشهد الخلفي ولدان مذعوران . أجهزت على ما تبقى من زجاج في المرآة ، ومسحت دمعة صافية من فوق خدها ، كادت تعري صلابة شخصيتها وقوة المرأة الساكنة فيها. أعادت ولديها لسريرهما برفق الأمومة ، التفتت إلى صدرها النافر ، تحسست نهديها ، تذكرت يداه الخشنتان تمران فقهما بلا إحساس ، نزعتهما بعنف من جسدها ورمتهما في انفعال من الطابق العلوي .كانت (عشتار) تراقب من بعيد ، حاولت جاهدة أن تنقذ ما تبقى من رمز خصوبتها ، لكن إصرارها كان أقوى من إرادتها ، ارتطما بقوة مع الإسفلت ، أطل الجيران مذعورين برؤوسهم من النوافذ ، تذكروا أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تسوية جديدة لملف قديم ، فسحبوها بالسرعة التي أخرجوها بها.