علمني التدوين الجماعي بأن الحياة مواقف، و المواقف هي بالأساس مبادئ، إذا تم التخلي عنها تصبح الحياة بلا معنى، كما علمتني الحياة الصحفية بأن ليس كل ما يقال أو يكتب حقيقة، وليس كل الحقيقة تقال، وبأن هناك حقائق لم يحن وقتها لكي تقال أو تنشر، و هناك حقائق يجب أن تقال في وقتها لكشف المستور. يحضرني هذا الكلام، كلما وضعت أناملي على لوحة أزرار حاسوبي، لتدوين أفكاري رقميا لا ورقيا، لدرجة أنني صرتُ أخشى أن أنسى يوما أصول الخط والكتابة ! في زمن اللاورق و اللاقلم و حتى اللامسودة، ما دمت اكتب بلا مسودة... لكن السؤال ماذا سأجني وراء اقتراف هذا الذنب العظيم المتمثل في التدوين أو الكتابة؟ الجواب بعد تفكير لا شيء سوى أنني سأتسبب لنفسي في المزيد من صداع الرأس، والتجريح، و الافتراء من بعض محترفي الارتزاق و التبزاق... بسبب هذا أجد نفسي مضطرًا للإضراب الرمزي عن التدوين الجماعي! ربما عليّ أن أكون صادقًا مع نفسي مع أنها فرصة موازية لممارسة غروري، فأنا لست مضربا، بل أشعر بالخوف، ربما لم أصل لحد الرقابة الذاتية و الخوف أثناء الكتابة، لكني حين أنشر وأعيد قراءة ما كتبت أشعر بقليل من الخوف، لكن ما زلت أتجاهله حتى الآن وأنا أكتب هذه الكلمات و الجمل، لكن خوفي مشروع بالنظر للذئاب التي تلاحقني لكي تفترسني بأنيابها البلاستيكية و بلعابها "المبزق" بوجود فريسة أو بغيرها، و حتى يفهم خوفي في محله سأحاول تجسيده لكم: فأنا أخاف على التدوين الجماعي من شر بعض الأقلام السامة و لا أقول المشبوهة و المأجورة أو المستدرجة باعتباره اجترارا متكررا فاقدا للهدف و المعنى الصحفي الذي اختفى ليحل مكانه شيء آخر، أصبحنا في الوقت الراهن نعرفه و نستوعبه جيدا مع التقدم التكنولوجي...من خلال رصد بعض الحالات المرضية المفتشية في مجتمع محافظ نحترمه و نشاطره مشاكله و همومه، و نضرب على يد من يتطاول على حقوقه أو يقصر في واجباته اتجاهه. أخاف على التدوين الجماعي من الأقلام الباحثة عن الإثارة الإعلامية مقابل بعض الدريهمات، أقلام لم تحترم حرمة و طقوس العمل الصحفي الورقي، فتطفلت على الإعلام الالكتروني بعدما طردت من الورقي، و مادمت مساحة الحرية و النشر أضمن، بعيدة عن إرسال مقال أو خبر و ملاحقته عبر الهاتف بكلمة (تهلا أشاف)، أقلام هدفها الرئيسي تنفيذ مناورات الغير مقابل لقمة العيش التي تقع تحت جرت أقلام أسيادهم و لو بالانصياع و الانضباع على أحذيتهم. أخاف على التدوين الجماعي بمن أنيط اللثام عن وجوههم، وانكشف سرهم، وظهر للجميع ما تحت غطائهم و ما وراء ظاهرهم، وتجلى ما كان خفيا ومتخفيا، و كثرة أخطائهم الخطأ تلو الأخر، فلا يمر أسبوع دون أن نعاين خروجهم على الخط الجماعي، و على أسس التحرير الصحفي، و أسس التغطية الصحفية، و عن سوء تقديريهم للوقائع و عن قولهم لأشياء بعيدة عن الحقيقة و الصواب، من أجل تلميع صورة أسيادهم و الإساءة إلى الغير والظهور بمظهر الأبطال و علية القوم و الشرفاء، فتجدهم يتحدثون في كل شيء دون تحفظ، ويخوضون في كل الأمور دون وعي بقيمة الكلمة والمعلومة، وتجدهم يتحولون من مخطئين إلى أبطال ومظلومين، وكل من حولهم ومن تعامل معهم لا يساوي في نظرهم شيئا، جاهليين أن قولة (لا أدري) نصف العلم، و أن الصمت عند الضرورة هو أعظم فنون الكلام، و أن الذاكرة الجماعية تعرف أخطائهم التي تعد من الكبائر. أخاف على التدوين الجماعي من اللذين يحاولون الظهور للعامة أنهم رسخوا في أنفسهم حقلا للحوار والأفكار، و أحطوا أنفسهم بسياج الشفافية و المصداقية، و يعملون جاهدا على إضفاء طابع مثالي و يوتوبي utopie على خطابهم البئيس و سلوكاتهم الشاذة و لقاءاتهم الفاشلة، في إطار ميل طبيعي إلى التمويه و إلى التمجيد الذاتي المرضي، فقط لإحساس بذاتهم لحظة سؤالهم الوجودي عن كينونتهم الاجتماعية داخل المجتمع، و هو الإحساس الذي تحوم حوله مشاعر عدم الرضا عن شروط ممارسة و ظروف اضطلاعهم بمهام ووظائفه داخل المجتمع دون المستوى، لا تمكنهم من الافتخار بنفسهم خارج العشيرة أو القرية أو القبيلة، و الغريب أن الجميع أصبح يعرفهم و يلقبهم -انتهازيون بلا حدود- المنغمسين في أوحال الذل حتى النخاع........ هنا انتبه للشاشة التي أمامي لأجد أنني لم أكتب أي شيء مما سبق، بل هو مجرد شك ديكارتي يراودني حول الغاية من الكتابة عن هؤلاء المرتزقة، فأتوقف للحظة، لأطرح السؤال على نفسي، ليس هناك من سبب حتى أخاف في ظل قراء مخلصين و نخبة مثقفة على مستوى راقي من العلم، تنم تعاليقها عن الاضطلاع و الدراية بحقائق الأمور، و الاستعداد لمشاركة الأفكار و الآراء، و المساهمة في عودة النخبة الفكرية، و عودة المثقف العضوي و الملتزم للوقوف كند للمثقف الانتهازي و التقليدي الذي نخر المجتمع، و لا يهم أن يكون التعليق تنويها بالأفكار أو انتقادا لاذعا لها، ما يهم هو التحقق من قدرة القارئ على التلقي، الاستيعاب، والنقد البناء، وهذا ما يولد الحبر في محبرة كل كاتب و مدون، و يشغل حاسوب كل صحفي الكتروني يرى أن التدوين الجماعي ليس مجرد وسيلة للنشر فقط، بل هو حالة تفاعلية تميز المقال الرقمي على الورقي، في ميدان مستعصي على المريخنيات و المتطفلين من طينة نوسوكوميال. طينة لا تريد التحلي بالروح الرياضة و اعتزال الكتابة و الاكتفاء بالمتابعة لأنها ليست مؤهلة بتاتا و لا علاقة لها بالتدوين الجماعي إلا الخير و الإحسان، أو بالتحلي بروح المسؤولية التي ليست مفروضة فقط على المسؤول على موقعه أو جريدته ، بل هي أمانة ومسؤولية يلتزم بها كل مسؤول عن إطار ما، الحاصول "القافلة تسير و الكلاب تنبح و ليس كل ما ينبح يعض، و ليس كل من سال فمه باللعاب "المبزق" مفترس... ----