[COLOR=red]تحقيق[/COLOR] : "ساحة الطيران" إسم يستمد مرجعيته التاريخية من فترة الحماية، حيث كانت الساحة -آنذاك- هي الأفضل والأفسح بالمدينة التي تسمح بخلق مطار عسكري وظفه المعمر لإستقبال الدعم الجوي سواء القادم من مدن الشرق أو الغرب، بل كان الرابط الجوي الوحيد بين شرق المغرب وغربه، ولعل أهم الأدوار التي قام بها هذا المطار هو استقباله للأفواج العديدة من من الجنود الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية القادمين من مدن الدارالبيضاء، مكناس و فاس، هؤلاء الجنود كانوا يجعلون من جنبات "ساحة الطيران" أو المطار العسكري مخيما لهم يستريحون فيه ويتزودون بالعدة والعتاد والمؤونة في انتظار إلتحاقهم بجيوش الحلفاء في الشرق. و حسب [COLOR=black]الأستاذ محمد العلوي الباهي [/COLOR]مؤرخ المدينة والباحث في تاريخها، فإن فترة الحماية تميزت بتواجد [COLOR=darkblue]الكوميسير "كوشار"[/COLOR] الذي كان يمتلك طائرة خاصة يحلق بها بين الفينة والأخرى في سماء المدينة ليزرع الرعب في قلوب السكان التازيين ويفرض الأمن والخضوع على الحركات الاحتجاجية آنذاك والتي لم تخرج عن السياق العام للإحتجاج والمقاومة بالمغرب ككل. طائرة [COLOR=darkblue]الكوميسير "كوشار"[/COLOR] بقيت داخل نفوذ الإقليم لسنوات عديدة لتنتقل إلى [COLOR=darkblue]مطار سيدي حمو مفتاح [/COLOR]خلال السنوات القليلة الماضية ليختفي أثرها بعد ذلك، و يؤكد الباحث محمد العلوي الباهي على أن تلك الطائرة تعتبر إرثا تاريخيا يؤرخ لحقبة معينة من حياة المدينة وأنه ما كان ينبغي التفريط في هذا الإرث. من بين الأحداث المرتبطة بتاريخ المدينة وبالضبط "بساحة الطيران"، الزيارة الملكية التي قام بها الراحل محمد الخامس سنة 1956، وفي الوقت الذي كان يطل فيه من شرفة "[COLOR=darkblue]دار العامل [/COLOR]" التي كان ينزل بها عند كل زيارة للمدينة وهو التقليد الذي توارثه الراحل الحسن الثاني ومن بعده المتربع على العرش العلوي محمد السادس نصره الله و أيده، في هذه الأثناء شاهد المغفور له محمد الخامس عددا قليلا من المنازل البسيطة البنية، فسأل مرافقيه عمن يسكن تلك الدور، ليجاب عن سؤاله أن الدوار يدعى "[COLOR=darkblue]دوار خلوق[/COLOR]" ويقطن به "عمال البلدية"، حينها أمر بتخصيص تجزئة سكنية بأثمنة رمزية للعمال. [IMG]http://tazacity.info/news/infimages/myuppic/4b6b47e388a0f.jpg[/IMG] القيمون على الشأن المحلي آنذاك لم يجدوا سوى "ساحة الطيران" لتهيئة جزء منها على شكل تجزئة سكنية سلمت فيما بعد إلى عمال البلدية، لتبدأ بذلك عملية طمس لهوية ما كان من المفترض أن تكون القلب النابض بالحركية والحيوية للمدينة و ساحتها الرئيسية حيث الشوارع العريضة والأبواب ذات الأقواس الكبيرة باعتبارها الأنسب لأن تكون ساحة المدينة على الإطلاق، خصوصا وأن المغرب جعل من أسس التهيئة العمرانية لمدنه توفرها على ساحات فسيحة بالاضافة إلى الأحواض المائية الكبيرة تؤثث الجمالية العمرانية لكل مدينة إلا مدينة تازة التي حرمت من هذه اللمسة الفنية والرؤية الجمالية وكأن القائمين على الشأن المحلي في الماضي كما في الحاضر ليس بينهم وبين الذوق والفن إلا كل الخير و الإحسان. [IMG]http://tazacity.info/news/infimages/myuppic/4b6b489ff0650.jpg[/IMG] الإشارة الملكية الداعية إلى تجميع العمال البسطاء في تجزئة سكنية بأثمنة رمزية هو ما يفسر العدد الكبير من المنازل والبنايات بساحة الطيران والتي تعود ملكيتها إلى عمال البلدية، و هو نفس ما اكده الباحث محمد العلوي الباهي من خلال مجالسته لعدد ممن عايشوا زيارة المغفور له محمد الخامس سنة 1956 أكدوا أن الإشارة الملكية كانت كانت عامة وشاملة لمختلف العمال، إلا أن الفطنة الزائدة والحسابات المعقدة التي أبان المسؤولون آنذاك عن تضلعهم فيها جعلتهم يوقفون مشروعا مهما شارفت أشغال بناءه على الانتهاء وهو معمل الآجور الذي لاتزال بنايته شاهدة بين [COLOR=darkblue]حي الجيارين[/COLOR] و [COLOR=darkblue]المسبح البلدي[/COLOR]. [IMG]http://tazacity.info/news/infimages/myuppic/4b6b46c2475dc.jpg[/IMG] و حسب [COLOR=black]الاستاذ الباحث محمد العلوي الباهي، [/COLOR]فأول تجزئة سكنية بمدينة تازة هي "[COLOR=darkblue]ديور البلدية[/COLOR]" أو ما يطلق عليهم بساحة الطيران، تليها تجزئة "[COLOR=darkblue]جورج كنيدي[/COLOR]" والتي أمر الراحل الحسن الثاني خلال زيارته للمدينة سنة 1970 ببنائها وتخصيصها للمعوزين، وهي التجزئة التي شيدت بأموال أمريكية من الدعم المالي الذي كان يتلقاه المغرب من الولاياتالمتحدةالأمريكية. [COLOR=darkblue]قفة قفة... كبرت السويقة[/COLOR] محيط الحمام الذي يتوسط تجزئة "ساحة الطيران" هو الموقع الوحيد الذي رفض المجلس البلدي – حسب تصريحات عدد من السكان – رفض تبليطه بالزليج أو الحجر الصلب، ففي البدايات الأولى لنشأة ظاهرة الباعة المتجولين كان محيط الحمام يقتصر على بائعي النعناع والبيض والحوت، ليصبح المكان وجهة عدد من المواطنين المنحدرين من روافد المدينة بمنتوجاتهم الفلاحية البسيطة التي يعرضونها على المارة سواء على الأرض مباشرة أو على قطع "الكارتون والميكة" لتتطور الأمور وتصبح عملية البيع في الشارع العام مورد رزق لعدد لا يستهان به من المواطنين. [IMG]http://tazacity.info/news/infimages/myuppic/4b6b4fd91915d.jpg[/IMG] تناسل عدد العربات المخصصة لبيع الخضر والفواكه تسبب في العشرات من المشادات الكلامية والمعارك الطاحنة بين الباعة المتجولين المنتشرين في شوارع وأزقة "ساحة الطيران" من جهة وبين السكان من جهة أخرى. عدم وجود إطار قانوني يلتف حوله السكان وينطق بلسان حال معاناتهم أبقى الباب مواربا بين السكان المحتجين على وضع يؤكدون أنهم تجردوا من أبسط حقوق السكن والأمن من جهة وبين السلطة المحلية والأيادي الخفية التي تتحكم من خلالها في ملف الباعة المتجولين من جهة ثانية وبين السلطات المحلية التي لا تتحرك إلا تحت ضغط المواطن أو العامل. فجاءت [COLOR=darkblue]ودادية المجد، [/COLOR]أول إطار قانوني يتحدث بلسان حال السكان، حسب ما اكده رئيس الودادية للجريدة، على أن الودادية تأسست لخلق دينامية وحركية داخل الحي وأن مشكل الباعة المتجولين كان ضمن اهتماماتها وليس سبب تأسيسها، لكن واقع الحال يعكس وبالملموس استحالة الاشتغال على أي ملف رياضي أو وثائقي أو اجتماعي قبل الحسم في ملف "السويقة"، فبدأت عملية جر الحبل بين الودادية والسلطة المحلية والجماعة الحضرية. [COLOR=darkblue]هل فشلت السلطة المحلية والإقليمية في الحسم في ملف الباعة المتجولين؟[/COLOR] بعد تعيين السيد عبد الغني الصبار عاملا على إقليمتازة، باتت عملية الحسم في ملف استغلال الملك العام من طرف الباعة المتجولين مسألة وقت لاغير، هذا الملف الذي لم يوضع على مكتب العامل السابق بهذه الأولوية لتداخل الظرفي بالمصلحي، لكن الوافد علينا أبان عن حنكة وعلو كعب في عدد من الملفات... بالاضافة إلى إرادة الحسم في هكذا ملف في فترة كان فيها ملف الباعة المتجولين لا يتجاوز "[COLOR=darkblue]دروج باب الجمعة[/COLOR]" نلاحظ جاهزية على مستوى القرار الفعلي للحسم في هذا الملف. تحركت حيثيات الملف بعد الحركية التي شهدتها أروقة كل من قصر البلدية والعمالة، ورسائل الاحتجاج الموقعة من طرف ودادية المجد التي جعلت من تحرير الملك العام من يد الباعة المتجولين من بين أولوياتها، حركية تلقت إشارات إيجابية من قصر العمالة وهي ما تكللت باجتماع مصغر استدعي إليه أعضاء مكتب ودادية المجد الذين عرضوا على أنظار عامل الاقليم المعانات اليومية لسكان ساحة الطيران ومحيطها، وهو الاجتماع الذي تمخض عنه اجتماع موسع في اليوم الموالي استدعي إليه كبار مسؤولي الأمن والدرك والقوات المساعدة بالاضافة إلى باشا المدينة وقياد الملحقات الادارية الأربع بحضور ممثلين عن مكتب ودادية المجد الذين عرضوا اشكالية ارتباط الباعة المتجولين بساحة الطيران و المعانات الدائمة للسكان أمام تنامي هذه الظاهرة. مصادر مطلعة أكدت للجريدة أن عامل الإقليم حسم في الملف في ذات الإجتماع، حيث أعطى تعليمات صارمة للحيلولة دون استمرار هذه الظاهرة، داعيا كل الأجهزة إلى تكثيف الجهود كل من كوقعه لتحقيق الهدف المنشود والذي حدد له منتصف ليلة الخميس صبيحة الجمعة 24 يوليوز 2009 لبداية التطبيق الميداني للحملة. [COLOR=darkblue]يوم جمعة على صفيح ساخن[/COLOR] الجمعة 24 يوليوز يشهد حراكا غير عادي وحالة استنفار شملت مختلف الأجهزة الأمنية التي جندت لإجلاء الباعة المتجولين بكل من "سويقة الكعدة" وزنقة فاس التي تعتبر الامتداد الجغرافي للأولى. عمليات متابعة على مدار الساعة يجوب خلالها المتجولون بعرباتهم أزقة وشوارع "ساحة الطيران" والخضر والفواكه تتطاير من على العربات لتصل المعادلة إلى ذروتها حيث عمليات الإعتقال وتحرير المحاضر بالعشرات إذ شملت عددا كبيرا من الباعة المصرين على ما يعتبرونه حقهم الطبيعي في كسب قوت يومهم بالحلال. وبغية كسر شوكة الباعة المتجولين عمدت إدارة الأمن الوطني بتنسيق مع السلطة المحلية إلى تخصيص دوريات للمراقبة على مدار الساعة بغية إفشال كل محاولة لإعادة الإنتشار، دوريات أبانت عن نتائج مهمة على حد تعبير عدد من المواطنين خلال الأيام الأولى للحملة لكن سرعان ما أفل نجمها خصوصا بعد ما خرج كل من عامل الاقليم ووالي الأمن الجهوي للإستفادة من العطلة السنوية. عملية المنع التي يتعرض إليها الباعة المتجولون سواء بساحة الطيران أو بزنقة فاس عادة قديمة دأب عليها القياد المتوالون على الملحقتين الاداريتين الثانية والثالثة، عملية المنع عادة ما تكون بالتناوب ففي الوقت الذي يحكم فيه قائد الملحقة الادارية الثانية قبضته ومنعه للبيع بالشارع العام – بزنقة فاس – يتوجه الباعة المتجولون في أمن وأمان إلى نفوذ الملحقة الادارية الثالثة حيث يتغاضى قائدها عن الوفود النازحة، عملية المد والجزر تتحكم فيها بالطبع عملية الابتزاز الجبائي غير الرسمي التي يتعرض لها الباعة وهي التي ساهمت في إضفاء نوع من الشرعية على تواجدهم، ففي مفهومهم الخاص ما دمت أؤدي علي أن أستفيد في صورة تعيد إلى الذاكرة مشاهد من أفلام الفتوات التي كانت تتحكم في رقاب الناس في مصر تحديد قديما. هدنة مؤقتة مؤدى عنها تتبعها حركية للسلطة المحلية لتقوم جميع العربات والقفف بهجرة جماعية إلى نفوذ الجارة الإدارية، زنقة فاس التي تعتبر الامتداد التاريخي لسويقة الكعدة ضاقت بعربات الباعة المتجولين الذين يمكن توزيعه ما بين حاصلين على الرخص المؤقتة لإستغلال الملك العام وما بين المستغلين للملك العام بدون رخصة، ليخلق نقاش في الآونة الأخيرة ما بين مكونات المجتمع المدني حول أهلية المستفيدين من محلات المركب التجاري، نقاش نتج عنه خلاف عميق وصلت تداعياته إلى ردهات المحكمة الادارية بفاس واعتقال عدد من الموظفين المتورطين في عمليات ابتزاز ونصب كان ضحيتها عدد ممن كانت الوعود تسيل لعابهم. [COLOR=darkblue]الباعة المتجولون ... ورقة انتخابية[/COLOR] منذ سنوات والمجالس المنتخبة المتعاقبة على تسيير الشأن العام ما فتأت توظف الكم العددي المتزايد للباعة المتجولين كورقة انتخابية اعتبرت دوما رابحة، فما بين الأعداد المتزايدة لرخص الإستغلال المؤقت للملك العام والوعود التي تشتد لهجة إغراءاتها مع بداية كل محطة انتخابية، من هذا وذاك استمد الباعة المتجولون قوتهم فأصبحوا أكثر تموقعا وحضورا، لكن واقع الحال يؤكد دوما أن للسياسة أوجه يصعب تحسسها جميعها. ففي الوقت الذي تعمل فيه السلطة المحلية بمتابعة الباعة وحجز سلعهم على مدار السنة بشكل موسمي بالطبع، يعطى لهم هامش من الحرية والفوضوية خلال الأشهر القليلة التي تسبق العملية الانتخابية لإستمالتهم إلى هذا الطرف أو ذاك كأوراق انتخابية رابحة، بل الأكثر من ذلك يتزايد عدد الباعة المتجولين بشكل مهول قبيل كل محطة انتخابية وما يواكب هذه الزيادة المهمة من زيادة في جرعة الوعود بالأكشاك والمحلات التجارية بالمركبات المخصصة لصنف معين من المستفيدين ليترامى عليها الأساتذة والداكاترة والمهندسين و حتى -الاعلاميين- خروج السلطة الاقليمية عن المألوف لقي استحسانا من لدن السكان وجميع المواطنين، لكن سرعان ما عادة حليمة إلى عادتها القديمة، لتبقى نسبة نجاح هذه "الحملة" في تراجع يومي خصوصا مع اقتراب شهر رمضان الأبرك وما يعرفه من دينامية تجارية تكون سويقة الكعدة وزنقة فاس قطب رحى فيها. --------------------------------------- [COLOR=darkblue]مقتطف من تحقيق نشر سابقا بجريدة المواطن التازي العدد السابع، شتنبر 2009 [/COLOR]