ضمن برامجها الخاصة بالاحتفال باليوم العالمي للمرأة - 8 مارس، أفردت إذاعة طنجة مساحة أثيرية خاصة للنساء المغربيات المنحدرات من أقاليم الصحراء المغربية. وقد فتحت إذاعة طنجة العالية الميكروفون على الخصوص لمحتجزات سابقات في مخيمات العار بتندوف لتكرمهن على صبرهن ونضالهن، ولتنصت إليهن، وهن يسترجعن على المباشر ذكريات مريرة، ويبحن بتفاصيل مؤثرة ومؤلمة حول وضعية الرق والاستعباد التي تعيشها النساء المحتجزات في مخيمات تندوف، وهو الوضع الذي يشكل وصمة عار على جبين كل الحقوقيين، بل على جبين كل الذين يكرمون المرأة في ثامن مارس من دون الانتباه للوضع المأساوي لهؤلاء المستعبدات في زمن تحرم فيه كل التشريعات الرق والاستعباد. محتجزات سابقات في تندوفهؤلاء السيدات المغربيات العائدات إلى أرض الوطن بعد سنوات من الاحتجاز القسري والسجن والتعذيب في مخيمات العار بتندوف، عبرن عن امتنانهن لأسرة إذاعة طنجة التي أبت إلا أن تتشاطر معهن ومع نساء أخريات أجواء الفرح والاحتفال بعيد النساء العالمي، لكن الاحتفال لم يخل من لحظات مؤثرة، تزامنت مع بوح هؤلاء النساء ببعض من الأهوال التي عاشوها في تندوف قبل الالتحاق بأرض الوطن . فبلهجة تقطر مرارة روت السيدة عماري السالكة - وهي معتقلة سابقة في سجون ما يسمى بالبوليساريو - روت مشاهد من ذكريات أسمتها ذكريات الرق والاستعباد، مؤكدة أنها لا تستعمل كلمة الرق مجازا، بل إنها تقصد معناها الحرفي، إذ أن البشر فعلا يباعون مقابل المال في مخيمات تندوف، وأن وضع المتاجرة بالبشر هذا يشمل حتى الرجال، وإن كان الأطفال والنساء هم الأكثر عرضة للبيع والشراء على اعتبار أنهم يشكلون الحلقة الأضعف. نتيجة لذلك فإن الأسر هناك مفككة ومشتتة، ويتجلى الشتات فعليا في فقدان أثر الأخ أو الأب أو الإبن أو حتى الطفل، الذي يختطف من أهله في سن مبكرة ليباع في كوبا أو لينقل إلى الجزائر أو إسبانيا دون أن ترد لأهله أية معلومات عن مصيره، بل إن بعضهم يقضي نحبه غريبا عن وطنه وذويه دون أن يعلم به أهله ودون حتى أن يتسلموا جثته. في هذا الإطار روت السيدة السالكة قصة اختطاف ابنها الشاب الذي لم يتجاوز 17 ربيعا، والذي حاول الهرب من مخيمات الذل في تندوف مشيا على الأقدام، فقبض عليه وزج به في السجن معصوب العينين لمدة سنتين، كما أكدت أن اعتقال ابنها عذبها أكثر مما عذبها اعتقالها هي بالذات، لأن ذلك يشي برغبة البوليساريو في استعباد الجميع ذكرانا وإناثا، وإذا كانت المرأة تظل أكثر قهرا وتعذيبا من الرجل، إلا أن الوضع الإنساني والحقوقي في شموليته مزري وخطير، خاصة وأن المساعدات الإنسانية تسرق كلها ولا يصل منها شيء للمحتجزين . أما فيما يتعلق بتعليم الفتيات، فقد أكدت السيدة السالكة أن هذه الرفاهية لا تحلم بها النساء هناك، فالتعليم لا يسمح به إلا لأبناء كبار المسؤولين الذي يختلسون كل الخيرات من أصحابها، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، أما أبناء الناس العاديين فمصيرهم الاختطاف من حضن آبائهم بغرض بيعهم حيث يشحنون مثل الرقيق إلى كوباوإسبانيا . وعلى مستوى آخر أكدت السيدة السالكة أن قادة البوليساريو يكذبون ويزورون ويخدعون الرأي العام في كل شيء، فلا حرية ولا ديمقراطية لديهم، إنما " خبزهم اليومي هو القهر والاستعباد والشتات " على حد قولها، مشيرة إلى أنهم يأخذون امرأة واحدة يختارونها من حاشيتهم، لتلعب دورا مسرحيا في تمثيلية رخيصة تروم خداع الرأي العام العالمي، في حين أن واقع النساء هو الاستغلال اليومي والبيع والتعذيب والسجن في زنزانات لا تليق حتى بالحيوان . من جهتها أكدت السيدة مصقولة الحسان - وهي من العائدات اللواتي فررن من جحيم تندوف للعيش في أرض الوطن- قساوة ظروف العيش في المخيمات، واصفة المعاناة الإنسانية هناك بغير المحتملة بسبب غياب أبسط شروط الحياة الأساسية، كما أوضحت - من منطلق تجربتها في العودة - أن طريق الرجوع لمن أراد أن يهرب بنفسه من الجحيم هو طريق محفوف بالمخاطر، وقد يجد نفسه هذا الهارب محتجزا في أي لحظة في سجونهم لمنعه من العودة، أو قد قبض ثمن بيعه وفقد حريته، مما يفتح المجال من جديد للمزيد من الشتات والتفكك الأسري، مؤكدة أن مقترح الحكم الذاتي هو حل سياسي وأيضا إنساني وحقوقي في الوقت ذاته، لأنه حل يلم الشتات ويجمع الأسر ويكفل كرامة وحقوق المواطنين . وبدورها أشارت السيدة عاليا الشكاف - وهي من المغربيات الصحراويات المقيمات في مدينة الداخلة ومن المستفيدات من عملية تبادل الزيارات - أشارت إلى أن وضع الرق والاستعباد في مخيمات العار بتندوف لا يزال على ما هو عليه، وهذا ما عاينته بنفسها في زيارة لأقاربها هناك قامت بها مؤخرا، كما أكدت أن المخرج الوحيد الإنساني والاجتماعي والحقوقي والسياسي للأزمة هو مقترح الحكم الذاتي الذي سيعالج الوضع من كل النواحي. من جهتها صرحت السيدة أمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان " أننا ونحن نحتفل بنساء العالم لابد أن نلفت الانتباه لكي تقف المنظمات الإنسانية والحقوقية على الصعيد العالمي وقفة قوية بغرض الدفاع عن حق المغربيات المحتجزات في تندوف ". حديث المغربيات الصحراويات في عيد المرأة العالمي لم يكن فقط حديث مرارة طفى على السطح أثناء استرجاع ذكريات الاحتجاز في تندوف، بل كان أيضا حديث فخر بالإنجازات التي حققتها المرأة المغربية في أقاليمنا الصحراوية والتي تنخرط بحزم وعزم إلى جانب الرجل، في عملية الإقلاع التنموي التي تعيشها بلادنا من طنجة إلى الكويرة، وقدمت في هذا الشأن تفاصيل عن هذا الإقلاع التنموي من قبل أسماء معروفة مثل السيدة حجبوها الزبير من العيون والشاعرة محجوبة الداودي من الداخلة . تجدر الإشارة إلى أن إذاعة طنجة – وكعادتها كل سنة - أهدت كامل بثها ليوم 8 مارس لقضايا نسائية كما أن كل ما قدم على الأثير من أغاني وبرامج وحوارات وتحقيقات كان بلمسات أنثوية ومن إنجاز كفاءات نسائية، إذ احتجب صوت الرجال وترك المجال كاملا للنساء لتبحن بهواجسهن ولتدرسن مشاكلهن وقضاياهن ولتتقاسمن أحلامهن وطموحاتهن . تقاسم الأحلام والطموحات تصدره الحلم في تحرير النساء المغربيات المحتجزات في تندوف من ظروف الرق الذي ترزحن تحت وطأته، وقد كان هذا واحدا من الأهداف التي طمحت إلى تحقيقها " إذاعة طنجة العاليا صوت كل الناس " وهي تعلي صوت المرأة المغربية الصحراوية التي ناضلت لتنال حريتها حين كانت محتجزة في تندوف وتناضل الآن لتبني إلى جانب الرجل وطنها بعد أن استعادت هويتها.