عندما نوجه أصابع الإتهام لفرد بأنه غير واع، متهور، بدون إدراك، ذلك الشخص الغير مكترث، الذي لا يبالي بالخطر، لأنه لا يتوفر على خلفية علمية أو فكرية يبصر بها بما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل القريب، أو أنه لم يتعض بما جرى في الدول الموبوئة أو أنه غير مطلع على الإعلام الوطني والعالمي، هذا المواطن الغير واع بهذا الطاعون القاتل، لا يدري بأن المصاب بهذا الفيروس يمكن أن ينقل العدوى إلى المنزل، غير واع بأنه سينقل الفيروس إلى والديه، وإخوته، لا يعلم أبدا بأنه سيرتكب جرما في حق أسرته، ناهيك عن توسيع رقعة انتشار المرض في المجتمع بل و في الوطن كله. أمر آخر ينساه هذا المنغلق على عقله، أن الأشخاص الذين رحلوا إلى دار البقاء، لا يغسلون، ولا يمكنك رؤيتهم، أو الإقتراب منهم لأنهم حاملون للفيروس. إذا قدر الله توفي أحد أفراد عائلتك في هذه الظروف الإستثنائية، ستشعر بالصدمة عندما ستسمع الخبر للوهلة الأولى، يا ليتك أدركت شعور الفراق، إنه أمر مؤلم، شعور الحسرة، والبكاء، والندم. للأسف كل شيء يؤخذ بالضحك، والإستهزاء، كل شيء نوظف فيه فن اللامبالاة، حتى عندما تعلق الأمر بفيروس كورونا القاتل، لقد عبر البعض عن اللامسؤولية، عبر البعض عن اللامبالاة والتهور في ظرف كان فيه الوطن محتاج للمواطن. أثناء بداية الحملة التحسيسية بالإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، رأينا رجال السلطة العمومية وممثلي المجتمع المدني يبذلون مجهودا كبيرا لإدخال المواطنين إلى بيوتهم دون انصياع بعض المواطنين للقرارات، لاحظنا استعمال السلطات لمكبرات الصوت لتوعية الناس بالإجراءات الوقائية، كما كانت أشكال التبليغ بعدم التجول في الشارع أشكالا حضارية، إلا أن فئة من المواطنين لم يستجيبوا للنداء، ففي مدينة طنجة رأينا النساء رفقة أبنائهن يتجولن في الشارع كأن الأمر عادي، كذلك الأطفال اتخذوا فترة التوقف عن الدراسة عطلة، وهناك من ذهب بالقول لا وجود لفيروس اسمه كرونا، وإمرأة في سن متأخر تدلي بتصريحات خارج القانون في مواقع التواصل الإجتماعي، وشباب جالسون في مقهى مغلق أثناء حظر التجول، يا له من غباء، وأشخاص ينشرون فيديوهات بدون مصدر، يا له من تهور، وهلم جرى … أمام هذا المشهد السوريالي الذي يدعوا للدهشة، وجدنا أنفسنا أمام فئة من المواطنين ليسوا مسؤولين ولا علم لهم بالقانون، أو غير مكترثين لما ستؤول إليه الأوضاع بتصرفاتهم الحمقاء، لا يعيرون اهتماما لا لإنفسهم ولا للمجتمع، غير مهتمين بالأضرار التي قد يلحقونها بأسرهم أو بالمجتمع. بما أن الوطن كان في حاجة ماسة للمواطن بل كان في حاجة لجميع المواطنين مناصرين ومعارضين لسياسات الدولة، أبصرت أن الميكيافيلية نظرية صالحة في مثل هكذا الظروف، بحيث لا يستجيب بعض الأفراد في ظرفية صعبة بسبب انعدام الوعي الكلي، انعدام الوعي السياسي، والإقتصادي، والديني، والمؤسساتي… انعدام الوعي، وعدم الإمتثال للإجراءات الوقائية في مثل هذه الظروف، واجب السلطة ردع هؤلاء الأشخاص الذين يشكلون خطرا حقيقيا على الفرد والمجتمع، لذلك وجب استعمال القوة ولهجة قاسية مع بعض الأشخاص تحقيقا للمنفعة العامة أو المصلحة العامة. صدق من قال “نهار ترجلت الدولة تبرهش الشعب” لكن هنا لا أعمم بل فئة من المواطنين الغير الناشئين فكريا رغم أعمارهم المتقدمة، إننا في حاجة للوعي أفرادا وجماعات، وهنا أذكر مرة أخرى بمقلولة عالم الإجتماع أوغست كونت ” الواجب الأخلاقي الأكبر أهمية هو المحافظة على الوعي وتنميته”. إذا كان فيلسوف الإجتماع أوغست كونت يتحدث عن الوعي باعتباره واجب أخلاقي، أين نحن من هذا الوعي يا خير أمة أخرجت للناس؟ يكفي أننا ننتمي لأمة الإسلام، فأين نحن من القيم الأخلاقية؟ تعبيرا عن المبادىء الأخلاقية والقيم الحسنة كان عليك لزوما يا أخي المغربي ويا أختي المغربية أن تدخلوا إلى منازلكم ابتداءا من أول نداء، علما أننا سمعنا ما حصد هذا الفيروس من أرواح في الصين و في إيران وفي إيطاليا و في دول أخرى. إننا نواجه معركة وعي كبرى وعلى مستويات متعددة، الوعي الديني، الوعي الإقتصادي، الوعي السياسي، الوعي الثقافي، الوعي الفني، الوعي الصحي، الوعي الأمني، والوعي القانوني. ومعركة الوعي هاته مسؤولية بعض مؤسسات الدولة، ومسؤولية المجتمع المدني، وكذلك مسؤولية الإعلام سواء كان حكومي أو غير حكومي. عمليا يجب العمل على تنشئة الفرد والمجتمع رغم الإكراهات التي نواجهها، لقد حان الأوان للعمل على بناء الإنسان باعتباره ثروة حقيقية داخل الواطن، ليحيا الوطن.