أحمد عجيبة * تتميز جرائم الحرائق بالوسيلة التي يستخدمها الجاني، حيث يستعين فيها على تحقيق أهدافه بقوة من قوى الطبيعة المدمرة وهي فوق ذلك قوة عمياء متى أطلقها خرجت عن طوق إرادته، ولم يعد في وسعه كبحها ولا تقدير النتائج التي تؤدي إليها.
تعرضت بالذكر إلى تلك الجرائم الفصول 580-581-582-583-592 من القانون الجنائي، وبالرجوع إلى الفصل 580 نجده ينص على ما يلي:
من أوقد النار عمدا في مبنى أو بيت أو مسكن أو مأوى ثابت أو متنقل أو باخرة أو سفينة أو متجر أو ورش إذا كانت هذه المحلات مسكونة أو معدة للسكنى وعلى العموم في أي مكان آخر مسكون أو معد للسكنى سواء كان مملكا له أو لغيره يعاقب بالإعدام.
ويعاقب بنفس العقوبة من أوقد النار عمدا في ناقلات أو طائرات أو عربات بها أشخاص أو في عربات ليس بها أحد يكون جزء من قافلة بها أشخاص .
إن جناية إضرام النار عمدا التي يقوم بارتكابها شخص لأسباب مختلفة بالتسبب في كارثة، لا يمكنه أن يحدد بصفة خاصة الخسائر الناجمة عنها ولا أن يحد من نتائجها، يمكن أن تعتبر جريمة ضد الأمن العام.
والوسيلة المستعملة لإضرام النار لا تهم، كما أن المشرع لم ينص على وسائل مخصوصة ويشترط الفصل المذكور أن يتم إضرام النار في مبنى أو مسكن أو خيمة أو مأوى ثابت أو متنقل، ونص الشارع بعد ذلك بقوله على العموم أي محل آخر مسكون أو معد للسكنى سواء كان له أو لغيره، ونرى أن عبارة (على العموم) هذه الواردة في الفصل تجعل من التعداد الوارد في الحالة الأولى أمرا لا لزوم له، فالذي يميز الجريمة المشار إليها في الفصل 580 هو أن يتم إضرام النار في محل مسكون أو معد للسكنى وهذا هو سبب تشديد العقاب في الفصل المذكور. ولتعريف المسكن، يجب الرجوع إلى الفصل 511 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه يعد منزلا مسكونا كل مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى ثابت أو متنقل سواء كان مسكونا فعلا أو معدا للسكنى وكذلك جميع ملحقاته كالساحات وحظائر الدواجن والخزين والإسطبل أو أية بناية داخلية في نطاقه مهما كان استعمالها، حتى ولو كان لها سياج خاص بها داخل السياج الحائط العام. وليس من الضرور أن يكون المحل مسكونا بالفعل عند نشوب الحريق والمقصود بالعربات في الفصل المذكور عربات السكك الحديدية ولا يدخل من ثم في حكم ذلك الفصل إضرام النار في العربات التي تسير في الطرق العادية كعربات الحمل التي تقودها الحيوانات والسيارات ويعاقب القانون على إضرام النار في الشيء المملوك للغير وكذا في الشيء المملوك للفاعل وذلك على خلاف القاعدة الأصلية التي تقتضي أن يكون للمالك حرية التصرف في ملكه بكافة أنواع التصرف ومنها الإتلاف لأن الذي يحرص عليه القانون في هذه الحالة أن لا يمس ساكني ذلك المكان ضرر بسبب الحريق، ومن المسلم به أن حق الملك حق مقيد لا مطلق وأن المالك مسؤول عن تصرفاته في ملكه التي يترتب عليها ضرر الغير.
أما الفصل 581 من القانون الجنائي فينص على أنه يعاقب بالسجن من عشرة إلى عشرين سنة من أوقد النار عمدا في شيء غير مملوك له من الأشياء التالية:
مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى غير ثابت أو متنقل أو باخرة أو سفينة أو ورش أو متجر إذا كان غير مسكون ولا معد للسكنى.
ناقلة أو طائرة ليس بها أشخاص غابات أو أخشاب مقطوعة أو موضوعة في حزام أو أكوام مزروعات قاذة أو تبن أو قش أو محصول موضوعة في حزام أو أكوام عربات فارغة أو عامرة ببضائع النار عمدا في أشياء مملوكة للغير. وترى أن التعداد الوارد في هذا الفصل جاء علي سبيل الحصر بخلاف التعداد الوارد في الفصل 580 ومن ثم لا يجوز التوسع في تفسير ألفاظ هذا الفصل.
ومفهوم كون الشيء مملوكا للغير لا يمنع من اعتبار الجريمة كاملة العناصر إذا ارتكبها أحد الملاك على الشيوع أو صاحب حق انتفاع أو مكتر لم يكن له على الملك إلا حق يحد من مداء حق شخص آخر. والأخشاب التي حولتها يد الصناعة إلى أثاث أو ما أشبه ذلك لا تدخل في هذا الفصل.
أما الفصل 585 فينص على أنه من أوقد نارا عمدا أو أمر بذلك في شيء مملوك له من الأشياء المعدودة في الفصل السابق وسبب بذلك لغيره ضررا أيا كان عن عمد، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وتطبق نفس العقوبة على من أوقد النار بناء على أمر المالك في هذه الحالة.
أول ملاحظة يثيرها هذا الفصل هو أن العقوبة المخصصة بالذي يضرم النار في الشيء المملوك له أخف من العقوبة المقررة لمن يضرم النار في شيء مملوك لغيره كما يجب تفسير كلمة أمر الواردة في الفصل المذكور تفسيرا واسعا فلا تقصر على الحالة التي يأمر فيها المالك خادمه مثلا، بإضرام النار عمدا بل تشمل أيضا كل صور التحريض الأخرى كالرجاء، والإغراء وما شابه ذلك والمشرع لم يعين في الفصل المذكور نوع الضرر الذي يستوجب العقاب ولا درجته، وإنما يجب أن يكون الضرر حقيقيا وقابلا للتقدير ومباشرا وإذا انعدم الضرر فلا عقاب لانعدام أحد أركان الجريمة. أما الفصل 583 فينص على أنه من أوقد النار عمدا في أي شيء أيا كان مملوكا له أولا، موضوع بشكل يسمح بانتقال الحريق، فحرق بسبب هذا الاتصال مالا مملوكا من الأموال المعدودة في الفصل 581 يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، هذا الفصل يتعلق بصورة خاصة من صور إضرام النار عمدا ففي هذه الصورة يعمد الجاني إلى ارتكاب جريمة إضرام النار بطريقة غير مباشرة يوقدها في شيء آخر لتصل منه بواسطة الشيء المراد إحراقه الذي يجب أن يكون من الأموال المعدودة في الفصل 581.
ويشترط هذا الفصل أن يكون الضرر الذي لحق الغير حريقا، وليس من الضروري لتطبيق هذا الفصل أن تكون الأشياء قد وضعت من طرف الفاعل فقد يضعها الغير دون نية إجرامية وهذه الجريمة هي المعروفة في القانون الفرنسي بجريمة الحريق بالتوصل Incendie par communication
وينص الفصل 584 على ظروف التشديد في الحالة التي يترتب فيها عند الحريق الذي يحدث ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل من 581 إلى 583 موت أو جرح أو عاهة دائمة، حيث نرى أن الفصل 584 لا يشترط أن يحصل الموت في مكان الحريق بل يكفي أن يكون الموت قد نشأ عن الحريق. * نائب الوكيل العام للملك لدى استئنافية مكناس ** نشر سابقا على الأحداث المغربية