لقد أصبحت خرجات السيد أحمد عصيد كثيرة ومملة لاجتراره لنفس الأفكار والمصطلحات، لدرجة أننا أصبحنا نعرف ما سيقوله في كل خرجة من خرجاته (الكثيرة)، ولم أجد تشبيها ينطبق على ما يقترفه عصيد في حقنا نحن المغاربة سوى قصة ذلك التلميذ الذي يجيب على أي موضوع كيفما كان بقصة الدودة، حيث أن الأستاذ غيّر نص الموضوع الذي كان يتحدث عن الدودة وطلب من التلاميذ التحدث عن الفيل، فلم يجد التلميذ المسكين المبرمج على موضوع الدودة بدّا سوى الكتابة عن هذا الحيوان الضخم واستهل موضوعه بالفيل حيوان ضخم له خرطوم يشبه الدودة والدودة...
وراح يتكلم عن الدودة وترك صلب الموضوع، وهذا حال صديقنا عصيد، فكيفما كان الموضوع الذي سيتحدث عنه إلا وتكلم عن الإسلام وكأنه سبب مشاكلنا، بل إنني في بعض الأحيان لمّا أقرأ له أجدني في حيرة من أمري، وأحار في أية خانة أصنفه، هل هو عالم اجتماع، أم عالم لغة، أم عالم دين، أم عالم سياسة، أم عالم لا يعلم شيئا، فهو الخبير بكل المواضيع والعارف بها والمطلع عليها، لذا تجده يتكلم في كل شيء إلا أن القاسم المشترك بين كل ما يتحدث فيه الأستاذ العظيم هو الدين، وللحقيقة هي فكرة يتقاسمها عصيد مع العديد من الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مفكرين في مجتمعنا، وللأسف بتنا نحن في نظرهم لا نفقه شيئا، وبعبارة أخرى هم الأساتذة ونحن التلاميذ.
وإليكم آخر ما تفتقت عنه عبقرية الأستاذ عصيد حسب دراسة قام بها هي أن المدرسة المغربية تعمل على تخريج أفواج من المؤمنين، بدل تخريج مواطنين. لم يشرح لنا عصيد ماذا يقصد بالمؤمنين هنا، وبما أن الإيمان يحيلنا على الّدين أسأله سؤالا مباشرا، في أي مدرسة درست يا أحمد؟ وإذا كانت المدرسة المغربية كما قلت تخرج أفواجا من المؤمنين، فلماذا أنت لست منهم؟
وبما أنك مهووس بشيء اسمه الإنفصام فنراك تسقطه مرة على الشعب ومرة على الدولة، ولم تلاحظ أنك تعاني منه، فما معنى تشدقك بحقوق الإنسان الكونية التي مافتئت ترتلها على مسامعنا صباح مساء وكأنها وحي من السماء في حين أنك تصادر حقوق شعب ارتضى الإسلام دينا ومنهاجا له، أما حقوق الإنسان التي تتباكى عليها فقد سبقك إليها هذا الدّين قبل أن توجد أنت فوق هذه الأرض، وهذا لا يعطي لأي كان أن يحجر علينا ويمرر علينا أجنداته كيفما كانت، فإذا كنت تحارب الإيديولوجيا الآتية من الشرق (وهذا لا نختلف فيه معك) فإننا في نفس الوقت نرفض الإيديولوجيا الآتية من الغرب والتي تبشر بها أنت وأمثالك وتلبسونها لبوس العلمانية، فنحن مغاربة لدينا خصوصياتنا ولا نحتاج لاستيراد شيء من الشرق أو الغرب.
إذن فهجومك على التعليم ونعته بأنه ينتج مؤمنين لا معنى له، نعم التعليم في المغرب يعاني من أزمة كبيرة يجب على الجميع أن يعي حجمها ولا يحق لأحد أيّا كان أن يصطاد في الماء العكر ويحاول أن يصور للناس بأن أزمة التعليم توجد في ازدواجية مناهجه المتقلبة مابين منظومتي التقليد والحداثة، لأنه ومن هذا المنطلق يمكننا أن نقوم بدراسة أخرى تدحض ماذهبت إليه ونقول بأن المدرسة المغربية ساهمت في تخريج أناس لا دينيين، لازالت جامعاتنا وشوارعنا تعج بهم، فغياب التأطير الديني هو الذي ساهم في ظهور هذه النماذج التي ظنت أنها وصلت إلى مستويات من العلم لم يصله أحد غيرها، لذلك تجدهم يكتبون هنا وهناك ويلقون محاضرات هنا وهناك ويتكلمون وكأنهم المالكون للحقيقة ونحن مجرد مرضى بالانفصام والنفاق وجميع الأمراض التي لا يراها غيرهم، على الرغم بأن الحقيقة عكس ذلك، مثلهم مثل ذلك الشخص الذي اعتلى قمة جبل يتراءى له الناس صغارا جدا بينما الناس لا يرونه على قمة الجبل لضالة حجمه.
المدرسة الوطنية خرّجت أناسا مشهود لهم بالعلم والكفاءة، كما تخرج منها متطرفون وملحدون... فجميع النماذج تخرجت من المدرسة المغربية لكن هذا لا يعني أنها مشتلا لتفريخ عينة دون أخرى، فمشكلتها تكمن في نواحي أخرى وليس فيما ذهبت إليه أنت يا سيد أحمد.
إذن، وحتى تكون منسجما مع نفسك ومع المنهج العلمي الذي تدّعي الانتماء إليه أرجو أن تتخلص من عقدة الدودة، فلا معنى أن تلصق جميع المصائب والمشاكل التي نعاني منها إلى الإسلام والمسلمين.