تحدث في المغرب أشياء عجيبة، من يدافع عن حقوق الناس يدخل السجن و من يخرب البلاد بحصانة تقيه شر المتابعة و الملاحقة.هذا بالضبط ما حدث للصحفي رشيد نيني الذي سخر قلمه لفضح الفساد فوجد نفسه في السجن.ما ذا يعني هذا بالنسبة للدستور الجديد؟ هل تخشى دولة تدعي الديمقراطية صوت صحفي إلى هذه الدرجة؟ أعتقد أن ما يقع في المغرب لا يبشر بنهاية مسلسل المضايقات و الاعتقالات. لقد كتب رشيد نيني عن الفساد المستثري في البلاد و عبر عن رأيه في قضايا سياسية واجتماعية، لكن حراس الفساد انزعجوا من مقالاته فأخرسوا لسانه و أوقفوا قلمه. في كتابه الذي يحمل عنوان “قراصنة و أباطرة” يروي تشومسكي عن القديس أغسطس قصة محاكمة الإسكندر الكبير للقرصان الذي وقع في الأسر، و الذي سأله الإسكندر عن إزعاجه للبحر قائلا: “كيف تجرؤ على إزعاج العالم بأسره؟ فأجاب القرصان:” لأني أفعل ذلك بسفينة صغيرة، أدعى لصا، و أنت الذي تفعل ذلك بأسطول ضخم تدعى إمبراطورا”،وانطلاقا من هذه القصة التي تلقي الضوء على المعنى الحقيقي للمعتدي على حقوق الناس الذي يمارس الاستكبار و الاستغلال. تسلم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي قيادة سفينة التناوب في أول تجربة للمعارضة في الحكم فاصطدم بعوائق كثيرة و حاول في البداية إزاحتها لكن قوى الممانعة الرافضة للتغيير وقفت ضد أي محاولة للإصلاح. هكذا فإن بنية الفساد شائكة يتداخل فيها الاقتصادي و السياسي و الأمني و من تم يصعب تفكيكها فأصبحت تشكل خطوطا حمراء يصعب تجاوزها. هذه إذن هي طبيعة السياسة المتبعة في بلدنا، من ينخرط في الفساد يضمن لنفسه حماية من طرف المفسدين الكبار أما الذي يفضح الفساد و يحاربه يتعرض للمضايقة والمتابعة ليجد نفسه وراء القضبان. اليوم و بعد أن تسلم حزب العدالة و التنمية قيادة الحكومة لازال الإعلام العمومي مستمرا في عملية تضبيع المشاهدين من خلال برامج تافهة و مسلسلات رديئة تغلق أبواب التفكير و تسدل حجاب الجهالة لتستمر بذلك وضعية الوصاية و التحجر. فلا ديمقراطية بدون إعلام حر يعبر عن طموحات الشعب المغربي و يعكس آماله وأحلامه في الحرية و العيش الكريم، و ينخرط في دينامية التغيير التي شهدتها المنطقة العربية. إلا أن منطق الاستبداد يرفض كل إمكانية لخلق إعلام في مستوى تطلعات المغاربة. إن الحكومة اليوم مطالبة بإصلاح قنوات الإعلام العمومي التي قضت سنوات طويلة تحت وصاية وزارة الداخلية، على وزير الاتصال أن يحرر هذه القنوات و يخلصها من القبضة الأمنية لتصبح فضاء للحوار و النقاش بين المغاربة. على الدولة أن تقطع مع الممارسات القديمة، وعوض أن تسجن الصحفيين الفاضحين للفساد يجب ان تقدم الفاسدين للمحاكمة لأن هؤلاء هم الذين يهددون أمن البلاد ويدفعون بالأوضاع إلى الانفجار. لقد تعرضت جل الصناديق للنهب و أفلست مؤسسات وتدخلت الدولة لإنقاذها من أموال الشعب،لكن المتلاعبين بمصير الوطن يشعرون باطمئنان لأنهم يتوفرون على حماية تجنبهم السقوط في شباك العدالة. صعب جدا أن يصمت من له ضمير حي على كل ما يقع في مغربنا.. أناس يتصرفون في أموال الشعب من دون محاسبة أو مراقبة و عندما يحتج الشعب على ذلك و يخرج إلى الشارع متظاهرا و مستنكرا ينعتونه بالمشاغب. أن يوجد الفساد في بلدنا فهذا أمر طبيعي، لكن أن تكون له قوة تحميه و تدافع عنه فهذا أمر آخر يجعلنا نتساءل هل فعلا نحن في مغرب ديمقراطي؟