"وزارة التعليم" تعلن تسوية بعض الوضعيات الإدارية والمالية للموظفين    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    العمراني : المغرب يؤكد عزمه تعزيز التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تنصيب ترامب    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في إصدار الاخفاق الاجتماعي بين الجنس، الدين و الجريمة
نشر في تازا سيتي يوم 30 - 06 - 2011


عزيز باكوش *
أصدر الباحث المغربي في علم الاجتماع الدكتور عياد أبلال كتابا بعنوان " الاخفاق الاجتماعي بين الجنس،الدين والجريمة " المنجز العلمي المومأ إليه جاء في 245 صفحة من القطع المتوسط صممت لوحة غلافه الفنانة التشكيلية بشرى الغالي " امريكا" واخرجه احمد عبد المقصود وصدر عن روافد للنشر والتوزيع بالقاهرة . ويتشكل هذا الكتاب الذي يعتبر في الحقيقة مجموعة من المقالات والمداخلات التي قدمها الباحث في مناسبات فكرية وثقافية، بالإضافة إلى مجموعة من الحوارات أنجزها لصالح مجلات وجرائد مغربية وعربية، خاصة أمام الحاجة الملحة للطلب الاجتماعي المتزايد على ضرورة معرفة هذه الظواهر معرفة سوسيولوجية وأنثربولوجية كفيلة ببناء قوة اقتراحية على المستويين الاجتماعي والسياسي، والتي يلعب الإعلام في بلورتها تداوليًّا دورًا مهمًا، وحسب الكاتب فإن فكرة هذا الكتاب جاءت برغبة من عدد من الأصدقاء الصحفيين وبعض الباحثين في وقت أصبحت الحاجة ملحة لتفكيك مناطق العتمة التي تشكل بؤرة هذه الظواهر في ارتباطها بالطابو المحرم الحديث عنه.
يبقى الهدف هو خلق مساحة من السجال والحوار الفكريين، خاصة وأن الباحث لا يبتغي -كما لا يدعي- إطلاقية الحقيقة والقول الفصل؛ إذ يقر أن الحقيقة نسبية كما هو شأن معرفته . إن أساس هذا الكتاب في تشكله هو حوارات ومداخلات رابطها الأساس هو الإخفاق الاجتماعي وتمظهراته في مجالات الجنس والجنسانية بشكل عام، والدين والجريمة.
يتشكل هذا الإصدار العلمي القيم من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة. في الفصل الاول يناقش الباحث الجنسانية بين حلم التحرر والهيمنة الذكورية ويقارب في الفصل الثاني الدين بين البعد الأرثودوكسي والتطبيقات الشعبية :التجليات الاجتماعية والسياسية أما الفصل الثالث فيسلط الضوء فيه على العنف بين الجريمة والارهاب .
في مقدمة الكتاب يعتبر الباحث المغربي عياد أبلال الإخفاق الاجتماعي الخلفية المرجعية لما يعيشه اليوم الوطن العربي من ظواهر اجتماعية تؤرق بال الباحث الاجتماعي، مثلما تؤرق بال المسئولين في مختلف دواليب الدولة على مستوى الرسمي، ومختلف هيئات وجمعيات المجتمع المدني، باختلاف وجهات النظر، ويرى أن هذه الأطراف تشكل في حقيقة الأمر الأرضية الخصبة للحوار الديموقراطي كمدخل أساسي للتنمية البشرية في مختلف أبعادها الاجتماعية، الثقافية والسياسية،لكن شريطة أن يكون هذا الحوار قاعدة لمقاربة تشاركية.
فإذا كانت مهمة الباحث الاجتماعي برؤية الباحث إبلال هي بسط مشمول هذه الظواهر للدراسة والتحليل، فإن نتائجه واستخلاصاته النظرية والتطبيقية تبقى رهينة مدى حيوية المجتمع المدني والإعلام في محاججة مختلف الهئات الرسمية على مستوى الدولة في إطار خطاب تواصلي يبتغي تفكيك هذه الظواهر وتصحيح مسار المجتمع على مستوى الأداء الوظيفي الجيد لمختلف أنساقه المشكّلة للفعل الاجتماعي.
ويبرز عياد كيف يشكل الإخفاق الاجتماعي الناظم المركزي لمشمول الظواهر الاجتماعية التي تجد تجلياتها على مستوى المجتمع في حالة السلوكات الفردية منها والجماعية المنفلتة عن النموذج السلوكي المقبول اجتماعيًّا أو ما يسميه بالراديغم (Paradigme)، حيث تحدد درجة هذا الإخفاق درجة وطبيعة هذه السلوكات ومن ثم هذه الظواهر، فمن الظواهر المرتبطة بالجنس، الدم، إلى الإرهاب كدرجة قصوى للعنف والجريمة ويتشكل هذا الكتاب الذي يعتبر في الحقيقة مجموعة من المقالات والمداخلات التي قدمت في مناسبات فكرية وثقافية، بالإضافة إلى مجموعة من الحوارات لصالح مجلات وجرائد مغربية وعربية، خاصة أمام الحاجة الملحة للطلب الاجتماعي المتزايد على ضرورة معرفة هذه الظواهر معرفة سوسيولوجية وأنثربولوجية كفيلة ببناء قوة اقتراحية على المستويين الاجتماعي والسياسي، والتي يلعب الإعلام في بلورتها تداوليًّا دورًا مهمًا، إذ أن فكرة هذا الكتاب في حد ذاته جاءت برغبة من عدد من الأصدقاء الصحفيين وبعض الباحثين في وقت أصبحت الحاجة ملحة لتفكيك مناطق العتمة التي تشكل بؤرة هذه الظواهر في ارتباطها بالطابو المحرم الحديث عنه.
نظريًّا، ومن وجهة نظر الوظيفية يعتبر المجتمع -في حالة التوازن- الخلفية النظرية لكل تحليل سوسيولوجي يبتغي دراسة الظواهر الاجتماعية دراسة موضوعية، على اعتبار أن حالة التوازن هذه هي حالة المجتمع في صورته النموذجية، أو لنقل المثالية، باعتبارها الحالة التي تضمن وظيفيًّا الأمن والأمان للفرد والجماعة. من هذا المنطلق النظري حاولنا مقاربة مختلف الظواهر المرتبطة بالجنس/ والجنسانية على اعتبار مركزية هذه الظواهر في الحياة اليومية لكل المجتمعات العربية؛ إذ الجنس في إطار الكبت والاستبعاد الاجتماعي المؤسس على الهيمنة الذكورية كتجلّ موضوعي للفحولة الرجالية المتخيلة يشكل عاملاً أساسيًا من عوامل الانفجار الجنسي الذي يشهده العالم العربي اليوم، والذي من جملة تجلياته "الاغتصاب، وزنا المحارم، والعنف الأسري.. إلخ". وما دامت الأسرة هي اللبنة الأساس في البناء المجتمعي السليم، فإن قضايا الجنس تعتبر ذات أهمية جوهرية، خاصة وأن الجنس يعد طاقة بيوثقافية قابلة للانفجار.
إن الجريمة كشكل من أشكال العنف هي نتاج الخلل الوظيفي في أداء الأنساق المشكلة للفعل الاجتماعي، وإذا كانت الجريمة في الوطن العربي مرتبطة بشكل كبير بالفعل الاجتماعي الفردي، فإن هذا الفعل ما هو في نهاية التحليل سوى النتيجة الموضوعية للخلل الذي يصيب نسق الشخصية، والنسق الثقافي. وسواء تعلق الأمر بالعنف المرتبط بالجنس/الجنسانية، وعلاقات الدم، أو بالحيف والاستبعاد الاجتماعي مثلما هي الحال بالنسبة إلى جرائم السرقة، والعنف الأسري أو العنف في الشارع العام، أو ارتبط بالإرهاب باعتباره الحد الأقصى للعنف، فإن الدين في بعده الاجتماعي والثقافي يبقى الوسيط التحليلي والخلفية المرجعية للظواهر الاجتماعية في وطننا العربي عامة والمغربي خاصة.
فالهيمنة الذكورية ترتبط بفهم خاصٍ للدين؛ حيث يسيج التفكير الديني مساحة العلاقة بين الجنسين، والحكم -مثلما هي الحال بالنسبة إلى السياسة في الوطن العربي- يرتكز على خلفية دينية واضحة، يتحول من خلالها عنف الدولة من عنف مرتبط بغياب الديموقراطية والحوار إلى عنف مبرر أيديولوجيًا كحل موضوعي لاجتناب الفتنة، وبذلك تنتصب الفوارق الاجتماعية ما بين الطبقات والشرائح الاجتماعية كتجلٍّ صارخ للقدرية؛ حيث إن التحول الاجتماعي والإصلاح السياسي أصبح مرتبطًا في المتخيل الشعبي بالقضاء والقدر. ليأتي الإرهاب ضمن هذا الأفق باعتباره نتيجة صريحة للإخفاق الاجتماعي والسياسي تعبيرًا عن الخطاب التنازعي الذي بات اليوم يجمع جماعات الإسلام السياسي التكفيرية بالدولة التي تنازعها هذه الأخيرة الشرعية. وبطبيعة الحال وفق فهم معين للدين يبتغي المرور من مجتمعات الطاغوت -حسب قاموس هذه الجماعات- إلى مجتمع العدالة الاجتماعية والصلاح، في إطار أيديولوجية دينية مرتبطة بفهم أورطودوكسي للدين الذي لن ينفصل سياسيًا عن الدولة الإسلامية، التي تعتبر إيران الخميني إحدى أهم تجلياتها. وسواء كان الإرهاب مرتبطًا بالفرد أو الجماعة على مستوى التخطيط والتنفيذ، أو كان مرتبطًا بالمتغيرات الدولية وصراع الحضارات والديانات، ومنطق الليبرالية المتوحشة، فإنه يبقى في الأخير تعبيرًا عن الخلل الوظيفي في أداء الأنساق المشكلة للفعل الاجتماعي.
إن النموذج المثالي للمجتمع في حالة التوازن، والذي نفهم على ضوئه حجم الانزياح الأنومي عن البراديغم لا يستقيم والتحليل السوسيولوجي العميق إلا بدراسة وضعية اللاتوزان التي يصبح عليها المجتمع في حالة الظواهر الاجتماعية التي أشرنا إليها أعلاه، ولذلك حاولنا أن ندرس هذه الأخيرة وفق نظرية الصراع التي جاءت لتتمم حالة النقص التي سجلها عدد من السوسيولوجيين على النظرية الوظيفية. من هذا المنطلق يعتبر هذا الكتاب على المستوى النظري والمنهجي بسطًا بيداغوجيًا وعلميًا لعدد من النظريات السوسيولوجية وخاصة النظرية الوظيفية، من جهة، وتحليلاً لعدد من الظواهر المرتبطة بالمعيش اليومي العربي عامة والمغربي على الخصوص في تجلياتها التطبيقية المتعلقة بالجنس، العنف والدين من جهة أخرى.
إن تواضع الكتاب في حد ذاته حقيقة موضوعية لا نخفيها، ولو أننا نطمح إلى رضا القارئ العربي طموحنا إلى نيل أجر المجتهد على الأقل، ما دمنا لا نبتغي من وراء هذا الكتاب سوى خلق مساحة من الحوار والسجال بين جمهور الطلبة والباحثين والقراء المنشغلين بقضايا وإشكالات المجتمع العربي المعاصر.
ويخلص الباحث الدكتور عياد أبلال إلى رصد مختلف الظواهر الاجتماعية التي يتمظهر من خلالها الإخفاق الاجتماعي على المستوى الفردي والثنائي، كما هي الحال بالنسبة إلى المستوى الجماعي، محاولا تسييج العوامل والأسباب الكامنة وراء كل ظاهرة من هذه الظواهر الاجتماعية في إطار نظري سوسيولوجي يمتح أهم مؤسساته المفاهيمية والمنهجية من التحليل الماكرو سوسيولوجي من جهة، والتحليل الميكرو سوسيولوجي من جهة ثانية في أفق معالجة تبتغي ربط الظاهرة بمختلف خلفياتها المرجعية، وعرض مجموع الأنساق المتحكمة في بروزها. وقد كانت في هذا السياق النظرية الوظيفية، من خلال (بارسونز) أبرز خلفية نظرية مكنت الكاتب من تفكيك مساحة العتمة والخفاء التي باتت تميز الطابو في الوطن العربي بشكل عام والمغرب بشكل خاص؛ حيث الجنس والدين بؤرة هذا الطابو المركزية.

من هذا المنطلق، حاول الباحث في علم الاجتماع عبر الفصل الأول: (الجنسانية بين حلم التحرر والهيمنة الذكورية) تحليل عدد من القضايا والإشكاليات سواء من خلال حوارات قام بمراجعتها وتطعيمها بما تقتضي مستلزمات الكتاب وضروراته المنهجية، أو عبر مداخلات كان قد ساهم بها في مناسبات فكرية، والتي يعد جزء منها ثمرة دراسات ميدانية، كما هي الحال بالنسبة إلى الزواج المختلط بالأجانب من الغربيين. هكذا قام الدكتور أبلال بتشريح الجنسانية في الثقافة والاجتماع العربيين، والمرتكزة أساسًا على مفهومين محوريين: الهيمنة الذكورية، والفحولة المتخيَّلة؛ حيث كانا بحق الناظم المركزي للعلاقات بين الجنسين في ظل جنسانية مغلقة إلى حد أن حلم التحرر أصبح من أولويات الحركات النسائية في العالم العربي. وإن كانت هناك محاولات جريئة على المستوى التشريعي كما هي الحال بالنسبة إلى تونس، فإن مدونة الأسرة الجديدة بالمغرب في حداثيتها عربيًا شكلت أحد أهم المداخل الأساسية لتفكيك هذه الجنسانية. لم يكن من الممكن والحالة هذه تفكيك مجموع المفاهيم الإجرائية المشكلة لخطاطة التواصل بين الجنسين إلا بردها إلى أساسها المرجعي؛ حيث التمييز بين الثنائي المفهومي: الذكر/الأنثى، الرجل/المرأة بات مسعًى لا مندوحة للباحث الاجتماعي عنه لفهم طبيعة البناء الثقافي لمفهومي الرجولة والأنوثة، وهو ما انتبهت إليه المقاربة الجندرية في التنمية كمحاولة منها لإنصاف النساء.
ولما كان الأدب شديد الارتباط بالمجتمع، بالرغم من بعده التخييلي، فقد حاول الباحث أبلال رصد الهندسة الاجتماعية للجنس كأساس نظري لتفكيك الجنسانية من خلال قراءة سوسيولوجية لرواية (محمد شكري) (الخبز الحافي) التي اعتبرها نموذجًا للتحليل فقط، لأن مدونة السرد العربي غنية بروايات ذات أهمية في هذا السياق. وقد خلص الباحث من خلال هذه الرواية إلى أن التمثلات الاجتماعية الذكورية حول المرأة لا تنفصل عن منظومة فكرية عربية أساسها الحكم الجاهز والمسكوك بخصوص المراة/الجنس/الشبق، وهي في ذلك لا تنفصل عن القراءة الذكورية الأيدولوجية والأصولية للنص الديني في ارتباطها بالفهم الميتولوجي السابق عن الإسلام.
إن حتمية التغيير المجتمعي حسب عياد أبلال جعلت تجليات هذه الجنسانية ذاتها تعرف تحولات اجتماعية وثقافية مهولة برزت من خلالها خطاطة تواصلية جديدة بين الجنسين، كانت بحق الخلفية الاجتماعية لظهور أشكال اقترانية معاصرة: (التساكن، والزواج بدون عقود، والزواج المختلط، والأمهات العازبات...)؛ حيث استوى الزواج كما هو متعارف عليه اجتماعيًّا مجرد شكل من أشكال إضفاء طابع الشرعية الدينية على الجنس باعتبار هذا الأخير طاقة بيوثقافية أصبحت في توترها الكامن معضلة تتهدد العالم العربي بالانفجار الذي بدأنا نشهد اليوم إرهاصاته الأولى من خلال الثورة التي بات الجسد يعرفها من خلال زمن الصورة الحالي.
في هذا السياق يأتي الإخفاق الاجتماعي وعلى كافة المستويات في مقدمة العوامل المولدة لهذه الأشكال الاقترانية الجديدة، فمن الزواج بدون عقود كعنوان بارز للحق في الجنس، إلى الزواج المبكر، والزواج المختلط بالأجانب من الغربيين الذين يعلنون إسلامهم شكليًّا لتتمة إجراءات الزواج قانونيًّا تنبجس مفارقة قوية بين الدين في بُعْده التشريعي الثابت والواقع الاجتماعي في تحولاته المتجددة والمستمرة، بما يضمر كل ذلك من نقاش فقهي مُغَيب حول النقص الحاصل في المذهب المالكي مقارنة مع الحنبلي أو الحنفي، أو مقارنة برؤية الشيعة الجنسانية لزواج المتعة، وهكذا.
في إطار نفس المفارقة حاولت مدونة الأسرة الجديدة بالمغرب تلافي بعض تمظهرات هذه المفارقة من خلال اعترافها الضمني بالأمهات العازبات اللائي أصبح من حقهن انتزاع الهوية الشرعية لأبنائهن من خلال اسم الأب البيولوجي، وهو ما يشكل اعترافًا ضمنيًّا بالحق في الجنس غير المشرعن دينيًّا، لكن بالرغم من ذلك تبقى خطوة جريئة من لدن المشرع المغربي في تجاوز جمود المقاربة الدينية لأشكال الاقتران بين الجنسين، خاصة في ظل التحولات الثقافية والاجتماعية المهولة التي بتنا نعيشها اليوم.
إذا كانت هذه الأشكال الاقترانية الجديدة تشكل ملامح التحول السوسيوثقافي المستمر، فإن مؤسسة الزواج في حد ذاتها لم تعد كما كانت في ظل اقتحام المرأة للفضاء العام الذي كان حكرًا على الرجل، وهو ما عجل بهدم مفهومي القَوامة والفحولة المتخيلة؛ إذ أصبح راتب الزوجة ومشمول ممتلكاتها من أبرز المعايير المتحكمة اليوم في الزواج، وبالنتيجة تحولت الأسرة من مؤسسة اجتماعية إلى مؤسسة اجتماعية واقتصادية، وهو ما حاولنا إضاءته من خلال رصد هذه التحولات وكشف الذهنية الجديدة للرجل، الذي بالرغم من ذلك لم يستطع التخلص من فحولته المتخيلة التي تربط بشكل تعسفي بين المرأة والشبق/الجنس؛ حيث ينتصب الصراع والعنف الأسري كواقع لا يمكن تجاوزه؛ حيث أصبح الزواج في حد ذاته معادلاً للهم والغم والبؤس عند الشباب.
من هنا حاول الدكتور أبلال تشريح خلفيات وأولويات العنف بين الزوجين، والجمود العاطفي الناتج عن عدد من العوامل التي من بينها للمثال لا الحصر البرود الجنسي، محاولين تبيان شبكة محدداته ومسارات تجاوزه عبر تفصيلنا التحليل حول الجسد العاطفي والجسد الشبقي كمفهومين يشكلان في واقع الأمر جزءًا لا يتجزأ من منظومة ذات حساسية ملتهبة تتأسس على الجنس المقموع.
إن رصد هذه القضايا والإشكاليات المرتبطة نظريًّا بالإخفاق الاجتماعي من جهة، ومجموع التحولات السوسيوثقافية، والاقتصادية في بعدها الاجتماعي والسياسي التي بات يعرفها العالم العربي في ارتباطه بالغرب، وبإفرازات التثاقف كآلية أساسية للتحول المفروض أو المستورد كان أهم مدخل لتفكيك طابو الجنس/الجنسانية على مستوى العلاقات الاقترانية الثنائية في الفضاء العام كما هي الحال بالنسبة إلى الفضاء الخاص. وإذا كان الباحث قد رصد تحليليًّا تمظهرات هذه التحولات في الفضاء الأسري الخاص، فإنه وتعميقًا لهذا الرصد فقد قام بمقاربة الحمَّام الشعبي مقاربة أنثربولوجية تأويلية رمزية مستخلصا أهم مفاصل هذه التحولات التي كان موضوعها الجسد الأنثوي، وهي مفاصل تشكل في العمق التعالق المتوتر دومًا بين الاجتماعي والديني.
أما في الفصل الثاني: (الدين بين البعد الأرطودوكسي والتطبيقات الشعبية: التجليات الاجتماعية والسياسية) فقد حاول مقاربة عدد من الظواهر الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالدين في تطبيقاته الشعبية المتعددة، والتي تجعل من الإسلام الأورطودكسي مجرد حلم يوتوبي مستحيل التحقق؛ إذ وكما تقر الدراسات الأنثربولوجيا بذلك، ليس هناك إسلام واحد بقدر ما هناك "إسلامات"، أي أن هناك اختلافات اعتقاديه وطقوسية في التطبيقات، كما أن هناك اختلافات في التمثلات الاجتماعية الدينية من منطقة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى.
إن التحولات الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالإخفاق الاجتماعي في زمن العولمة باتت تشكل أبرز تحدٍ يواجه الأنظمة العربية، خاصة على مستوى الإسلام السياسي. ضمن هذا الأفق قام كذلك برصد التعدد الديني والتدين بالمغرب من خلال مناقشة عدد من التقارير ذات الصلة، مركزا على النقط المتصلة بتخصصنا السوسيولوجي، كما قام بتحليل التطبيقات الشعبية للتدين من خلال السحر والشعوذة، وزيارة الأضرحة والمزارات... مبرزا ارتباط هذه التطبيقات بممارسات وثنية ما قبل إسلامية.
أما في الفصل الثالث والأخير : (العنف بين الجريمة والإرهاب) فقد حاول الدكتور أبلال رصد مختلف تجليات العنف كتجلٍّ للخطاب التنازعي الذي أصبح سمة التواصل الاجتماعي نتيجة احتدام حدة الإخفاق الاجتماعي؛ حيث باتت مساحة العنف تتسع يومًا بعد يوم، محددين خلفيات ومرجعيات مختلف أشكال العنف المهيمنة، مدركا أن العنف بناء يتبلور على مستوى الأسرة، والمدرسة وكافة مجالات الجمعنة (التنشئة الاجتماعية)، بما في ذلك التلفزة، الفضائيات.. . فعلى مستوى الأسرة قام برصد العنف الأسري بصيغة المؤنث، فإذا كان معروفًا أن الرجل قاسيًا غليظ القلب عنيفًا تجاه الزوجة، فإنه هنا قام برصد العنف الذي يكون موضوعه الرجل، للإشارة إلى حجم العنف المتولِّد من رحم التحولات القيمية والاجتماعية.
وعلى مستوى الأسرة دائمًا تطرق الباحث إلى زنا المحارم واغتصاب الأطفال باعتبارها ظواهر ترتبط من جهة بالجنسانية المغلقة، وباعتبارها جرائم مرتبطة بالدم، وهي جرائم تشكل خطورة كبيرة تتهدد المجتمعات العربية عامة. وإذا كان العنف يُعْدِي بتعبير (روني جيرار) فإن هذا العنف ينشأ بسيطًا ليتحول وفق صيغ وأشكال تأتي على الأخضر واليابس محولة الأمن إلى خوف ورعب، فإننا قمنا بتحليل خلفيات وتجليات العنف في الملاعب الرياضية، من منطلق أن الملعب هو مسرح للإخفاق الاجتماعي والصراع المقنَّع، لننتقل إلى العنف الطلابي بالجامعات كشكل من أشكال العنف ضد/حول السلطة، وكمشتل للعنف المؤدلج. دون أن ننسى الإشارة إلى الاستعداد الأوَّلي المكتسب للممارسة العنف، على مستوى الذات؛ حيث قمنا بتحليل الانتحار باعتباره شكلاً من أشكال العنف الذاتي.
وفي إطار انتقال العنف من مستوياته البسيطة إلى مستوياته المعقدة قمنا بتحليل وإضاءة الجريمة بالمغرب في إطار نظري يستلهم إواليات التحليل من نظرية الصراع عند (كوزر) و (دراندروف) باعتبار هذه النظرية أهم إضافة سوسيولوجية للنظرية الوظيفية المغرِقة في التوازن، خاصة وأن المجتمع على ضوء هذه الظواهر يكون بالفعل قد انتقل من حالة التوازن إلى حالة اللاتوازن، ولو أن الحالة الأولى تبقى هي الملحوظة في حين تظل الثانية في حالة كمون، وهو كمون مستعد للانفجار حسب درجة ووتيرة هذا العنف. من هذا المنطلق ختم الباحث الكتاب بالعنف كمنظومة قيمية وكإستراتيجية للهيمنة على السلطة والحكم عند الحركات الإسلاموية التكفيرية مستعرضين آليات تحليل الإرهاب بين علم الاجتماع والفلسفة.
في الأخير ينبغي الإشارة إلى أن الهدف من هذا الكتاب المتواضع حسب الدكتور عياد أبلال هو خلق مساحة من السجال والحوار الفكريين، خاصة وأن الباحث لا يبتغي -كما لا يدعي- إطلاقية الحقيقة والقول الفصل؛ إذ الحقيقة نسبية كما هو شأن معرفته .

إن أساس هذا الكتاب يخلص الباحث في تشكله هو حوارات ومداخلات رابطها الأساس هو الإخفاق الاجتماعي وتمظهراته في مجالات الجنس والجنسانية بشكل عام، والدين والجريمة. لذا يقتضي الحكم عليه من هذا المنطلق، وإن كان قد حاول قدر المستطاع أن يكون منهجيًّا وأكاديميًّا في الدراسة والتحليل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.