المصادقة على 216 نصا قانونيا خلال سنة 2024    الغموض يحوم حول مصير اشتراكات وتعويضات 3 ملايين منخرط سيتم ترحيلهم عنوة لنظام AMO الحكومة صادقت على نسخة معدلة تضحي بمنخرطي كنوبس مقابل إنقاذ التعاضديات من الانقراض    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسامير مولاي التهامي بهطاط الاسبوعية

كما كان متوقعاً، أثار مقالي السابق الكثير من ردود الفعل إثر نشره بهذا الموقع، حيث قيل عنه الكثير، كل بطريقته، لكن الغالبية العظمى ركبت قوارب السب والشتم، بل بلغ الأمر بالبعض حد التشكيك في إسلامي وتكفيري، وهي على كل ليست المرة الأولى التي تكشف فيها الردود المتشنجة حجم القصور الفكري لدى كثير من متصفحي شبكة الانترنيت، وسوء إدراكهم لمعنى الحرية المسؤولة في التعبير عن الرأي مع احترام الرأي المخالف طبعا، بل وضعف الفهم بشكل واضح لدى بعض المعلقين.
• سلاما..سلاما..سلاما...
كان المفروض عدم التعامل مع هذه الردود والترفع عن الدخول في سجال مع موقعيها، التزاما بقوله تعالى “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” (الفرقان / 63)، لكن بما أنها تعتبر في الواقع تصديقاً عمليا وصريحا لما ورد في المقال المفترى عليه، فقد كان ضروريا التوقف عندها بما تقتضيه المناسبة.
لقد توزعت الردود بين :
- قلة أقل من القليلة قرأت المقال كاملا وبموضوعية وتجرد، واختلفت أو اتفقت معه..
- قلة ركبت ما جاء فيه لتصفية حسابات ما مع حزب العدالة والتنمية..
- أغلبية ساحقة، لم تقرإ المقال كاملا أو على الأقل لم تتحل بالتجرد المطلوب، أو قرأته ولم تفهمه بسبب الغشاوة التي على أبصارها، وبسبب الدوغمائية ومنطق التسطيح والتبسيط والاختزال...
وردود هذه الفئة الأخيرة تحديدا هي التي تمثل دليلا عمليا على أن الحمق سماد اللحية بالنسبة للكثيرين..
فكلمة اللحية وردت في المقال ثلاث مرات على الأكثر ضمن ما يناهز 6100 كلمة، وفي سياق كاريكاتوري واضح ومع ذلك كانت كافية للحكم على كاتبه بالإلحاد والزندقة والكفر وما إلى ذلك وبالعربية والفرنسية..
لن أدخل هنا في سجال حول “الحكم الشرعي للحية”، لأن ذلك لم يكن مقصدا لا أساسيا ولا ثانويا للمقال، بل أكتفي بهذا التنبيه لتوضيح حجم السطحية التي تعامل بها كثير من الإخوة القراء، الذين حول بعضهم اللحية إلى “أصل” من أصول العقيدة وهو كلام ينم عن جهل تام، بل ذهب بعضهم إلى ما هو أبعد عبر تقديم تأويلات لما ورد في المقال، لا تصح حتى ولو تم جز رؤوس الكلمات وليس لي أعناقها فقط..
أما كيف يمكن اعتبار هذه المواقف تدليلا عمليا على صدق ما جاء في المقال، فذلك انطلاقا من أن كثيرا من المعلقين ينطلقون من تعاطف معلن مع حزب العدالة والتنمية، وهذا هو بيت القصيد.
فكثير من المتعاطفين مع هذا الحزب – كما بينت ذلك الردود المشار إليها- يمكنهم أن يتحولوا إلى وبال عليه في أية لحظة، تماما كما حدث لبعض قواعد الإخوان المسلمين في مصر، والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر.. وغيرهما، فالأنظمة في هذه الدول كانت تدرك أن سلطة “الحكماء” محدودة جدا مقارنة مع ارتجالية “الدهماء”، ولذلك كان يكفيها في كل مرة “تغييب” القيادات العاقلة وقطع خطوط الاتصال بينها وبين قواعدها، لتنطلق الغوغاء في الاتجاه الذي يبرر أخذ الحابل بالنابل..
أما مسؤولية حزب العدالة والتنمية عما يجري، فهي حتى وأن كانت نسبية أو معنوية أو حتى غير محددة، لكنها تبقى ثابتة، بما أنه نجح في بيع الوهم للجمهور، وتحول فعلا إلى عجلة احتياطية يمكن للنظام استخدامها في أية لحظة تتعطل فيها إحدى عجلات عربته المتهالكة.. وهو ما بدا واضحا من كثير من الردود المتشنجة التي اخترعت معركة وخاضتها بأحط أساليب التعبير.. مع أننا نتحدث هنا عن أشخاص يعرفون القراءة والكتابة على الأقل، ويستطيعون التعامل مع تقنيات الانترنيت..
• معجزة عصيد ومن معه..
نظرا لسوء الفهم الذي اتضحت معالمه من خلال ما جاء في أغلبية التعليقات، أرى أنه من الضروري العودة ولو باقتضاب إلى المحاور الثلاثة التي تناولها المقال المشار إليه، وأولها كيفية مواجهة الحرب على اللغة العربية..
لقد قلت إن هذه اللغة محفوظة بوعد إلهي لأنها الوعاء الحامل للقرآن، ويبدو أن هذا الكلام لم يعجب كثيرين ممن ندبوا أنفسهم للدفاع عن لغة تشير آخر الإحصائيات إلى أنها من أسرع اللغات انتشارا على شبكة الأنترنيت وأنها تتقدم في هذا المجال على اللغة الفرنسية بثلاث مراتب..
لكن يبدو أن الإستراتيجية التي يتبعها بعض أعداء هذه اللغة نجحت في حرف النقاش عن طريقه الصحيح، ليتحول إلى مزايدات فارغة.. وحين أتحدث عن معجزة الأستاذ عصيد وغيره ممن ينسجون على منواله.. فأنا أعني ما أقول، فكل السائرين في هذا الاتجاه يستعملون اللغة العربية للطعن فيها، لأنهم يعلمون أن استعمال لغة غيرها لن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة، أي الاستفزاز ورد الفعل الغوغائي الذي يمثل أصلا مبرر الوجود الوحيد لهذا النوع من “النظريات”..
بعبارة أخرى نحن أمام تكرار – مع الفارق طبعا – لسجال طريف دار بين عمر بن الخطاب وأبي هريرة رضي الله عنهما والذي كانت خلاصته: “كيف قاءها إن لم يكن قد شربها؟”.. وأعتذر عن عدم سرد هذه القصة حتى لا أمنح للجهال فرصة لحرف النقاش عن طريقه..
ولننظر فقط إلى ما حدث للقناة الثانية التي قال عنها الرئيس شيراك ذات زمن إنه لا خوف على الفرنكوفونية ما دامت الدوزيم في الساحة، وقد عشنا وعاش شيراك لنرى جميعا كيف أنها تحولت إلى طبل أجوف، وأنه مقابل حصتها المحدودة من برامج الأطفال المفرنسة مثلا، ظهرت في سماء المغرب عدة قنوات مختصة تبث برامجها على مدار الساعة وبلغة الضاد.. واسألوا الأطفال إن كنتم لا تعلمون..
وهذا دون أن نذكر بحالة الجزائر التي خضعت لاحتلال استيطاني وثقافي دام أكثر من 130 سنة، بل مازال لحد اليوم أصحاب القرار فيها هم المنتمون ل”حزب فرنسا”، ومع ذلك فإن الجرائد الناطقة بالعربية هي الأكثر مبيعاً وبفارق كبير جداً عن نظيرتها الفرنسية.
• الأخلاق والسياسة..
غضب كثير من المعلقين على ادعائي بأن السياسة والأخلاق ضدان لا يجتمعان على الأقل في زمن الناس هذا. وحتى لا أضطر إلى كثير من الشرح والتبسيط، أسوق فقط بعض الأمثلة التي لا تحتاج إلى ذكاء حاد لإدراك الغاية منها :
- فقصة التحكيم خلال الفتنة الكبرى وما انتهت إليه – حسب كثير من الروايات التاريخية – لم تكن في أية لحظة سبة في جبين الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه، رغم أنه خدع الصحابي الآخر أبا موسى الأشعري.. وهي واقعة لا ندري كيف يمكن الحكم عليها من منظور أخلاقي..
- وإذا اعتبرنا أن ذلك من الوقائع التاريخية التي تحتمل وتحتمل.. وما احتمل واحتمل سقط به الاستدلال كما يقال، فكيف نقرأ ترخيص حزب العدالة والتنمية التركي مؤخرا بافتتاح شاطئ للعراة، وغضه الطرف عن دور الدعارة والحانات وغيرها من أوكار الرذيلة ؟
إن هذا الحزب يعطينا مثالا واضحاً للواقعية السياسية، فهو ينظر إلى الهدف الاستراتيجي على المدى البعيد، ولا يستنزف طاقاته في معارك هامشية لن تؤدي سوى إلى توحيد خصومه على حربه.. وتبرير استهدافه..
- المثال الثالث هو لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وكيف تدير أمورها على كافة الأصعدة، ولا أعتقد أننا لو نظرنا إلى ذلك من زاوية أخلاقية ضيقة وفي كثير من النماذج، سنكون منصفين للحركة ورجالها وتاريخها..
• النقد الفني..
اعترف بداية بأنني شخصيا لا أسمع عن كثير من الأفلام والسهرات والمهرجانات إلا عبر بلاغات التنديد والبيانات “شديدة اللهجة” التي تصدر عن حزب العدالة والتنمية المغربي، ولذلك فحين أتحدث عن دعاية مجانية ل”العفن الفني”، فأنا أعني ما أقول، خاصة وأن هذه البيانات وتلك البلاغات تمثل جواز المرور نحو عالم الشهرة حتى بالنسبة لأردإ الأعمال “الفنية”..
ويكفي هنا أن أشير إلى مبدإ فقهي معروف ألا هو أن من شروط تغيير المنكر ألا يؤدي إلى منكر أشد.. وحين نستحضر أن أول رد فعل على “انتقادات” حزب العدالة والتنمية هو السعي إلى مناكفته والمزايدة عليه، فلا أدري ما هي القيمة المضافة لمعارك من هذا النوع سوى إيجاد المبرر لفتح سماء المغرب وأرضه أمام مزيد من مظاهر الانحراف.. بل وبدعم سخي أحيانا من المجالس البلدية التي يقودها أو يشارك فيها العداليون..
وقد كان حد أدنى من الذكاء السياسي هنا كفيلا بتحويل المعركة في اتجاه آخر.. فهناك علماء ومؤسسة دينية رسمية، تتحمل قبل غيرها مسؤولية تقويم الاعوجاجات إن وجدت، كما فعل أحد المجالس العلمية بالدار البيضاء على خلفية مهرجان موازين الأخير.. وكما يفعل الأستاذ بنحمزة في كثير من مقالاته مثلا..
إن علماء المغرب ليسوا معزولين عن الواقع، أو خاضعين للوصاية المطلقة كما يعتقد البعض، بل إن كثيرا منهم قادرون على رفع الصوت ل”تغيير المنكر” أو ليتحملوا مسؤولية ذلك أمام خالقهم يوم لن تنفعهم شفاعة الشافعين، لكن دخول حزب ما على الخط يجعلهم في موقف حرج، وقد رأينا أكثر من مرة كيف اتهم العلماء بمجاراة “العدالة والتنمية” لمجرد أن الموقف كان “موحداً” في نازلة ما..
ولهذا حين أقول إنه لم يعد اليوم بالإمكان الجمع بين عمامة الفقيه وجبة السياسي.. لابد من النظر إلى الأمر من هذه الزاوية تحديدا..
•...الدور القذر
وحتى نتعمق أكثر في موضوع “الدور القذر” لحزب العدالة والتنمية، أود أن أسجل بعض الإضافات الأساسية.
لقد اعتبرت بعض الردود ما كتبته في هذا السياق، خدمة من نوع ما أقدمها لجهة ما، بمقابل طبعا، وأن الغاية من ذلك هي اتهام هذا الحزب بالباطل والتحامل عليه بشكل مجاني..
إن هذا الموقف الغوغائي، لا يبدو أنه يأخذ بعين الاعتبار حقائق الواقع المغربي :
- فهذا الحزب يقف اليوم عاجزاً في الجماعات التي يديرها، حتى عن مواجهة القياد والعمال والولاة، ولنا أن نتصور وضعه حين سيصل إلى المشاركة في الحكومة مستقبلا، ويدخل في مواجهة مراكز القوة الحقيقية التي تتحرك في الظل وخارج أية تغطية، بل وبعيدا عن متناول المؤسسات الدستورية.
لقد كانت تجربة اليسار في هذا الباب أكثر من مفيدة.
فهذا المكون ظل على مدى أربعة عقود وهو في مواجهة النظام القائم، عبر خيارات ثورية وانقلابية ثم ديموقراطية، ولم نسمع مثلا أنه ترك لوزارة الداخلية مهمة اختيار رئيس فريقه النيابي.. لكن حين توصل إلى توافق لم يجد الأستاذ اليوسفي بدا من الاعتراف في النهاية بأنه تم جره إلى ساحة معركة لم يكن يعرفها.. وأن “جيوب مقاومة التغيير” نحجت في مهمتها.. أي استدراجه ثم كشف عورته أمام الشعب... وحالة اليسار المغربي عموما، والاتحاد الاشتراكي بوجه خاص، اليوم تغني عن كل تعليق، مع أننا نتحدث هنا عن سياسيين محترفين ومخضرمين من العيار الثقيل، ومشهود لكثير منهم -على الأقل- بنظافة السجل، وبتاريخ نضالي مشرف..
- من المتوقع حتماً أن يتكرر نفس السيناريو في ما لو تمت الاستعانة بالعدالة والتنمية في لحظة ما لتنفيس الاحتقان، لأن طبيعة الحكم في المغرب معقدة، والأحزاب المتواجدة حاليا في الساحة همها الأول والأخير هو الحصول على مكان في حجر السلطة، أيا كان الثمن.
- الذين اعتبروا ما قلته عن هذا الحزب نوعا من “الخدمة مدفوعة الأجر”، لا يبدو أنهم اطلعوا على الحوار المدوي الذي كان الراحل الدكتور الخطيب قد أجراه قبل سنوات معدودة مع يومية “أوجوردوي لوماروك” وقال فيه كلاما في حق كل من الدكتور الريسوني والأستاذ الرميد، يدخل تحت مسمى القذف العلني، وهو كلام موزون لأنه صادر عن رجل احترف السياسة على مدى أزيد من نصف قرن، بل هو من فتح كوة في جدار الرفض الذي كان هذا التيار يواجه به كلما بحث عن منفذ للخروج إلى دائرة الشرعية، وهي أوصاف تنطبق من باب أولى على الأستاذ بنكيران، الذي يسجل أرشيف البرلمان والتلفزة أن أسهل شيء هو استفزازه وإخراجه عن طوره.. وترك مطافئ الحزب تتحمل بعد ذلك مسؤولية محاولة إطفاء الحرائق التي يشعلها..
وأكتفي بهذا حتى لا أذكر بما كتبه الراحل الدكتور فريد الأنصاري عن خطايا الحركة الإسلامية -العدالة والتنمية تحديدا-، ولا ما صرح به الشيخ عبد الباري الزمزمي في حق هذا الحزب.. أما لو سردت بعض مواقف الدكتور أحمد الكبيسي العالم العراقي المعروف من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فالأكيد أن الأمر لن يتوقف عند حد التفسيق والتكفير، بل قد يصل على حد إهدار الدم..
• خطأ وخطيئة
لقد قلت بأن الخطأ الأساسي لحزب العدالة والتنمية يكمن في الهالة التي يرسمها حوله مريدوه وأنصاره والمتعاطفون معه، ما يحوله بالنسبة لكثيرين إلى طوق نجاة أكيد من الوضع الحالي.
وهي صورة تترسخ أكثر لدى البسطاء من الناس من خلال المعارك الشكلية ذات الطابع الأخلاقي التي يخوضها الحزب بشكل متواصل، وتعطي الانطباع بأن وصوله إلى منصة تدبير الشأن العام كفيل بنشر العدل على وجه الأرض.. وهذا خطأ إذا صدر عن أيها الناس، وهو خطيئة حين يصدر عن “النخبة المتنورة الطاهرة”...
إن دور الأحزاب هو ممارسة السياسة بكل ما تحمله هذه الكلمة من حمولة دلالية، وبالتالي فإن أي تضليل مهما كان نوعه أو مصدره هو في حكم الخطيئة التي لا تمحوها توبة..
فهناك أولويات لابد من احترامها، كما فعل حزب أردوغان في تركيا – وهو بالمناسبة غير ملتح، فلو انشغل بالنقد السينمائي أو بمطاردة العري تحت قبة البرلمان وغير ذلك من المعارك الوهمية التي لا تحظى بالأولوية – من قبيل اللحية لدى البعض..-، لما استطاع أن يسير اليوم دولة بحجم تركيا، ولما تحول إلى رقم أساسي في المعادلة السياسية هناك، ولما استعادت تركيا اليوم خلفيتها العثمانية ولما حققت معجزة اقتصادية، ولما أعادت ضبط قواعد اللعبة السياسية عبر تعديل الدستور.. إنه الفرق الواضح بين المصباح العصري و”لامبة” القرون الوسطى..
• تيارات الشوباني واستقالة الرميد
حلقة برنامج تيارات التي استضافت مؤخراً الأستاذ الشوباني كانت بمثابة تأكيد لكل ما جاء في المقال السابق.
فالصحافي بن الشريف الذي يعرف الجميع صلته ب “التراكتور” نحج في تحويل الحلقة إلى دعاية مجانية لحزب الأصالة والمعاصرة، وانساق معه الضيف دون وعي.
فعوض أن تستغل هذه المساحة الزمنية لتقديم وجهة نظر حزب العدالة والتنمية، وبدائله العلمية والعملية لمختلف المشاكل السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والثقافية، أصبحنا أمام معركة من المعارك إياها ضمن مسلسل “الجلاد والضحية والوافد الجديد”، وذلك كله من بركات زلات لسان الأستاذ بنكيران الذي تعودنا منه أن يفقد السيطرة على لسانه في كثير من المناسبات..
إن الحلقة المشار إليها أكدت مرة أخرى أن حزب العدالة والتنمية إذا كان يمارس هذا الدور القذر دون وعي، فتلك مصيبة وإذا كان يمارسه عن قصد فالمصيبة أعظم..
أما قصة “استقالة” الأستاذ الرميد وما تلاها من تطورات، فإنها واقعة لا تستحق التوقف عندها أصلا.. لأنها استمرار لحالة انعدام الوزن التي يعاني منها هذا الحزب.. وهي تصديق لما قاله الدكتور الخطيب رحمه الله عن الرميد في حواره المشار إليه أعلاه..
فالاستقالة كانت لتكون فعالة لو سبقتها مواقف حاسمة وحازمة في عدة لحظات مفصلية يعرفها الجميع، عوض أن يواجهها الحزب بقوة وصلابة فضل الاستسلام أمامها وفق شعار “الانحناء أمام العاصفة” حتى أصبحت تلك عادته ومذهبه، رغم أن قول “لا” والتمسك بها، كان سيغير الكثير من المعطيات والمعادلات علماً أن قيادة الحزب لم تكن لتنفى إلى ميسور كما حدث مع عبد الرحيم بوعبيد مثلا في بداية الثمانينيات، ولم يكن الحزب ليتعرض ل”الحل” بسببها، لأن ذلك سيحول الملف إلى قنبلة تحرق أيدي الماسكين بزمام الأمور في محيط صناعة القرار..
باختصار: من يزهد في رئاسة فريق نيابي خوفا من “المواجهة”.. هل يفرط في “الحصانة” ومزاياها الكثيرة..؟
• وماذا بعد ؟
.. بكل موضوعية، فإن الحزب الذي يمكنه إحداث الفارق وإخراج العمل السياسي من حالة الجمود الحالي، هو ذاك الذي يأتي من رحم الشعب، أي يولد كضرورة سياسية من قلب المجتمع نفسه، ويكون هدفه التغيير الحقيقي العميق.. الذي ينطلق من عقد اجتماعي جديد قائم على تقاسم السلطة بشكل حقيقي، وعلى ملكية برلمانية تترك للشعب هامشا لحكم نفسه بنفسه عبر برلمان فاعل وحكومة فعالة ودستور عصري صريح ومصوغ بلغة قانونية حديثة وليس اعتمادا على قاموس القرون الوسطى..
أما الأحزاب التي تولد في الفنادق المصنفة، ويكون سقف أحلامها هو الحصول على موطئ قدم في طاولة المجلس الحكومي.. فمزبلة التاريخ أولى بها..
وموعدنا يتجدد بعد أن يدخل حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة.. لنرى ما إذا كان سيغير أم سيتغير..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.