قديما، كان لنا جدار مشترك. نحتمي من لظى الشمس بظله، و نختفي وراءه لنتسلى بحماقات الصبى. كلما أعيانا الركض وراء الفراشات نتكئ عليه لنريح أجسادنا الصغيرة. كنا نخط بالفحم أو الجير أو الطباشير اعترافاتنا على الجدار، أسماء الذكور إلى اليمين و أسماء الإناث إلى اليسار و بينهما سهام في كل الاتجاهات و قلوب نحرص على تنميق شكلها و تلوينها بالأحمر. نرسم عليه الأزهار و الأشجار و الحيوانات و الحشرات و شعارات الفرق الرياضية التي نشجعها. في صباح صيفي أو خريفي نفاجأ بمحو كل ذكرياتنا و بوحنا المنقوش على الجدار، تعوض خربشاتنا البريئة خانات باللون الأسود تشبه قضبان الزنزانات في كل خانة تلصق مطبوعات تتضمن وعودا بشروق الشمس قبل الأوان، صور مخلوقات عجائبية بوجوه مبتسمة رغم أنفها تطل علينا بربطات عنق مختلفة الألوان. يمر موسم الهرج و المرج وتبهت صور المخلوقات العجائبية، حتى إذا حل الشتاء تساقطت المطبوعات الواحد تلو الآخر وما تمسك منها بالجدار نمزقه بأظافرنا لنعيد وشم ذاكرتنا الجماعية على جدارنا المشترك.
اليوم، صار لكل واحد منا جداره، يدير الواحد منا ظهره للآخر، نكتب أشياء متشابهة أغلبها منقول و غير معقول نضع صورا لا تشبهنا و نقول كلاما لا نؤمن به، نبكي لبكاء الناس و نضحك لضحكهم نغتال اللحظات الجميلة، تشرد بنا الأفكار بعيدا عن مرارة الواقع لنصطدم به من جديد، فلا نرى في أحلامنا سوى جدران لا سقف لها لا تؤوي أحدا بيوت خربة هجرها أهلها منذ زمن بعيد تجعلنا نحنّ لزمن جدارنا المشترك. السيد مارك زوكر بيرغ المحترم، بعد التحية أود أن أخبركم بأن الكبار كانوا ينصحون الصغار و كان الصغار يطردون الكلاب الضالة حتى لا يتحول الجدار إلى مرحاض مفتوح، و اليوم و قد أصبحت هذه الوجوه البئيسة، التي أعياها الزمن و مزقت صورها أظافرنا، تزاحمنا هي أيضا في هذا البيت الخرب، لم يعد لنا من مقام بينهم ...صارت الجدران مكبات للنفايات في فضاء لم يعد كما كان.