المغرب "شجرة جذورها في إفريقيا و أغصانها في أوربا " مقولة شهيرة للحسن الثاني ι وهي تشبيه اقرب إلى الواقع إذ أن المغرب بفضل موقعه الجغرافي اكتسب هويته الإفريقية منذ نهاية زحزحة القارات و تشكلها. فالقارة الإفريقية تعتبر ثاني اكبر قارات العالم من حيث المساحة (30.2 مليون متر متربع ) و عدد السكان ( 1.7 مليار نسمة) ι تزخر بثروات لا حدود لها من بينها النفط ( 12 % من الاحتياطي العالمي) و الغاز الطبيعي ( 60 % من الاحتياطي العالمي) ̧ اليورانيوم ( 30 % من الاحتياطي العالمي) ̧ الذهب ( 50 % من الاحتياطي العالمي) ̧ الألماس ( 20 % من الاحتياطي العالمي) ̧ البلاتين ( 80 % من الاحتياطي العالمي). كما تتميز القارة السمراء بطول سواحلها على المحيطين الهندي و الأطلسي بالإضافة إلى البحر الأبيض المتوسط مما يجعلها تزخر بثروة سمكية كبيرة ̧ إذ تصل قيمة الأسماك التي يتم تصديرها من القارة الإفريقية حوالي 2.7 مليار دولار. ومن جانب أخر ̧ فقد كانت بداية استكشاف إفريقيا من خلال الحضارات الرومانية و اليونانية كما شهدت القارة نفسها كتابة أولى صفحات سجل التاريخ منذ 3300 سنة قبل الميلاد ببزوغ نجم الحضارة الفرعونية بأرض الكنانة. هذا و قد شهدت إفريقيا تنافسا استعماريا أوربيا قويا منذ مؤتمر برلين سنة 1884 ̧ إذ تمت السيطرة على 93 % من الأراضي الإفريقية ̧ و خلال تلك المدة عملت القوى الاستعمارية على استنزاف الثروات و نهج سياسات لا زالت تعاني القارة من أثارها السلبية لحد ألان. فعلاقات المغرب بالدول الإفريقية ليست وليدة اليوم ̧بل هي متجذرة عبر التاريخ الذي يشهد بتضامن المغرب اللامشروط و دعمه القوي لكفاح البلدان الإفريقية من اجل التحرر من الاستعمار ̧ إضافة إلى إرساله لتعزيزات عسكرية ضمن الوحدات الأممية لمساعدة الدول الإفريقية على استتباب الأمن و الاستقرار. وقد تزامن الاهتمام المغربي بإفريقيا بزيارات ملكية لعدة دول داخل القارة السمراء توجت بتوقيع عدة اتفاقيات تهم مجالات اقتصادية و ثقافية و دينية.... كان لها اثر عميق على نمو الاستثمارات و زيادة حجم المبادلات التجارية بين المغرب وتلك الدول الإفريقية و تنوعها. فقد أكدت عدة مراكز للدراسات الإستراتيجية أن المغرب أصبح يتمتع بأشكال جديدة من التأثير داخل مجموعة اقتصادية إقليمية تقوم على انخراط الشمال الإفريقي العربي و المسلم في جنوب القارة ̧ و هذا الواقع يناسب التوجه المغربي الذي يستمد قوته من رهانه على تواصل شمال القارة و جنوبها من اجل مجابهة المخاطر المشتركة. كما أكدت جمعية أمريكية رائدة في مجال الدفاع عن العدالة الاجتماعية ̧ أن المغرب يعد نموذجا بالنسبة لباقي الدول الإفريقية في مجال الإصلاحات المؤسساتية و بناء الصرح الديمقراطي و أن المغرب شكل على مر الزمان أرضية للتسامح و التلاحم. ومن ثم ̧ و مواكبة لتطور العلاقات السياسية بين المغرب و البلدان الإفريقية فقد تعززت مؤخرا الروابط الاقتصادية و الشراكات المثمرة بين المغرب و دول الجوار الإفريقي ترسيخا للخيار الاستراتيجي للمغرب من اجل تحقيق التعاون جنوب– جنوب و تحقيق الاندماج الاقتصادي. ولعل من بين الدول الإفريقية التي لاقت دعما مغربيا كبيرا ̧ نجد الشقيقة الجزائر التي قدمت مليون شهيد في سبيل طرد المستعمر الغاشم ̧ فالمغرب لم يبخل و لم يتوانى في تقديم الغالي و النفيس للشعب الجزائري البطل للانعتاق من قبضة المستعمر ̧ و هي شهادة للرئيس السابق للجزائر المرحوم بن بلا ̧ الأمر الذي كان يستلزم من الجزائر الشقيقة استحضاره خجلا في التعامل مع الشقيق و الجار المغرب بدل التربص بترابه لتكوين دويلة بجنوبه !!!!. فالجزائر كدولة افريقية و مغاربية مطالبة بالتعاون مع المغرب على الأقل في الجانب الأمني لمواجهة الجماعات المتطرفة التي تنشا مستغلة النزاعات الدولية كما هو الشأن في ليبيا و شمال مالي ̧ على اعتبار أن كل مقومات التعاون كانت و لا زالت قائمة و في كل المجالات ̧ و ذلك درءا لكل المخاطر التي تهدد امن و استقرار البلدين و كل دول المغرب العربي كاتحاد يلزمه التفعيل باعتبار أن "الاتحاد قوة‟ و ذلك على غرار الاتحادات التي تشكلها باقي دول العالم من اجل العمل المشترك لما فيه من خير لشعوبها. فالمغرب دائما ما كانت يده ممدودة للجزائر الشقيقة من اجل التعاون و حل المشاكل العالقة بينهما ̧ إذ لو كانت النية سليمة لدى جنرالات الجزائر اتجاه المغرب لتم حل المشاكل القائمة في غضون أسابيع فقط ̧ و لكن الأطماع الجزائرية التي تعود لزمن الحرب الباردة تحول دون سريان الخجل في نفوس جنرالات الجزائر من جراء الدعم الذي قدمه المغرب للثورة الجزائرية و تحول أيضا دون انتصار المؤسسة العسكرية للحكمة و العقلانية لما فيهما من مصلحة للشعب الجزائري الشقيق. ومن ثم ̧ فالمغرب مطالب بعد أن استرجع مقعده بالاتحاد الإفريقي بمضاعفة تقوية علاقاته السياسية بدول أخرى افريقية و تشجيع استثماراته الخارجية بالقارة السمراء كون أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح المتبادلة (الاقتصادية ) إضافة إلى العمل على نقل التجربة المغربية في مجالات الطاقات المتجددة و بناء السدود و الموانئ لتلك البلدان بغرض كسب حلفاء جدد على المستوى الاستراتيجي بجانب دول الخليج ̧ و ذلك على المستوى الخارجي. أما على المستوى الداخلي ̧ فتعزيز الخيار الديمقراطي ̧ و دمقرطة المؤسسات بضمان استقلاليتها في اتخاذ القرارات ̧إضافة إلى الاحتكام للوثيقة الدستورية و العمل في إطار أحكامها و ليس خارجها أو فوقها ̧علاوة على ضمان الولوج إلى الخدمات لكافة المواطنين ̧ وتوفير فرص الشغل ̧و ضمان العيش في بيئة سليمة و تحقيق العدالة الاجتماعية بتوزيع الثروات بشكل متكافئ. فكل هاته الخطوات أو الإجراءات العملية السالفة الذكر ̧ تعتبر كرد فعل على مشروع "الفوضى الخلاقة‟ الذي بدءا تفعيله منذ الثمانينيات بإشعال فتيل حروب في منطقتي الشرق الأوسط و شمال إفريقيا بخلق دويلات صغيرة ذات بعد طائفي أو عرقي أو قومي و بالتالي فلا يمكن أن يكون المغرب خارج الدائرة إلا بتحصين نفسه داخليا و خارجيا.