تقديم : التسونامي السياسي الذي يكتسح الساحة العربية من المحيط إلى الخليج يؤسس لواقع جهوي وكوني جديد ، مما يقتضي التعامل مع المستجدات من خلال مرتكز الجواب الملائم عن السؤال الملائم . رافع المسلسل تمثل في غضب الشارع الذي أسقط رئيسي دولتين عربيتين نموذجيتين ، من حيث اندماجهما في التوجهات الدولية المعاصرة ، ولازال يؤسس لتهديد باقي عناصر المنظومة الرسمية العربية على الأقل. إنه زلزال مفاجئ أفرز قانونا تاريخيا مفاده أن مصير الأجهزة الحاكمة المتشبثة بوصفات الماضي هو التشطيب من القاموس السياسي إما آجلا أوالى حين . إن الشارع العربي أصبح يتجاوز إلى حد كبير الكثير من خيوط اللعبة السياسية القديمة القائمة على إقصاء الجماهير. من هنا يتضح أن مصلحة كافة الفرقاء ، وعلى رأسها الدوائر التقدمية ، تنطلق أساسا من الإدراك العميق للبنى المتحكمة في تطلعات الفئة الشابة على الخصوص ، دون إقصاء الفئة المتقدمة سنا، الشابة آمالا . وهذا يقتضي وضع المستجدات ضمن السياقات العامة والخاصة ، والقديمة والجديدة ، باعتبارها مدخلا للبحث عن ميكانيزمات بلوغ الأهداف المنشودة . وحيث إن المغرب يمر من مرحلة انتقالية حسب جل الفرقاء ، فإن هذا الوضع يستلزم إبراز جدوى منظوره الجديد المتضمن في جوابه عن الأسئلة المطروحة . 1 الحمولة الجديدة للغضب العربي : بتزامن مع قرب فصل السودان عن جنوبه نتيجة التدخل الخارجي الذي طبع النزاع بصبغة دينية، انطلقت في أواخر 2010 حركة احتجاجية من مخيمات " تندوف " ، ثم من مخيم"أكديم إيزيك" بالصحراء المغربية. وبعد اندلاع شرارة الغضب بتونس وامتداد طوفانها إلى مصر ، ثم الجزائر والأردن، واليمن والبحرين وعمان ، والمغرب في ظرف متقارب ، وانتقال عدواها إلى باقي البلدان العربية لاحقا . تأسيسا على مطالب تجمع بين الخطين الاجتماعي أولا ، والديمقراطي ثانيا تمت الإطاحة يومي 14 يناير ،و11 فبراير 2011 بتونس ومصر بالرئيسين ابن علي ومبارك . في هذا السياق انضافت للبلدان الغنية بثرواتها النفطية مبررات أخرى عمقتها الأنظمة المحلية من خلال استثمار البعدين القبلي والمذهبي لإضفاء المشروعية على القمع. وقد أدركت الفئة المظلومة الأهداف المبيتة مما اضطرها إلى توحيد الشعارات المرفوعة لالتئام اللحمة الاجتماعية من خلال التمركز على الإصلاحات السياسية الجوهرية التي تعتبر المدخل الرئيس لباقي المطالب. و انتهى الوضع المأساوي ببعض البلدان إلى درجة المواجهة المسلحة كما يجري حاليا في ليبيا ، والذي انتهى إلى التدخل الأجنبي نتيجة الوضع الشاذ . ومما يثير الاستغراب ، تحول المشهد السياسي العربي في وقت وجيز لا يتجاوز بضعة أسابيع من وضع هادئ ظاهريا استغرق عدة سنوات إلى وضع قلب المعادلات ، إذ أصبح يتوخى التغيير الجذري. وهذا أمر ممكن ، إذا أتيحت له الظروف المساعدة، و يمكن أن تحوله الالتفافات إلى مجرد صيحة في واد ، إن لم يؤد إلى واقع أسوأ تقسيم جغرافي . وعلى هذا، يبدو جليا أن الاستشراف المستقبلي لغضب الشارع العربي يتسم لحد الآن بالغموض ، ففي ليبيا نجد العقيد القذافي استند على مرتزقة لاستعادة سلطته الفاقدة للشرعية، مما فتح المجال للتدخل الأجنبي بعد أن طلب أبناء ليبيا أنفسهم توفير منطقة حظر جوي تحت غطاء الجامعة العربية نتيجة التصرف الهيستيري للقذافي ، مما فتح المجال لاستغلال ورقة حماية المدنيين بامتياز. وباليمن يستفيد علي صالح لحد الآن من كونه يحمي أمريكا ولواحقها من الإرهاب ، وفي البحرين تم تحوير جذري للمطالب بدعوى مواجهة المد الإيراني بسبب الوجود الشيعي ، وهي ورقة تستثمر لحماية التمركز الأمريكي ، وحماية النظام المحلي ، مما جعل بعض البلدان المتوجسة من المظاهرات كالسعودية والكويت والإمارات وقطر تبادر إلى التدخل في المشاكل الداخلية لبلد مجاور تحت غطاء الدرع الخليجي ، علما أن قطر تناصر الثوار الليبيين لإسكات جماهيرها بدعوى مناصرة التوجه الديمقراطي ، وفي نفس الوقت ترضي الهيمنة الأمريكية بتدخلها لتغض الطرف عنها إذا مارست قمع الغضبة الجماهيرية، وهذا يبرز ازدواجية المواقف . وبالمغرب العربي تكتفي الجزائر بإعلانها رفع حالة الطوارئ التي دامت عقدين ، في حين نجد المغرب يفتح ورش إصلاحات دستورية لازالت حركة 20 فبراير تريد الدفع بها إلى ما يحقق مزيدا من التشارك المجتمعي . وعلى كل فغضب الشارع المشروع ، والمتولد من نار مزمنة تحت الرماد قد برز إلى السطح بفعل أربعة عوامل وفق علم النفس الثوري: الظلم الوعي الشجاعة الاستعداد للتضحية. وعموما ، فالغضبة الجماهيرية اصطبغت ببعدين بارزين :فمن جهة تجاوزت المطالب سقف التنديد بالفساد ، وتحولت إلى مواجهة من أجل التغيير الجذري ، ومن جهة أخرى سقطت الرؤوس الكبيرة نتيجة عدم قدرتها على التكيف مع المستجدات نتيجة عدم فهمها طبيعة التحول . . ومما يثير الاستغراب هو نهاية صلاحية من كان يعتبر نموذجا لحماية مصالح الدول المستعمرة ، باعتبار أن معظم دول العالم العربي لازالت تحت أسر استعمار مقنع ، وبالتالي أقصي من كان يروج له بأنه استطاع التأقلم مع النظام العالمي الجديد ، ولذا كانت بعض الشعارات المرفوعة في مصر تعلن الرفض التام للتبعية وتراهن على مكسب الكرامة، مما يؤكد أن التحرك الجماهيري لا ينحصر في المطالب الخبزية فحسب. والحقيقة أن ما يثير الاستغراب هو أن ماجريات المرحلة الانتقالية محفوفة بمخاطر المواجهة المعاكسة التي تريد الالتفاف على ركائز المواطنة الحقة . وبناء على ما ورد في تدخل الوزير الأول التونسي " باجي القاضي السبسي "مباشرة بعد تسلمه مهامه في أوائل مارس 2011 أن القطيعة مع الماضي تظل صعبة ،إدراكا منه لتداخل المحلي والخارجي في اللعبة السياسية . بإيجاز أكدت الأحداث الجارية ابتداء من أواخر 2010 بالوطن العربي أن قوة الشعب لا تقهر عندما تكسر حاجز الخوف الذي تصنعه التربية القمعية . إلا أن بناء نظام جذري يضمن مشاركة الشعب في حكم نفسه بنفسه و لنفسه تطرح علامات استفهام كبرى بسبب التقزيم الممارس على النخب السياسية الوازنة القادرة على تحقيق التغيير الكفيل بتحقيق المكاسب للجميع دون إقصاء أي طرف فاعل في حركة البناء الحداثي . لهذا ينبغي التخلص من الفيض العاطفي المؤدي إلى الخلط بين المستبد والاستبداد ، ومن هنا بات من اللازم التذكير بأن الثورات التاريخية السابقة التي أطاحت بالنظامين الملكي في فرنسا ، والقيصري بروسيا ، تطلب التغيير فيها عشرات السنين ، إن لم نقل أكثر من قرن ، في حين أن الثورات العربية الحالية رفعت شعاراتها في ظرف وجيز ، وانتقلت فيها الشرارة من المحيط إلى الخليج . وهذا أمر رغم أهميته قد يقوض أهداف التغيير إذا لم يكن هناك تسلح بالوعي العميق ، وتقدير أن المعركة تواجه من قبل من يرغب في إبقاء دار لقمان على حالها داخليا ،والانتباه للدسائس الخارجية الرامية إلى المحافظة على المكاسب السابقة. والواقع أن التحليلات أبانت أن الموقف الخارجي يتأرجح بين بعدين : إما إبقاء جوهر النظام المحقق للمصالح بامتياز رغم شعارات الديمقراطية الكاذبة ، وإما الجمع بين الإصلاح الداخلي دون إسقاط البراغماتية على صعيد السياسة الخارجية . ولاشك أن إجابة غضبة الشارع عن مثل هذه الرهانات يمكن إدراك نتائجها من خلال ما ستسفر عنه التطورات المقبلة ،علما أن الهاجس عند الكثيرين من حاملي شعارات التغيير يتمثل في جني ثمار خيالية دون احتساب لإمكانات البلد المحدودة . ومما ينبغي الإشارة إليه أن الوضع بالعالم العربي فاجأ المنتظم الدولي لأن الأخبار كان يعتمد فيها على التقارير التي تقدمها له الأنظمة الوصية ، وهذه الوضعية المفاجئة يزكيها التباين الحاصل بين الدول الكبرى ،فموقف فرنسا تراوح بين مساندة بنعلي حتى ليلة هروبه ، والاعتراف بتمثيلية فئة مجهولة الهوية لدى الشعب الليبي لحظة استرجاع معمر القذافي لجزء من نفوذه .أما الإدارة الأمريكية فقد حاولت التوفيق بين ادعائها احترام الشعوب ، والالتزام بالدفاع عن مصالحها الإستراتيجية إلى درجة تفقدها المصداقية .وعلى صعيد آخر صادق مجلس الأمن على توصية نسمح بفرض الحظر الجوي على ليبيا تحت ذريعة حماية المدنيين ، في الوقت الذي يستمر فيه الرئيس الايفواري المرفوض في قمع شعبه رغم نتائج صناديق الاقتراع . ومما يؤكد هذا التضارب بين الدول الوازنة نفسها امتناع كل من روسيا والصين وألمانيا عن التصويت ضد ليبيا .وهذا الخلط في الأوراق / التوجهات لا يفسر إلا بتضارب المصالح في المقام الأول رغم ما يروج له الإعلام المؤدلج للجماهير. أما النقطة الأخرى الجديرة بالذكر ، فتظهر من خلال ما أسفرت عنه القنوات الرسمية التي تعتمد أساسا على التضليل والتبعية لسلطة الحاكم مما دفعها إلى التقليل من حجم المشاركين في الاحتجاجات ، وبعضها الآخر ساهم في التحريض الذي قد يدفع المحلل الموضوعي إلى اعتباره خروجا عن الحياد الصحافي المفترض . كما تبين أن للجيش دورا حاسما في عملية التغيير من خلال النموذج المصري الذي التجأ إلى الحياد أولا ، ثم تزعم المرحلة الانتقالية ثانيا .ولقد كان من نتائج هذا الدور المزدوج قطع الطريق على بعض رموز النظام العالمي مثل محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية . وبدا أيضا إدراك الجماهير المصرية لخيوط الالتفاف ، ولذا تم اللجوء إلى مزيد من الاعتصام للحفاظ على مكاسب الثورة وانتزاع المزيد من الحقوق . لقد أبانت الحركات الاحتجاجية في العالم العربي عن أهميتها لحد الآن ، رغم ضرورة المزيد من الحذر للوصول الى البناء الديمقراطي الحقيقي الذي يمكن المجتمع من التسلح العلمي المنشود للإسهام في المشروع الحضاري الكوني ، وإزالة الاستعمار المقنع . و أبانت هذه الانتفاضات عن دور أجهزة الاتصال الحديثة في قاطرة التغيير مثل "الفايسبوك". واتضحت لعبة تجار الانتفاضات الذين يميلون حيث مالت الرياح . والمهم تجلى خطر التدخل الخارجي غير المكشوف والذي يرغب في أدلجة المعركة لصالحه . إن توظيف "غضبة الشارع" أو "الانتفاضات" أو "الاحتجاجات" عوض كلمة "ثورة" لا يرمي إلى الانتقاص ، وإنما يتوخى أساسا حمايتها من الالتفافات حتى تتحقق النتائج المتوخاة وتصبح بالفعل ثورات بانية لأنظمة يشارك فيها الشعب بكل أطيافه بامتياز دون تشرذم /انشقاق، باعتبار أن مصلحة الوطن تقتضي الاستفادة من كل الجهود ، ومن هنا يتضح أن استعمال كلمة "ثورة " يتطلب جملة من الشروط الموضوعية. وهذا يبرز مدى ضرورة تأسيس الاستراتيجيات الموصلة إلى شاطئ النجاة وفق خصوصيات كل بلد. 2 من أجل استئصال الداء : تنطوي حمولة غضبة الشارع العربية على احتمال التخلص من بعض رموز الفساد ، إلا أن ما يقتضيه الحد من الطغيان يتمثل في الشفاء/التخلص مما يفقد السياسة دورها في المحافظة على التوازنات الكبرى . ومن خلال ما تبرزه علامات الاستفهام المثارة بعد زعزعة الأنظمة العربية حاليا يظهر أن ما تصبو إليه الشعوب لا يتحقق من خلال المسكنات ، بل إن الواقع يحتم وضع الدواء الضروري لاستئصال الداء السرطاني . وهذا ما يجعل من التشخيص الموثوق في صحته للمرحلة الراهنة أداة للتمكن من التعاطي مع المستجدات . ليس هناك في الحقيقة ما يفاجئ في تلاشي الأنظمة السياسية العربية ،وذلك بسبب اكتفائها بالانسياق الأعمى مع نظام عالمي قواعده تسوق لا محالة إلى التأزم . وبهذا يتضح أنها تحشر نفسها في هشاشة تؤدي بها إلى انتهاء مدة صلاحيتها عندما تصبح عاجزة عن القيام بالأدوار التي تراهن عليها دول صناع القرار النافذ على حساب مصالح شعوبها . ومما لاشك فيه أن ركون الحكام لهذا الوضع سيؤدي بهم في النهاية إلى الاضمحلال لأن التاريخ لا يقبل إلا الصحيح ، وهذا ما أكده الدرس التاريخي قبل تنحية بنعلي ومبارك مع بوكاسا وموبوتو والشاه وسوهارتو . إن ما يجري بالعالم العربي الذي يؤدي ضريبة التبعية اليوم يستوجب في هذه الظرفية / مستهل القرن الواحد والعشرين الجواب الملائم على سؤال العصر الذي لا يسمح بزيف المناورات والذي سيؤدي إلى اهتزازات جهويا وكونيا . فمن المعروف ابتداء من خريف 2008 أن البشرية جمعاء تعيش على إيقاع خطرين بارزين : الأول يجسده إفلاس المقاولات المصرفية التي عولجت في أمريكا نفسها على حساب المستضعفين دون التمكن من الحد من الركود الاقتصادي ، فبالأحرى دول الهشاشة الاجتماعية . الثاني يتجلى في ارتفاع وتيرة انتقام الطبيعة الذي لم تتم الاستجابة إلى حتمياته وفق مشروع التعاون الدولي المنبثق عن القمة المنعقدة في دجنبر 2009 بمدينة "كوبنهاكن "هذان الخطران يتزامنان مع ارتفاع المطالب التي يروج لها المجتمع الاستهلاكي . كل هذه المؤشرات تؤسس لانفجار القنبلة النووية الاجتماعية التي ستعم معظم أرجاء العالم مستقبلا . ومما لاشك فيه أن التسونامي الذي ضرب اليابان أخيرا ينطوي على تبعات اقتصادية وبيئية واجتماعية ، وبالتالي يتأكد علميا أن البشرية تشكو بالفعل من مرض فتاك يتجاوز حد المسكنات . لا يجوز تماما فصل غضبة الشارع العربي عن ماراطون التأقلم مع النظام العالمي ، والوقوف عند هذا الداء يبرز على الأقل أحد العناصر الأساس الفاعلة في جر الجماهير إلى المبيت في الشوارع . . إن أصل الداء في الحقيقة يتمحور في تربع المال على عرش الأولويات ، إذ أصبح السلطة النافذة ،مما أدى إلى أن تصبح السياسة مجرد تكتيكات سياسوية تشرعن له كل أهدافه ، وبالتالي تحكم في الاقتصاد ، حيث حوله في العمق إلى مجرد ألاعيب شيطانية لاستغلال المنتجين والمستهلكين ، وهكذا أصبح التعامل مع الورم المالي بجملة من الترقيعات لاغير تحت غطاء الحفاظ على التوازنات . لقد كان من نتائج التكالب المالي الانفجاران البيئي والاجتماعي ، والذي تم التنبيه إليهما دون جدوى من خلال قمة الأرض المنعقدة بريو دي جانيرو سنة 1992 ، والذي تمخض عن استراتيجية "تلاؤم البيئة مع التنمية ". بالطبع لم يتم الآن التوافق بين الطبيعة والغرائز البشرية. لقد أبانت محصلات ما بعد 2008 صحة مقولة محدودية المال والقوة والمعرفة في التحكم في البيئة . يتأكد من كل هذا تراجع العقل أمام فعل المجتمع الاستهلاكي ، مما يفتح الباب على مصراعيه للرأسمالية المتوحشة لتعصف بعناصر المنظومة البيئية التي يعتبر الإنسان أحد مكوناتها .ورغم اعتراف الفرقاء بالمخاطر النوعية فان القرار النافذ يظل خاضعا لثقافة العولمة الأحادية السائدة التي تزيد في تعميق الشرخ ، وهذا ينم عن أن الحصاد الحالي ناتج عن الزرع الذي تشارك فيه جملة من الفاعلين بما فيها الفئة الخاضعة للاستغلال نفسها . وعلى كل فرغم أهمية الغضبة الاحتجاجية العربية التي سيمتد تأثيرها إلى معظم مناطق العالم بما فيها الطرف المتحكم في صياغة المشروع المالي ،إلا أنها تظل مجرد رد فعل طبيعي قد تتم بلقنته ليسقط في لعبة المال من جديد ، إذا لم يكن واعيا بالأسباب الحقيقية للظاهرة ، فيتحول إلى مكرس للعبة تحت غطاء مسميات براقة لا تمكن من التغيير الجذري المؤدي إلى بناء أنظمة عربية تتخلص من التوجهات العالمية التي تعطي القيادة لزعامة الرأسمالية المالية والتي يمكن التبشير بنهايتها من الآن . ومن هنا يمكن القول إن استئصال داء العصر يعتبر المدخل الرئيس للتغيير . 3 من أجل توظيف جيد للدواء : بعد إبراز أهمية غضبة الشارع باعتبارها تأسيسا لدينامية جديدة ، فمن باب دعم مناعتها ينبغي الاستفادة حتى من بعض الأجوبة الخاطئة المخطئة الملاحظة والمتوقعة . في هذا السياق ،يجب في البداية توضيح السؤال المطروح الذي يتمحور حول ميكانيزمات ضمان " تلبية الحاجات الآنية دون رهن قدرات الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها " حسب التعريف المتوافق عليه دوليا الوارد في تقرير المنتدى العالمي للبيئة سنة 1987 . اعتبارا للمؤشرات المرصودة فان البشرية تخطئ الهدف المنشود في شقيه الحالي والمستقبلي . فمما لاشك فيه أن الخطأ ينبثق عن تركيبة يساهم فيها جل الفرقاء ، ومن بينهم المواطن العادي عن قصد أو من دون قصد . الخطأ الرئيس يرتكبه المستغلون للأوضاع .فمما لاشك فيه أن التشبث الحالي باستراتيجية الهيمنة المتمثلة في البلقنة ، والعولمة وفق مفهوم الثقافة الأحادية ، والشمولية الاقتصادية / نظام السوق يؤسس لهدم كل المكتسبات ، ولتراجع الرأسمال الطبيعي ، ولارتفاع وتيرة الاحتجاجات، بل يمكن أن يؤدي إلى تمردات عنيفة تقلب المعادلة القائمة . الخطأ الفرعي الأول ، يرتكبه صناع القرار السياسي عامة الذين يتخلون عن اختصاصاتهم المرتبطة بالسهر على احترام الضوابط مقابل امتثالهم المتزايد لمقتضيات نظام السوق . الخطأ الثاني ، يرتكبه حكام البلدان المستضعفة باعتقادهم أن البقاء في مناصبهم يتطلب التجاوب الأعمى مع توصيات النظام الرأسمالي التي ركزت خلال العقود الأخيرة على فتح المجالات التربوية والإعلامية والثقافية لآليات التطبيع مع "النظام العالمي الجديد " سابقا، بالإضافة إلى الحد من سلطة الدولة القطرية . الخطأ الثالث ، يرتكبه خاصة حكام العالم العربي الذين يتعاملون مع المستجدات بمنطق الماضي المتجاوز، من خلال احتكار السلطة بفعل التراجع السياسي من جهة ، وبسط ثقافة التشيئ من جهة أخرى . ومما لاشك فيه أن تنحية ابن علي ومبارك تحققت نتيجة عدم فهمهما لطبيعة التحولات حتى آخر اللحظات . الخطأ الرابع ، ترتكبه الأحزاب السياسية ، وخاصة في الحالتين العربية و المغربية ، بتخليها عن مشاريعها الخاصة مقابل بعض الامتيازات الشخصية الهزيلة وغير المضمونة ،مقابل التسارع إلى التصفيق للحاكم متخلية عن واجباتها الوطنية . الخطأ الخامس ، النابع من الخلل السابق الذي يتحمله المرشح للانتخابات عندما يلجأ إلى الوعود الكاذبة من خلال ترويج تحقيق الكماليات للمواطن ، في حين أنه غير قادر على تلبية الضروريات . الخطأ السادس ، وليس الأخير ، يرتكبه المواطن العادي نفسه الذي يذعن للامبالاة في التعامل الديمقراطي من جهة ، ويتخلى عن مراقبة المنتخببن من جهة أخرى . وبهذا السلوك يفتح المجال الواسع لكل المتلاعبين بمصير الشعوب .كما يقع عنده الخلط بين الغضب والثورة ، أو قصر" الثورة "على الشباب ،وبهذا الفهم الأخير يتم اختزال الإشكال في مجرد تطاحن بين فئتي الشباب والشيوخ ، في حين أن حقيقة الصراع يدور بين المستغل والمستغل . والجدير بالذكر، أنه إذا ظلت ثقافة التشيئ حاضرة فان مثل هذه التوصيات /الأجوبة تظل غير مجدية .ولذا فان استئصال الداء من جذوره يقتضي لا محالة أن يتبلور التشارك الاستراتيجي ، وليس مجرد الحركات البهلوانية التي تضرب الديمقراطية في الصميم ، وذلك عندما يكون التشارك مقتصرا على مجرد تنفيذ القرارات المخزنية (في الحالة المغربية) .. ومما لاشك فيه أن الحكام العرب محتاجون حاليا إلى إشراك الشعب في القرارت بسبب كثرة المفسدين حتى يتجنبوا أن تلصق الأخطاء بهم ، وبالتالي يتجنبون أن يدخلوا قائمة المرشحين للتجاوز . بناء على هذا ، يتأكد أن سفينة النجاة بالنسبة للحكام أن يتعاملوا مع المستجدات النوعية قبل فوات الأوان بفتح المجال لهيأة منبثقة من الشعب ، متحررة من أية وصاية لتتمكن من صياغة المشروع الإصلاحي وتنفيذه . وهذا يبرز أن استقرار الأنظمة العربية رهين بضمان الحريات الأساس ، ومن بينها حريات التعبير والإعلام المرئي ، والصحافة . وبالتالي فان من واجب الهيئة الشعبية أن تجند كل طاقاتها الممكنة لبلورة مشروع تنموي عادل واقعي قابل للتنفيذ وفق مقدرات البلد , وعلى كل ، فان الجواب الصحيح رهين بطرح السؤال الصحيح البعيد عن التعقيد والانطباعات التي تمليها الغرائز الدنيا الناسفة لمبدأ التشارك الحتمي . 4 تأملات في الخصوصية المغربية : يقع المغرب في مفترق طرق ثلاث قارات تشمل العالم العربي ،ولهذا يرتبط مصير المغرب طوعا أو كرها بمصير جيرانه على الأقل. ومما يفرض على المغرب أن يتعامل بحذق مع المستجدات الداخلية والخارجية أن يحذر من بحثه الدائم عن الاندماج في النظام العالمي الذي أثبت فشله ، ويبرز هذا الإلحاح خلال العقدين الفارطين .. وبناء على ما أصبح معروفا أن المغرب ظل منذ ما يناهز القرن متأثرا إلى حد كبير بعلاقات فريدة في نوعها مع أروبا ، وخاصة مع فرنسا .وعلى كل فان ما يجري بالعالم ، وخاصة العربي منه يهم المغرب والمغاربة ، ولا يمكنه ألا يتأثر بهذا الفضاء الجديد . لا مراء أن هناك مواقف تحث من وراء الستار على تجاهل غضب الشارع ، وذلك من أجل الحفاظ على المصالح الخاصة . والمهم فحتى وان شكلت مقومات الوطن السياسية مكسبا استثنائيا مقارنة مع بلدان أخرى ، فان الواجب الوطني للدفاع عن مناعتها يستوجب المسايرة الواعية لعصر العولمة ،و الشمولية الاقتصادية / نظام السوق عوض الانسياق الأعمى وراء الوصفات الجاهزة . في الحقيقة ، تكتسي غضبة الشارع العربي من خلال حمولتها وعواملها الجيوستراتيجية الخاصة والعامة في فضاء كوني متأزم قيمة تنويرية كفيلة بفتح طريق الديمقراطية المنشودة . ومما لاشك فيه أن التشارك الاستراتيجي مع كل مكونات المجتمع يعني المغرب أكثر من أي وقت مضى . ومن هذا المنطلق ، تبرز ضرورة القيام بإصلاحات دستورية سياسية جوهرية ، وذلك بعد اقتناع الجميع بمساوئ الترميم ، وفي هذا السياق لا بأس من الاعتراف بسلبيات تطويع الأحزاب السياسية ، وفئات عريضة من المجتمع بالأساليب المخزنية المتجاوزة التي لا تعمل سوى على إخماد النار تحت الرماد إلى حين، كما بينته الأحداث الأخيرة . وفي المقابل يمكن لمبادرتين ملكيتين أن تكونا وصفة لمدخل واقعي للإصلاحات الضرورية إذا توفرت شروط إنجاحهما ؛ المبادرة الأولى يمثلها فتح ورش الجهوية الرامي إلى إشراك المجتمع في عملية التسيير، والذي سيتم العمل على تفعيله . ولاشك أن الأجرأة الواعدة تتأسس على ضمان فصل السلط ومراقبتها . المبادرة الثانية تتمثل في أفق الإصلاحات الدستورية، رغم بعض مآخذ حركة 20 فبراير عليها ، كاتخاذ مبادرة تعيين أعضاء اللجنة المكلفة بالمراجعة من طرف واحد ، إلا أن باب الاجتهاد مفتوح ، وباب التعديلات غير موصد ، وتلك مسؤولية ملقاة على عاتق كافة الفئات التي ستتم استشارتها . يستوجب الإصلاح الدستوري والسياسي بوضوح تام حسم المشاكل اعتمادا على هيئات تعبر عن الإرادة الشعبية بامتياز من جهة ، وإخضاع السلطة لمراقبة المجتمع من جهة أخرى . أما الإجراءات الموازية فإنها تتمثل في النقاط التالية : رفع القيود المضروبة على حريتي التعبير والإعلام ، باستثناء ما يمس مقومات الوحدة الوطنية . ضمان نزاهة القضاء واستقلاليته . دعم ثقافة الانتماء للوطن. _ الإفراج عن المعتقلين السياسيين والقطع مع اقتصاد الريع والامتيازات. إصلاح منظومة التربية والتكوين على أساس تكافؤ الفرص . وضع المدخل الاجتماعي محل المدخل المالي ، وذلك عند التعاطي مع الملفات الحساسة المرتبطة بالصحة ، و التشغيل ، والسكن ، والولوج إلى الخدمات الأساس . ضمان العدالة الحقيقية . الرفع من فعالية الإدارة العمومية . 5 استنتاجات وتوصيات: إن غضبة الشارع العربي تمثل فوضى خلاقة بامتياز، رغم ما تحاك ضدها من مؤامرات داخلية وخارجية . وقد أزالت ستائر الكثير من الفضائح التي كانت لا تدرك إلا من قبل الراسخين في تدبيرها . فما هي النتائج التي أبانت عنها هذه الاحتجاجات ؟ لقد كشفت الأحداث أن العالم العربي في مجمله يعيش استعمارا مقنعا ، وأن الكثير من الأجهزة الحاكمة تمثل في الحقيقة مجرد سماسرة للنظام العالمي على حساب المستضعفين من مواطنيهم ، والذين لو أتيحت لهم الإمكانات الضرورية لكانوا خير مساعد للنهوض الحضاري بجانب الحاكم الخانع للعبودية العمياء ،وراء نظام عالمي فاشل يرتكز على دعامات هشة ،أكدت التجربة الملموسة داخل الفضاء الخارجي نفسه أنه يقوم بعملية الترقيع على حساب مواطنيه الضعفاء ، والجماهير العربية الكادحة ، ولولا الدعم العربي من تحت الستار لسقط جيفة منذ مدة . ورغم المسكنات فهو آيل إلى الزوال لا محالة لآن التاريخ لن يتهاون مع الأخطاء الاستراتيجية التي تؤدي بالبشرية إلى الدمار ، بل أكثر من هذا أصبحت الطبيعة نفسها تنتقم من خلال ما أصابها من اختلالات خطيرة . وهذا أمر معقول مادام النظام العالمي يرتكز أساسا على سلطة المال المؤسسة على الغريزة ، والمقصية للحكمة العقلية ، فتم انجراف السياسة التي تحولت إلى مجرد تكتيكات سياسوية تشرعن الاستغلال ، وتم التركيز على جماهير السوق عوض سوق الجماهير ، مما أدى إلى فبركة احتياجات ثانوية على أن تكون من الضروريات التي تدفع المستهلك إلى الاقتراض من أجلها ، دون مراعاة للقيم التي أصبح ينظر إليها على أنها من مخلفات القرون الوسطى ، وباختصار انمحت إنسانية الإنسان . وهذا جانب لم يشهده تاريخ البشرية المتوحش السابق . إذ أصبح الحكام أنفسهم يباعون في سوق النخاسة ، فبالأحرى الإنسان البسيط . إن الأزمة التي يشهدها العالم العربي ستنتقل عدواها إلى العالم المتجبر نفسه ، وقد دلت الكثير من الأجداث الحالية على صحة هذا التنبؤ من خلال ما حدث في أمريكا من أزمات مصرفية حلت على حساب المستضعفين ، ومن خلال الاحتجاجات التي حدثت في فرنسا ضد نظام التقاعد الجديد الذي صار يطلب من الشيوخ العجزة الاستمرار في الإنتاج رغم انتهاء مدة الصلاحية ،وما يحدث حاليا من احتجاجات في انجلترا ضد ارتفاع الأسعار رغم أنها تمثل رمزا للاستقرار . وهي أزمة تتجلى أيضا في ارتفاع أثمنة البذور، مما ينذر بمزيد من التجويع في العالم الغربي نفسه ،فبالأحرى العالم العربي الذي يلجأ إلى الترقيع بصندوق المقاصة الذي يمارس تخديرا ويبث أوهاما على حساب الاستثمار ، والذي يخدم الأثرياء قبل الفقراء . وقد فضحت الانتفاضات عقلية الكثير من الحكام المرضي بجنون الكرسي /العظمة ، والذين تؤكد سلوكاتهم أنهم يعيدون عقلية لويس 14الذي كان يقول أنا الدولة ، والدولة أنا . وهدا أمر يفسر بأن الهالة/ النفخ التي كانت تحيط بهم جعلتهم لا يعرفون حتى حقيقة أنفسهم ، وهذا ما تبرزه سير الكثير من الحكام بتفاوت في الدرجات ، وتظهر بشكل صاروخي عند القذافي بحكم بدويته ،وهذا حال لا يمكن أن يستثنى منه بعض حكام الشمال أنفسهم . والأخطر من هذا بينت الأحداث أن المطاحين بهما من الرؤساء (ابن علي ومبارك) متهمان بنهب المال العام ،ولذا فهما في الحقيقة إذا ثبت ذلك في حقيهما يشكلان مع الدوائر المحيطة بهما وضعية غير مشروعة ، وغير أخلاقية ، تحت غطاء شعارات الديمقراطية الجوفاء ، ويترتب عن هذا أن الوطن تحول بالنسبة لهما إلى مجرد حظيرة لا غير ، وهذا يفسر سبب رفض العدالة الحقة التي تقتضي المحاسبة ، لأنهما ألفا مع حاشيتيهما الاختلاس اللامحدود مدة طويلة ، والشعب في دار" غفلون "حسب تصوراتهما . وبناء على هذا الوضع العفن ، فان المتوقع بالنسبة للكثير من الحكام في المراحل الموالية أن يواجهوا الثورات بعقلية الماضي ، وأن يعملوا جاهدين بكل الوسائل غير المشروعة على الالتفاف على المطالب اعتقادا منهم أن الأدلجة كافية لتنويم الجماهير بناء على ما تعودونه ، ولم يقتنعوا بعد أن عقلية الشارع فاقت عقولهم ،وأنهم أصبحوا عرضة للسخرية ، ولم يدركوا لحد الآن، "اللي في راس الجمل في راس الجمال " هذا الوهم الزائف تزكيه الحاشية المستفيدة التي تورط الحاكم نفسه ، ولذا كان المقري (الصدر الأعظم) يسميها دائرة النار . وتأسيسا على هذه العقلية الماضوية ، لازالت تعتبر القمع الأداة الناجعة في تهيئة الحلول ، و لازال لسان حالها يردد إما أنا أو الفوضى ، ولازالت تمارس الخداع الإعلامي وحتى الديني ، ولازالت تبرر تحركات الجوع والكرامة باللجوء إلى فزاعة القاعدة . والمهم أكد استعمال القسوة أن الجماهير العربية تعيش استعمارا مزدوجا . ولا مبالغة أن الغباء دفعها إلى مواجهة موجات الغضب بما يزيد في إذكاء الفتنة عوض تخميدها بالحلول الجذرية . وهذا سبب مآسي الشارع العربي ، إلى درجة أن الصهيونية تحتج الآن بأن الإنسان العربي غير قابل للدخول في الدائرة الديمقراطية حتى لا تحاسب على جرائمها البشعة، متحججة في زعمها بما يقع من قمع ضد العرب، ومتناسية في نفس الوقت أنه قمع ممن اعتبروا لزمن طويل حلفاء لها يحمون مصالحها في مواجهة شعوبهم. إن الأزمة في الوطن العربي يمكن معالجتها بكل بساطة إذا أدركت الأنظمة العربية طبيعة التحولات ، وبالتالي فان الأرواح التي أزهقت ، وستزهق ، تعود إلى عدم التجاوب التام مع المطالب الشعبية التي هي في العمق تخدم الحاكم نفسه قبل غيره ، وتحميه من دائرة الفساد التي لا يمكنه أن يقاومها ، ولذلك فبطانة النار تجعل الحاكم ينظر إلى الأحداث من زاوية أنها تشكل تهديدا له ، وبهذا يحصل التدافع بدل التقارب . والغريب أن غضب الشارع انطلق أولا من مجرد المطالبة بإصلاحات ، إلا أن سوء التصرفات القمعية حولت ذلك إلى المطالبة بتغيير النظام مادام يرتكز على مقولة إما أنا أو الطوفان . إن العالم العربي أدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن التزود بالسلاح، لم يكن من أجل مواجهة العدو الخارجي ، وإنما من أجل مواجهة رياح التغيير الداخلية ، وتلك هي الكارثة ، لقد أدركت الجماهير أنها تؤدي الضرائب من أجل أن تحاصر ، ومن أجل أن تموت وهي على قيد الحياة .كما أدرك العالم الآخر جريمته في مساندة القمع إذا كان له ضمير يحاسبه . ولكن هذا الافتراض صعب فهو يدوس على رقاب الحكام كلما انتهت مدة الصلاحية. إنها النزعة البراغماتية التي لا تعترف ب "الصديق " ، فبالأحرى العدو / الجماهير العربية . إن شباب اليوم وشيوخه جميعا دون السقوط في شرك التقسيم أصبح يدرك أن لا قيمة لحياة بدون كرامة ، إذ ليست المعركة اليوم معركة بطنية فقط ، بل هي معركة كرامة ، ووعي بأهمية الديمقراطية ،و العدالة ، والحرية ، ،ونظام المؤسسات. إنها معركة تحويل الشعارات إلى واقع حقيقي ، وهو يدرك أن ثمن الحرية هو التضحية بالنفس لأن الحرية لن تعطى بالمجان ، وهو يدرك حجم الالتفافات الداخلية والخارجية ، ولذا لا قيمة لما يقوم به الجهاز الحاكم من محاولات الاستقطاب الحزبية ، والانخراط في دوائر لا تمثل الهموم الحقيقية للشعب، ولا تساند الحاكم العاقل ، وهي أحزاب تعتقد في قرارة نفسها أن الأمر سهل لأنها صارت غبية بممارستها منذ مدة دور التصفيق ، وليس دور التخطيط الاستراتيجي ، ولأن الكثير منها مجرد نسخ مكررة ، ولأنها تعتبر الغضبة ناجمة عن نزق مجموعة من "الدراري" ،وأنه بالإمكان أدلجتهم غير مدركين أنهم تعلموا في مدارس الفقر والانتقاص ، وأنهم شيوخ بوجوه شابة . إن التوصيات التي يمكن أن توجه إلى عالم اليوم أنه ينبغي إصدار قوانين دولية تحرم استعمال العنف مع الاحتجاجات ،إذ بات من اللازم أن يواكب القانون التحولات ، ولا يعتبر ذلك تدخلا في شؤون الغير، مادام المنطلق حماية كرامة الإنسان ، خاصة وأنه صاحب العصا الغليظة/ مصدر الإجرام . .كما ينبغي التشطيب النهائي على الجهاز البوليسي السري الذي يكبل الأحرار الذين لا يريدون بتاتا إسقاط الأنظمة ، وإنما يريدون فقط بناءها لفائدة الجميع ، وبالتالي ينبغي فتح باب الاجتهاد السياسي لكل الأطياف دون إقصاء لأي منها لأن الأقطار العربية في حاجة إلى كل الأبناء ،إذ يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر . إن حل المشاكل الداخلية يتحقق بتطبيق الحلول الناجعة التي يقدمها الشباب بكل ترحاب ، وبدون تقزز ، وفي هذا منجاة للبلد من الضياع والخسائر التي لا يقدر على تحملها ، لأنه يعاني أصلا من التخلف والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . ينبغي أن يدرك العالم أن حل الأزمة يعتمد على الرجوع إلى الجذور ، من خلال إعادة الاعتبار للسياسة المضبوطة عوض الامتثال لمنطق المال الذي شيأ الإنسان نفسه، وجعله بضاعة مروجة في المزاد العلني ، و بالتالي يجب الاحتكام إلى صوت العقل لا إلى صوت الغرائز العمياء . و أخيرا ليس صدفة أن يجتمع في مشهد اليوم احتجاجا البشر والطبيعة في العالمين المتخلف والمتقدم (اليابان) على السواء مما يبرهن على أنها حرب عالمية . ولهذا قد أعذر من أنذر . وفي بلدنا الحبيب المغرب ،يمكن التقريب بين مطالب حركة 20 فبراير ، وما تضمنه الخطاب الملكي يوم التاسع من مارس، لإحداث التقارب المنشود من خلال تشكيل لجنة وطنية دائمة لمواكبة الإصلاحات الآنية والمستقبلية ، وذلك بعد التأسيس لدستور ديموقراطي يحقق السيادة للشعب . *أستاذ باحث في الطب رئيس الجمعية المغربية للأبحاث والدراسات المتعلقة بالتحولات البيئية، عضو المؤتمر القومي العربي كاتب الدولة (وزير) في البيئة سابقا .