في رواية ” الطبل ” ذائعة الصيت لصاحبها غانتوغراس ،يجري الزمن بانتظام بالنسبة للجميع ماعدا الشخصية المركزية ماتنزيرات ،الطفل حامل الطبل و صاحب الصوت الزاعق الذي قرر ألا يكبر و أن يحطم الزمن ، و سينجح في هذا ،إذ سيتوقف فعلا عن النمو و يعيش نوعا من الخلود محاطا بعالم خاضع للتلاشي الحتمي المفروض من الإله كرونوس ( الزمن الكرونولوجي ) سيشيخ و يتفكك الكل إلا هو. بعد انتهائي من قراءة رواية ” الطبل ” خطرت بذهني فكرة تتعلق بوضعية التلفزة المغربية التي رفضت التغير كما هو الحال بالنسبة لبطل الرواية ، فكل شيء تحول في المشهد الإعلامي العالمي ، رأينا ظهور البارابول و تنوع الفضائيات ، لكن تلفزتنا ظلت خارج هذه التحولات و تمسكت بالقول المأثور ” من شب على شيء شاب عليه “. لازال المشاهد يسمع خطب و عبارات مصطفى العلوي ،كأن الأمر يتعلق بزمن السبعينات من القرن الماضي ،كلام لم يعد ملائما لمغرب الدستور الجديد ، يهدف إلى تحقيق حكامة جيدة على حد تعبير حكومة بن كيران . لقد تعب المشاهد من هذه البرامج البئيسة و الأخبار الرديئة ، التي تفرض قسرا على المغاربة كوسيلة من وسائل التعذيب و نزع الاعتراف كما قال الفنان الساخر أحمد السنوسي. في حديث مع صديق لي قلت له : قد تتغير أشياء كثيرة في المغرب إلا شيء واحد سيظل خارج عملية التحول ، قال لي ما هو ؟ قلت له : التلفزة المغربية. فتساءل كيف ذلك، أجبته : إن الماسكين بزمام الأمور يدركون جيدا النتائج المترتبة عن عملية إصلاح التلفزة ، لذلك يقفون في وجه أي محاولة لإصلاح إدارة البريهي و شقيقتها بعين السبع. فهم يعتقدون أن إصلاح الإعلام سيحرم المشاهدين من برامج من مثل ” مدام مسافرة” و ” الخيط الأبيض ” و مسلسلات تركية و مكسيكية مدبلجة لتضبيع الشعب وتكريس الجهل و الأمية. فلماذا لا يفكرون – مثلا – في تقديم برامج مثل ” الديمقراطية مسافرة ” و أن يعوضوا برنامج أخطر المجرمين ببرنامج ” أخطر الناهبين للمال العام “. لقد ظل المغاربة يطالبون بإصلاح التلفزة المغربية لتعبر عن تطلعاتهم للحرية و الديمقراطية ، لكن لأصحاب القرار رأيا آخر، لكن تلفزتنا لم تدخل بعد عصر التنوير فهي تشتغل بعقلية تنتمي لزمن متوقف ، فمتى سيتم إطلاق سراح تلفزتنتا لتواكب التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي؟ إنها مسئولية تتحملها وزارة الاتصال ، و لم يعد مقبولا تعذيب المغاربة و احتقارهم ببرامج تافهة و أخبار بالية ،لقد انتهى زمن الخطابات العقيمة فلم يعد مستساغا الاستماع إلى الخزعبلات في زمن الفضائيات و الإنترنيت. إذا نجحت حكومة بن كيران في إصلاح التلفزة فستكون بذلك قد مارست جزءا من صلاحياتها، أما إذا عجزت عن ذلك فمصيرها لن يختلف عن مصير حكومة التناوب التي فشلت في فك الارتباط بين الداخلية و الإعلام.