كانت هناك ثلاثة مواقف عربية مهمة في الاجتماع الوزاري العربي الخاص بالملف السوري، وهي امتناع العراق عن التصويت على القرار، وتصويت كل من لبنان واليمن ضده، ولكل موقف بالطبع دلالات تستحق التأمل. بالنسبة للموقف اليمني، فالأمر واضح، لأن النظام نفسه في عين العاصفة، ومرفوض من شعبه، والمجتمع الدولي. وبالتالي، فمن الطبيعي أن يقف إلى صف الأسد في معركة البقاء بالسلطة. وهذا الأمر يجب أن لا يكون مدعاة للاستغراب بقدر ما أنه تذكير بخطورة بقاء مثل هذه الأنظمة بيننا. أما لبنانيا، فالمسألة أكثر من كونها تبعية لإيران، وعملائها، سواء حزب الله أو النظام الأسدي، وإن كان معلوما أن الحكومة اللبنانية الحالية هي حكومة المثلث الإيراني السوري وحزب الله، لكن تصويت لبنان ضد القرارات العربية الخاصة بسوريا يعد مؤشرا على انحدار مستوى اللعبة السياسية في بيروت، بل وفيه تذاك واضح من قبل الحكومة اللبنانية، واستخفاف بالدول العربية كافة، وإلا كيف نفهم أن يمتنع لبنان عن التصويت ضد سوريا في مجلس الأمن، علما بأن الصين وموسكو كانتا قد استخدمتا الفيتو ضد قرار يدين النظام الأسدي، بينما يصوت لبنان ضد القرار العربي؟ كان بإمكان لبنان الامتناع عن التصويت، مثل ما فعل في مجلس الأمن، وبذلك يسجل احتراما للدماء السورية، وتقديرا للمنظومة العربية الجادة التي وقفت مع لبنان سواء ضد إسرائيل، أو إيران وعميلها حزب الله. وتستطيع الحكومة اللبنانية حينها أن تقول إنها راعت موقعها الجغرافي، وغيره من الأعذار الواهية. فالواضح الآن أن الحكومة اللبنانية كانت تخشى المجتمع الدولي حين امتنعت عن التصويت في الأممالمتحدة، بينما لم تكترث بدماء السوريين، كما لم تقم وزنا للعرب يوم صوتت ضد قرارهم لحماية السوريين. والموقف اللبناني ما هو إلا تذاك مفضوح، هو أقرب إلى الاستخفاف، ومن باب «حبة خشم» غدا تنهي الموضوع! عراقيا، يجب أن ينظر للموقف العراقي على أنه تطور.. نعم تطور، ويجب أن يكون الشكر والثناء فيه للأكراد، فالموقف الكردي هو الذي ألجم حكومة المالكي عن التصويت ضد القرار العربي والاكتفاء بالامتناع عن التصويت. ومن يتأمل مواقف المحسوبين على أصدقاء إيران في العراق، سيلمس حجم الهجمة الشرسة التي يشنونها على الجامعة العربية. فالواضح أن حلفاء إيران، خصوصا المؤثرين في الحكومة العراقية، قد أجبروا على الامتناع عن التصويت بسبب الموقف الكردي المتعقل. وهذا الأمر بحد ذاته يعد تطورا إيجابيا، ودليلا على أهمية الانفتاح العربي على أكراد العراق، خصوصا أنهم إلى الآن يقدمون مواقف عقلانية تساهم في الحفاظ على وحدة العراق وسلامته، وهم أكثر حرصا على العراق من آخرين يلتحفون بإيران ويسبحون بحمدها، وإن كان على حساب وحدة ومصالح العراق. ويكفي تأمل موقف حكومة المالكي من ملاحقتها لمن تسميهم البعثيين في العراق، بينما تدعم الحكومة العراقية نفسها بعثيي سوريا!