تقديم كتاب الصحراء المغربية أرض النور والمستقبل بدوسلدورف ألمانيا    من المسؤول عن تعطيل عملية تسليم الشقق للمنخرطين في مشروع القدس 1 المنتهية أشغاله بودادية النجاح للسكن بأكادير    المنتخب المغربي يصل إلى فرانسفيل    السياحة المستدامة والتحول الرقمي محور الدورة الثالثة لملتقى المقاولة بالحسيمة    "الفعل الاجتماعي" في المغرب .. مسؤولية الحكومة وانتظارات المواطن    المغرب والسعودية يتفقان على تسهيل عملية ترحيل المحكوم عليهم بين البلدين    مسؤول برئاسة النيابة العامة يوضح النطاق المحمي بمقتضى قانون الصحافة وموجبات تطبيق القانون الجنائي    الولايات المتحدة.. ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    جهة الداخلة تعزز الشراكة مع إسبانيا    هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة غدا الخميس بعدد من أقاليم المملكة    باليراريا" تنقل فرق مغربية ومعدات شفط المياه لدعم جهود الطوارئ في فالنسيا            رقم قياسي.. المغرب استقبل 14.6 مليون سائح حتى متم أكتوبر الماضي    أمن العيون يطيح بشبكة إجرامية تنشط في سرقة الأسلاك الكهربائية    تقرير: 16% فقط من المغاربة يعيشون حياة "مزدهرة" و69% يفكرون في تغيير وظائفهم    جمعية ثاويزا آيث شيشار تكتشف و ترصد دولمن مدفني بجماعة بني شيكر يعود لألاف السنين    لجنة المالية تصادق على مركزية الأجور والمناصب المالية وصفة موظف عمومي لمهنيي الصحة        المغرب يستقبل أكثر من 14 مليون سائح في 10 أشهر    في لقاء إعلامي قبل التوجه إلى الغابون : الركراكي يؤكد أن المنتخب الوطني يشهد تنافسية كبيرة وزياش يغيب بسبب ضعف الجاهزية    شاحنات مغربية تصل إلى إسبانيا للمساهمة في إزالة مخلفات "دانا" بفالنسيا    المغاربة يواصلون الاحتجاج ضد الإبادة في غزة ومطالب بتوضيح حكومي حول سفينة متجهة لإسرائيل    لأول مرة.. "حزب الله" يعلن استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب    تقديم 21 شخصا أمام وكيل الملك بتارودانت على خلفية أحداث شغب مباراة هوارة وأمل تزنيت    المغرب يحتضن المرحلة الأولى من الدوري الإفريقي لكرة السلة    أخنوش يبرز تجربة المغرب في "كوب29"    فيضانات جديدة تجتاح جنوب وشرق إسبانيا    هذا ما قرره وكيل الملك بتارودانت في حق المتورطين في أحداث شغب ملعب هوارة    بعد قطع عملية الإعدام الأولى .. إعدام رجل شنقا "للمرة الثانية"    "ذي غارديان" تتوقف عن نشر محتوياتها على "اكس"    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (الجزء2 فيديو)    بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري…كيف نقي أنفسنا من داء السكري؟ غزلان لحرش تجيب عبر "رسالة24"    الركراكي يستدعي رضا بلحيان لتعويض أمير ريشاردسون المُصاب        ملف الطالب بدر يعود للمحكمة وهذه تفاصيل أولى الجلسات    صندوق النقد الدولي يشيد ب"التقدم المطرد" الذي يحققه المغرب    الدوري السعودي يضم 7 لاعبين بين أعلى الأفارقة أجرا عالميا ب 2.9 مليون إسترليني أسبوعيا    وليد الركراكي: لن نبكي على أحد.. من يريد تمثيل المغرب عليه بالصبر    حميد زيان ينهي تصوير الشريط التلفزيوني "بنت العم"    فيلم "مورا يوشكاد".. يجوب قاعات السينما المغربية ويكشف مآساة الاستغلال القسري للعمال المغاربة بفرنسا    واقعة الصفعة تحيل الفنان عمرو دياب إلى محكمة الجنح    احتفاء بالمنتخب الوطني للملاكمة بعد احرازه بطولة إفريقيا بكنشاسا    فوز البريطانية سامانثا هارفي بجائزة بوكر الأدبية العريقة للعام 2024    اختبار أول شبكة اتصالات تجمع الذكاء الاصطناعي وتقنية الجيل الخامس    إفريقيا تعتمد اختبار "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    أسعار صرف العملات العالمية مقابل الدرهم .. التحليل الكامل    كابوس النظام الجزائري ماركو روبيو.. المرشح الأبرز لمنصب وزير للخارجية الأمريكية في إدارة ترامب    "أجيال" ينقل الجمهور إلى قطاع غزة    حملة توعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الرئة    تقارير.. المغرب من أكبر مستوردي الأدوية الروسية في إفريقيا    دراسة: تناول الدهون الصحية يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطفل و جسم المرأة. تكون البنية الجسمية لصورة المرأة عند الطفل (1)
نشر في تازا سيتي يوم 16 - 01 - 2010

[IMG]http://tazacity.info/news/infimages/myuppic/4b523436133cd.jpg[/IMG]
بدأ الباحث المغربي د. علي أفرفار مشروعا عربيا طموحا في الميدان السيكولوجي بانفراده بدراسة موضوع المرأة دراسة سيكولوجية وافية، تستجيب لمتطلبات الوقت الحاضر في المجتمعات العربية، و تصبو إلى تقديم أدوات جديدة، ليس فقط لفهم واقع المرأة، بل و كذلك لفهم العقلية الرجولية الطاغية في الأقطار العربية. و إذا كان من غير اللازم التنويه بهذا المشروع، و لا الثناء عليه، لأنه يبقى مشروعا ضروريا و مفيدا ؛ ليس فقط للباحث الأكاديمي، بل و كذلك للقارىء بصفة عامة، فإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذا المشروع، و ككل المشاريع الأخرى- و بما أنه مشروعا- لا يمكن أن يستقيم و يجد طريقه إلا بتقديم قراءة نقدية متخصصة، لمسائلة الأسس الإبستمولوجية و الأدوات المنهجية و المسلمات النظرية التي انطلق منها الباحث في عمله. و ككل قراءة إبستيمولوجية، فإننا سوف لن نذهب أكثر مما انطلق منه الباحث و توصل إليه، على الرغم من أننا واعون أن مشروع د. أفرفار ما يزال في بداياته، و سوف لن يكتمل هذا النقد العلمي إلا عندما يكتمل المشروع.
لقد أثار انتباهنا مشروع د. أفرفار منذ صدور الكتاب الأول منه، كما اطلعنا على القسم المنهجي منه في الكتاب الثاني. و قد فهمنا، أو هكذا تهيأ لنا، الملامح العامة للمشروع في الكتاب الثالث ، حيث يقول المؤلف: "يتضح مما سبق أن موضوعنا يجمع بين جوانب ثلاثة: المعرفي، الوجداني و الإجتماعي الديني. و هي جوانب من الصعب أن يحيط بها الباحث دفعة واحدة..." .
سنرافق إذن الباحث مرافقة إبستمولوجية عبر الخطوات المنهجية و الأدوات و التقنيات التي اتبعها للوصول إلى نتائجه، لنقيمها، و نضع الأصبع على الهفوات المنهجية و الإنزلاقات النظرية التي وقع فيها، لتوجيه البحث من جديد، للوصول إلى نتائج أكثر موضوعية.
إشارة منهجية أخرى لابد منها، تتمثل في كوننا سوف لن نعود إلى الإطار المنهجي و النظري العام الذي انطلق منه الباحث، أي الكتاب الثاني، بل سنعتمد أساسا على معطيات و مضمون الكتاب الثالث، الذي يعتبر في نظرنا الثمرة الأولى لهذا المشروع.
الملاحظة العامة الأساسية هي كون الباحث ظل وفيا إلى حدود راديكالية إلى المنهج البياجيسي الكلاسيكي الدقيق و المتشعب. و هو منهج أثبتت الدراسات الحديثة لتلامذته أنه منهج تقني، يتحايل على الظاهرة المدروسة، و يوجهها توجيها تعسفيا في بعض الأحيان، لتنتج ما يريد الباحث إنتاجه، أو ما قد أنتجه في ذهنه قبل بداية الدراسة. و نعني هنا بالدرجة الأولى الإجراءات المنهجية المعتمدة في الدراسة، التي تكون في غالب الأحيان إجراءات اصطناعية تحاول أن تقنن النفس الإنسانية، و النشاط المعرفي في بيانات رقمية. و يتجلى هذا خاصة في فرضيات البحث، و تحديد عينة البحث و طرق و تقنيات جمع مادة البحث، المستوحات من المنهج التجريبي في السيكولوجيا.
كان من الضروري على الباحث، في النقطة الخاصة بتحديد المشكلة، أن يحدد بدقة و بوضوح ما كان يود دراسته في هذا الكتاب ، عوض الرجوع مرة ثانية للحديث عن الإطار العام لإشكالية المشروع برمته. و يعني هذا إبستيمولوجيا المرور، في إطار تحديد المشكلة، من العام إلى الخاص، ثم من هذا الأخير إلى العام، دون تدقيق الخاص، لتقفل الدائرة بتحصيل حاصل لا غير. و هذا الدوران حول النفس يمكن أن يترجم إبستملوجيا بكون الباحث، إما أنه لم يستطع بالفعل تحديد إشكالية بحثه في إطار علم النفس التكويني الكلاسيكي، أو أن النظرة العامة قد حجبت عنه تقديم تحديد يشفي الغليل للموضوع المدروس. ذلك أن القارىء اليقظ كان ينتظر أن يقرأ تحديدا دقيقا للإشكالية التكويننفسية التي راهن د. أفرفار على دراستها، لكن هذا لم يحصل.
و حتى و إن لم نعر الإهتمام للهفوة المنهجية المتعلقة بتقديم المشاكل المتعلقة بالبحث على خطوات منهجية ضرورية أخرى، كتحديد الفرضيات أو هدف البحث مباشرة بعد تحديد المشكلة، كما هو متعارف عليه في البحث السيكلوجي، فإن القارىء العابر قد يلاحظ أن النقط الثمانية التي حددها الباحث كمشاكل خاصة بتكوين البنية الجسمية لصورة المرأة عند الطفل، هي في العمق، من جهة فرضيات عمل تضمر النتائج التي يتوخى الباحث الوصول إليها، و من جهة أخرى إفصاح عن الأدوات المنهجية التي لم يحددها الباحث بعد.
و ما يؤاخذ عليه الباحث في اختياره لعينة البحث هو أنه استثنى عن قصد، كما قال في الصفحات الأولى من هذا الكتاب، الطفلة الأنثى؛ و لهذا بطبيعة الحال آثار ليس فقط على النتائج السيكولوجية للبحث، بل على مسار البحث بكامله. ابستملوجيا مشى الباحث كل المشوار على رجل واحدة. كيف يعقل إذن القيام بدراسة تمثل الطفل الذكر لصورة المرأة دون مساءلة الطفلة؟ و قد يدفعنا هذا السؤال إلى فسح المجال للتسائل على مشروعية اختيار عنوان البحث: "الطفل و جسم المرأة"! هل يتطابق عنوان الكتاب سيميائيا و مضامينيا مع مضمون الكتاب، إذا كنا نعلم أن مفهوم الطفل يتضمن الجنسين؟ و لماذا لم يذكر الباحث الأسباب الموضوعية العلمية التي حذت به إلى إقصاء الطفلة من بحثه؟ إن هذا الإقصاء غير مبرر منهجيا، و غير مقبول ثقافيا و مرفوض حضاريا!
في النقطة المخصصة لطرق و تقنيات جمع مادة البحث، و على الرغم من أن الباحث أكد منذ البداية على تقنيات رئيسية ثلاثة: الرسم، الوصف اللفظي، و تقنية اختيار المؤشرات الجسمية لصورة المرأة المفضلة، نلاحظ إبستملوجيا أن التقنية الأخيرة غير ضرورية بالمرة، لأن الباحث قد سقط منهجيا في فخ اختزال الطفل لصورة المرأة، و هذا عكس ما كان يصبو إليه، أي تكليم الطفل لكي يعبر أكثر عن تصوره للمرأة. بل إن هذه الطريقة غير مقبولة علميا لأن الرسوم الثلاثة التي قدمت للطفل هي رسوم اعتباطية، ليست لها أية محددات و لا معايير علمية، و لو قدمت للطفل صور مادونا، تينا تورنر و الحاجة الحمداوية ، فإنه سوف يختار من بين ما اختير له، و سوف لن يكون هذا تعبير لا عن تطور و لا عن نضج معرفي في تمثله لبنية المرأة. سنرجع بالتفصيل إلى هذا عند مناقشتنا لنتائج البحث.
إضافة إلى هذا، إلى أي حد يمكن اعتبار تقنية الرسم تقنية ناجعة في الدراسات السيكوتكوينية في المغرب، و نحن نعلم أنه ليست هناك أية تربية فنية و لا ذوقية في مدارسنا، و في حدائق الأطفال؟
و إذا لم يكن من الضروري التذكير أن إشكالية الحديث عن المراحل في تكون البنيات المعرفية في علم النفس التكويني، هي من الإشكاليات الإبستمولوجية الكلاسيكية التي طرحت على هذا التخصص منذ ظهوره؛ و إذا لم يكن من الضروري كذلك الإشارة إلى أن البحث السيكولوجي في أوروبا الغربية قد تجاوز الحديث عن المراحل في دراساته، منذ حوالي ربع قرن، فإن ما يجب التنبيه له هو أن المراحل الثلاثة التي حددها د. أفرفار في كتابه تتضمن "بؤر سوداء"، لأن قناطر العبور من مرحلة إلى أخرى غير محددة بطريقة دقيقة. فإذا كانت المرحلة الأولى تنتهي بسن السادسة، و إذا كانت المرحلة الثانية تبتدأ بسن السابعة، فماذا نعمل بين السادسة و السابعة، أي فترة سنة من الزمن؟ و ينطبق نفس الشيء على الحدود بين المرحلة الثانية و المرحلة الثالثة.
علاوة على هذا بأي مبرر منهجي بدأنا الدراسة بسن الرابعة و انتهينا بسن الرابعة عشر؟ أي مقياس علمي فرض علينا هذا البدء؟ ألا يمتلك طفل سنة و سنتين و ثلاثة سنوات تصوره الخاص عن المرأة؟ و هل يمكن اعتبار سن 14 سنة سن اكتمال تكون بنية المرأة عند الطفل؟ و هل يمكن اعتبار إنسان 14 سنة طفلا؟ إن التحديد الموضوعي للطفولة، حسب المعايير البيولوجية و الإجتماعية و المعرفية، ينتهي في حدود السنة الثانية عشرة من عمر الإنسان. و إذا أخذنا هذا بعين الإعتبار، فإنه يمكن إعادة صياغة عنوان الكتاب ليتطابق و مضمون البحث كالتالي: الطفل و المراهق الذكر و جسم المرأة، و هي صياغة تبقى الأقرب من الموضوعية.
و بغض النظر عن هذا، و دون نية تحليل سيميائي للمفاهيم المستعملة من أجل التعبير عن المراحل الثلاثة المذكورة في الكتاب، فإن ما يلاحظه القارئ هو أن الباحث لم يحدد بما فيه الكفاية مفهوم "التبلور" الذي اختزله في: "مدى قدرة الطفل على استحضار صورة المرأة ذهنيا و التعبير عن مكوناتها إما عن طريق الرسم أو الوصف اللفظي" (ص 32).و هو اختزال غير مشروع، لأن لمفهوم التبلور في السيكولوجيا دلالة دقيقة و مضبوطة. و يوحي هذا المفهوم سيميائيا بالديناميكية و التطور الإيجابيين.
و ما يصح على مفهوم التبلور يصح كذلك على مفهوم "التأسيس" المستعمل في المرحلة الثانية، حيث يسقط الباحث في خلط مفاهيمي غير عادي: "إن مفهوم التأسيس يعتبر -من وجهة نظرنا- تبلورا من الدرجة الثانية، أي من درجة أرقى من تلك التي أبرزنا بعض معالمها في الفصل السابق" (ص 82-83). أي شيء يمكن للدارس الإبستيمولوجي فهمه من مفهوم التأسيس المستعمل هنا؟ أهو درجة من التبلور أو مفهوم خاص يعبر عن شيء دقيق؟ و متى كانت في المفاهيم درجات؟ إن التحديد الدقيق للمفاهيم، و الإستعمال الدقيق لها، طبقا لما اتفق عليه العلماء، و ليس حسب هوى الباحث، هو من بين الشروط الأساسية لجدية البحث في العلوم الإنسانية عامة و السيكولوجيا خاصة. و قد لاحظنا أن هذا الشرط لم يتحقق في الدراسة التي بين أيدينا.
و نلمس هذا كذلك في مفهوم "الإكتمال" الذي خصصه الباحث للتعبير عن مضمون المرحلة الثالثة في دراسته. و الملاحظ أن د. أفرفار يسقط في تناقض منطقي واضح بمجرد شروعه في محاولة تحديد مفهوم الإكتمال هذا، ذلك أن ما هو مهم بالنسبة له، ليس هو مطابقة المفهوم لمضمون الدراسة، بل إن مشروعية استعمال هذا المفهوم عنده مرتبطة أساسا بالنسبة الإحصائية للأطفال الذين يمكن القول عندهم، أنهم تمثلوا صورة المرأة: "إن استعمالنا لمفهوم "الإكتمال" لا يعني أبدا تمكن جميع أطفال هذه المرحلة من وصف أو رسم الأعضاء المكونة لصورة المرأة، بل إنه يعني توفق أغلبيتهم في وصف و تجسيد البنيات الجزئية ... بشكل ينم عن أن هناك انسجاما و تلاؤما بين استحضارهم لتلك البنيات و التعبير عنها" (ص 128).
إضافة إلى هذا، فإن مفهوم الإكتمال يوحي بوجود نموذج نرجع له للحكم. فهل هناك نموذج من هذا النوع فيما يتعلق بدراسة د. أفرفار؟ و بأي معيار يمكن الحديث عن هذا الإكتمال؟ و هل الإكتمال قيمة سيكولوجية في ذاته، أم فقط مؤشر منهجي، يساعد على فهم الظاهرة المدروسة، و يقربنا أكثر من العمق السيكولوجي لها؟
و قبل مناقشة الباحث في فرضياته، فإننا سنرجع إلى تقنية الرسم التي استعملها لجمع مادة بحثه، و سنركز أساسا على ما أطلق عليه اسم: "تقنية اختيار المؤشرات الجسمية لصورة المرأة المفضلة"، مستعملا في ذلك رسوما ثلاثة، تمثل ثلاثة نساء مختلفات . نلاحظ ابستمولوجيا الإبتعاد التام عن حقل البحث السيكولوجي الرزين، لأن كل المعايير العلمية الموضوعية في اختيار هذه الرسوم غائبة، و بالتالي فإنه لا يمكن أن ننتظر من تطبيقها أية نتائج علمية يمكن الإعتماد عليها لتفسير الظاهرة المدروسة. و يتجلى هذا في جمع مادة البحث في مستويين على الأقل:
- المستوى الشكلي، حيث نلاحظ أن الرسوم المقدمة لأفراد عينة البحث هي رسوم مختلفة عن بعضها البعض ، و هذا يعني الغياب التام للوحدة المنهجية في التقنية المستعملة، هذه الوحدة التي تعتبر ضمانة على الصحة الداخلية لفرضيات البحث.
المستوى المضاميني، حيث يمكن التأكيد أنه لا يمكن استنتاج خلاصات علمية تأكيدية من خلال أحكام قيمة و أحكام ذوق . فليس هناك أي اجتهاد علمي في التأكيد مثلا على أن أغلبية أفراد المرحلة الأولى يفضلون الرسم الذي يمثل: "المرأة البيضاء الممتلئة الطويلة و العينين الصغيرتين السوداوين و الفم و الأنف الصغيرين" ( ص 78). لا يمكن إذن تعميم الحكم، لأنه لو أضفنا رسما أو رسمين آخرين، لتصبح عدد الرسوم خمسة، لكان بالإمكان، تخمينيا، أن يختار الأطفال رسم امرأة أخرى. بعبارة أدق، إن نسبية و عدم موضوعية الطريقة المتبعة هنا، سوف لن تؤدي إلا إلى نتائج نسبية و غير موضوعية.
كان بودنا أن نقوم بتحليل سيكو-سيميائي للرسوم المعتمدة في هذه الدراسة ، و نقدم نماذج من الإنزلاقات السيميائية التي حصلت من مرحلة إلى أخرى. لكننا فضلنا ألا نقوم بهذا هنا، نظرا لضيق المجال . و ما يمكن التأكيد عليه هو أن هذه "الخربشات" الكاريكاتورية للمرأة قد ساهمت بطريقة مباشرة في إزالة الطابع العلمي الرزين عن الدراسة.
إذا تمعنا نتائج فرضيات البحث، فإننا سوف نلاحظ أن الصحة الداخلية لهذه الفرضيات قد اجتمعت، لأن الطريق السيار الذي رسمه الباحث لبحثه قد اتبع. لكن الصحة الخارجية لفرضيات الدراسة لم تتوفر، لأن كل الهفوات المنهجية التي لمسناها لا تسمح بأي حال من الأحوال تعميم نتائج البحث على أطفال مغاربة آخرين.
و إذا كنا قد بدأنا هذه الدراسة النقدية بملاحظة أساسية مهمة، فإننا سننهيها بالملاحظة الأساسية الثانية التالية: هل يمكن في عالم بناء التمثلات التي يلتقي بها الإنسان طوال حياته التمييز الإصطناعي بين ما هو تكويني و عاطفي و ثقافي؟ ألا يسحب هذا التمييز غير الموضوعي عن البحث موضوعيته؟ ألم يكن من الأفيد دراسة الظاهرة كما هي، في تعقيداتها و تشعباتها، بدل تفتيتها إلى أجزاء؟ كيف يمكن جمع شتات موضوع خاصيته الأساسية أنه مركب؟ و كيف يمكن تلحيم هذه الأجزاء فيما بعد في كل متناسق؟ و هل كان هذا التجزيئ ضروريا منهجيا؟
و على الرغم من كل ذلك، فإنه لا يمكن إلا الثناء على مجهود د. أفرفار في قيامه بمشروع علمي جريء، و لعل تجاوز كل ما ظهر لنا هفوات منهجية سوف يتأتى بالإهتمام أكثر بالتطورات التي عرفها علم النفس التكويني بعد بياجي و عدم الإلتساق الوفي بالنموذج الأول للمدرسة، و بالإطلاع على نماذج منهجية جديدة في البحث السيكولوجي، لأن سيكولوجية التمثلات لم تعد حكرا على علم النفس التكويني وحده، بل إن اتجاهات سيكولوجية جديدة قد اقتحمت هذا الميدان، كسيكولوجية التواصل و السيكولوجية السيميائية و السيكولوجية الأنثروبولوجية إلخ.
تعليق د. حميد لشهب - النمسا
[COLOR=darkblue]الهوامش:[/COLOR]
1-تأليف د. علي أفرفار، دار الطليعة-بيروت، تشرين الأول/ أكتوبر 1998.
2-قراءتنا للكتاب الأول من هذا المشروع، المنشورة بجريدة الزمن المغربي، شتنبر 1996.
3- قدمنا قراءة أولية لهذا الكتاب بجريدة المنظمة، بتاريخ
4-الطفل و جسم المرأة. تكون البنية الجسمية لصورة المرأة عند الطفل. د. علي أفرفار، دار الطليعة-بيروت، تشرين الأول/ أكتوبر 1998.ص.6.
5-انظر مثلا: " علم النفس التكويني" Lotte Schenk-Danzinger Entwicklungspsychologie، الطبعة 15، .ÖBV-Wien, 1969
6- راجع كتابنا: ابستملوجية علوم التربية و علوم التربية الواقع و الآفاق. منشورات اختلاف، الرباط، 1996.
7-إذا لم يكن من الضروري تعريف مادونا و تينا تورنير، فإن الحاجة الحمداوية هي مغنية مغربية شعبية مشهورة!
9-قارن رسوم ص 77 و رسوم ص 124 و رسوم ص 164 و رسوم ص 182
10-Alois Reutterer, Erleben und Verhalten التجربة و السلوك, Franz Deuticke, Wien 1991.
11-انظر مثلا: Liliane Hamm, Lire les images. Armand Colin-Bourrelier, Paris 1986.
12-ترقب صدور كتاب لنا حول الصورة قريبا.
13- انظر كتابنا: "الطفل و الله"، البوكيلي للطباعة و النشر، القنيطلرة 1998.
14. Rolf Oeter, Psychologie des Denkens سيكلوجية التفكيرVerlag. Ludwig Auer Doanuwörth, 1971.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.