حكومة بنكيران تشبه المرأة الحامل، فلا هي تعرف هل ستضع بشكل طبيعي أم ستحتاج إلى تدخل طبيب للولادة عبر عملية قيصرية، لكن أصبح اليوم الكل ينتظرها وقد طالت مدة الانتظار وطال المخاض، وإذا كان ميلادها عسيرا فإن رعايتها وتربيتها ستكون أعسر. فهي مطالبة بالمرور مباشرة إلى السرعة القصوى لتحقيق وعودها التي قدمتها للمغاربة، والمغربي لا يفهم بلغة الكلام ولكن يفهم بلغة الإنجاز. فبنكيران أدخلنا في متاهة وعليه أن يخرجنا منها. حالة الترقب تعيش بلادنا حالة من الترقب لا مثيل لها، حالة مصحوبة بالآمال العريضة من جهة وبالخوف والتوتر من جهة أخرى، فالمغرب أصبح مفتوحا على آفاق واعدة وكبرى مرتبطة بالتدبير الجيد وبالحكومة الجيدة لكن إذا ما كانت مرتبطة بالحكامة الجيدة، والحكامة أداة لضبط وتوجيه وتسيير التوجهات الاستراتيجية الكبرى للحكومة، وأسلوب جديد في التدبير يدعم تذويب الحدود وتشجيع التشارك بين الوزارات والقطاعات والمجتمع المدني والمواطنين. وتتوخى حسن التنظيم وتوزيع المسؤوليات وصقل القدرات ودعم التواصل داخليا وخارجيا. والحكامة تعبير عن ممارسة الحكومة وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده المادية والمالية والبشرية. كما أن حالة الترقب يصاحبها الخوف والتوتر من المستقبل، خصوصا إذا كان المستقبل مفتوحا على مغامرات غير محسوبة لم يخفف من حدتها سوى الوجود القوي لبناء الدولة والتي لا تعتبر الحكومة إلا جزءا منها وليست كلا، وحالة الترقب والخوف تمتد أفقيا وعموديا، عبر عنها بعض رجال الأعمال بتهريب رساميلهم إلى الخارج حيث أكدت بعض الإحصائيات أنها بلغت 124 مليار درهم مع بداية الحراك الشعبي، وقد يكبر هذا الرقم مع وصول العدالة والتنمية للحكومة، وعبر عنه المواطنون البسطاء بتخوفهم من المستقبل ومن برنامج فيه من الوعود الشيء الكثير دون أن تظهر آثاره على مستوى تشكيل الحكومة التي شكل تأخرها قلقا لفئات عريضة من المجتمع. 20 فبراير منذ 10 أشهر والمغرب يعيش على وقع خروج متفرق في الزمن لحركة 20 فبراير، وهي حركة أسسها شباب بالموقع الاجتماعي فايسبوك، وخرجت إلى الشارع في مسيرة يوم 20 فبراير، تأثرت بثورتي تونس ومصر، وتطالب بعدة تغييرات بالمغرب أبرزها ترسيخ ملكية برلمانية، وصياغة دستور جديد، وإسقاط الفساد. انضمت إليها بعد ذلك عدد من التنظيمات والجمعيات الحقوقية والشخصيات العامة، من تيارات ومرجعيات سياسية وعقائدية مختلفة، ونظمت مسيرات ووقفات احتجاجية، وهيمنت عليها بعد ذلك جماعة العدل والإحسان، التي انسحبت منها في ظروف غامضة وحزب النهج الديمقراطي اليساري، وشكلت تحركاتها مصدرا للمخاوف. مما دعا إلى تأسيس جمعيات مناهضة للحركة دعت إلى "ضرورة انتباه المغاربة إلى الظرف الدقيق الذي نعيشه، وبأنه ومنذ بدأت حركة التغيير في العالم العربي رافعة لشعار، "الشعب يريد"، والشعب يريد أشياء كثيرة، فلما يخرج الشعب المغربي عن بكرة أبيه من حقه أن يرفع الشعار الذي يريد، لكن أن تخرج مجموعة صغيرة فليس من حقها أن ترفع هذا الشعار، لأننا نعلم أن هناك من احترف المتاجرة في مآسي الشعوب ويستغل الظرف ولهذا الأساس رفع مغاربة آخرون شعار "متهدرش بسميتي". وكتبنا سابقا نقول "كنا ننتظر أن يقدم المخزن على إجهاض حركة 20 فبراير، كما كان الشأن معمولا به في عهد إدريس البصري، لكن يبدو أن المخزن كان ذكيا وترك جماعة العدل والإحسان والنهج الديمقراطي وبقايا اليسار، شيوخ السياسة والدين، المتاجرين في المبادئ يجهضون الحركة الشبابية ل20 فبراير، وهي التي سارت في طريق أخرى غير الشعب يريد إسقاط الفساد". خطاب 9 مارس أحيى خطاب التاسع من مارس الذي لخص فيه الملك محمد السادس مبادئ ثورة جديدة مشتركة مع الشعب آمالا كبيرة لدى المغاربة حيث أكد على "ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب. والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه. وتوطيد مبدإ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، وبرلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية. وحكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب. وتكريس تعيين رئيس من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. وتقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي. ودسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصته. وتعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني. وتقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة. ودسترة هيآت الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات"، وقد شرع المغرب في تنزيل هذه المبادئ التي تضمنها الدستور الجديد مع تعيين عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية رئيسا للحكومة. تفجير أركانة وفي غمرة الأمل المفتوح الذي عاشه المغاربة والمصحوب بالترقب الحذر عرف المغرب حالة استثنائية، تتعلق بتفجير مقهى أرڭانة، استهدف العمل الإرهابي المقهى بمدينة مراكش عبر انفجار قوي بواسطة وضع مادة متفجرة داخلها، وهو العمل الإرهابي الوحيد الذي تم تسجيله، وتم إلقاء القبض بسرعة على الجناة وفي ظرف قياسي. وبالنظر للأحداث التي عرفها المغرب وبالنظر للحراك الشعبي، الذي صاحبته بعض الأحيان أعمال تخريبية، فإن وقوع هذا الحدث ليس في شيء بالنظر للمجهود الكبير الذي أصبح ملقى على عاتق القوات العمومية، من أجهزة أمنية ومكافحة الشغب، وغيرها والتي أصبحت تراقب الشارع إلى درجات إرهاق بعض عناصرها بل غالبهم لم ينعم بالعطلة الأسبوعية منذ أشهر، فيبقى تفجير أرڭانة امتحانا أكد يقظة المغرب الذي لا يمكن أن يلهيه شيء عن ضمان الاستقرار للمواطنين وضمان أمنهم وأمن ممتلكاتهم. حكومة تصريف الأعمال نص الدستور الجديد على أن الحكومة الحالية تستمر في ممارسة تصريف المهام اليومية للمواطن وتدبير الشأن العام إلى حين انتخاب مجلس نواب جديد وتشكيل حكومة جديدة، لأن الفراغ ممنوع في تدبير الشأن العام، لكن استمرار حكومة تصريف الأعمال لمدة أطول قد يضر بمصالح المغرب الاستراتيجية، لأن حكومة تصريف الأعمال ليس بيدها صلاحيات إقرار وتبني المشاريع الكبرى بل مهمتها منحصرة في تدبير الشأن اليومي. وكلما طال أمد حكومة الاستثناء كلما ازداد توتر المواطن المغربي الذي يريد أن يرى ثمار دستوره الجديد، وليرى أمامه حكومة يكون قادرا على محاسبتها وقد يكون الحساب عسيرا. الانتخابات شكلت الانتخابات محطة مهمة في هذه اللحظة التاريخية، حيث تعتبر أول انتخابات في ظل دستور العهد الجديد، وهو أول دستور يتم كتابته بشراكة بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي من خلال قواه السياسية والمدنية، من أحزاب سياسية وهيئات ومنظمات حقوقية وجمعيات مدنية وتم الإنصات حتى لقيادات من حركة 20 فبراير، وما دامت الانتخابات هي الأولى من نوعها بهذه الصيغة فقد شكلت مدار اهتمام الأحزاب السياسية والمواطنين. لكن بعض الأحزاب مثل العدالة والتنمية استغلت الإعداد للانتخابات فعطلت عجلة إخراج القوانين الانتخابية واستفادت من ذلك كثيرا إذ أظهرت أن الكل ضدها. ورغم التشكيكات القبلية في نتائج وظروف الانتخابات، فإنها مرت بشفافية ونزاهة بشهادة الجميع، باستثناءات قليلة منها نزول المال الحرام في بعض الجهات واستعمال الخطاب الديني من قبل بعض المرشحين. لكن بالجملة، الانتخابات كانت نزيهة وأفرزت صناديق الاقتراع ما أفرزت وعلى ضوئها تم تعيين بنكيران رئيسا للحكومة وشرع في تشكيلها. مفاوضات تشكيل الحكومة أبرزت المفاوضات التي جرت حول تشكيل الحكومة أن الأحزاب السياسية بمن فيها الحزب الذي حاز الرتبة الأولى لم تستوعب الدروس، ورغم أن الملك سارع هو الأول إلى التأويل الديمقراطي للدستور من خلال تعيين بنكيران رئيسا للحكومة بدلا من شخص آخر من الحزب، فإن الحزب الأغلبي وحلفاؤه فضلوا الاستمرار في النهج القديم والتسابق نحو الوزارات والاستئثار بالقطاعات. متاهة بنيكران أدخلنا بنكيران في متاهة كبيرة، فبعد 10 أشهر من الركود الاقتصادي ها نحن دخلنا مرحلة الركود السياسي، فأصبح المغاربة كل يوم ينتجون حكومة ويطيحون بها وينتجون المعلومة ونقيضها في غياب المعلومة الحقيقية، والتأخير الذي عرفه تشكيل الحكومة لم يكن في صالحها حتى لو كان منطقيا، ولو اعتمد بنكيران التأويل الديمقراطي للدستور لشكل حكومته بسهولة، لكنه اختار الطريق الأصعب، ألا وهو طريق جني الثمار بعد ثلاثين عاما من الوجود الدعوي والسياسي أو هما معا. تحديات الحكومة تواجه حكومة عبد الإله بنكيران المقبلة تحديات اقتصادية كبرى تتجلى في عجز الميزان التجاري والدين العام، وستواجه الحكومة صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة تحتاج منها إلى خطة واضحة لرفع التحدي، خصوصا مع إلغاء اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي ودخول اتفاقية التبادل الحر حيز التنفيذ مما سيحرم الخزينة العامة من عائدات الجمارك على مجموعة من البضائع. وقد بلغ حجم الواردات في الشهور الإحدى عشر المنقضية من السنة الجارية 321 مليار درهم مقابل 155 بالنسبة للصادرات، ومثلت قطاعات الفوسفاط والنسيج والسيارات الصناعية والسياحة أهم صادرات المغرب في حين ما زالت فاتورات البترول والأغذية تثقل كاهل الميزانية، فيمثل العجز إذن 166 مليار درهم حسب الأرقام الرسمية لمكتب الصرف، وتعود وضعية العجز إلى ارتفاع الواردات بحوالي 20 % مقابل نظيرتها السنة الماضية، وقد ضخ المغرب حوالي 32 مليار درهم من أجل تسوية وضعية الواردات مقارنة مع السنة الماضية. ويكون العجز في الميزان التجاري عندما يكون حجم التصدير في دولة معينة أقل من حجم الاستيراد، أو لا يغطي حجم الاستيراد لهذه الدولة، وهو ما يحدث عنه عجز في الميزان التجاري للدولة. خطوة البناء المغاربة لم يعد يهمهم اليوم شكل الحكومة وإيديولوجيتها، بقدر ما يهمهم برنامجها ويهمهم أكثر أن يروا بداية تنفيذ البرنامج. "طلقونا لفراجة" هذه العبارة يرددها سائق الطاكسي وبائع المواد الغذائية والمعلم والموظف والعامل. كل فئات الشعب تنتظر وتترقب. لها أمل كبير في المستقبل لكنها خائفة من أن يكون المستقبل ملخصا في المثل العربي القديم "ليس في القنافد أملس". المغاربة ينتظرون أن تمر حالة الركود الشاملة إلى المرحلة الثانية من الحراك، يريدون حكومة تخلخل الواقع يريدون البناء، بناء مغرب الديمقراطية والرفاهية.