: أول أمنية كان عبد الله بلحفيظ، قد عبر عنها مباشرة بعد تسلم مهامه كوالي للأمن بطنجة، قبل سنتين، هي أن تكون مدينة البوغاز، محطة لتتويج نجاحاته وإنجازاته في مجال الأمن، منذ أن تخرج في رتبة عميد للشرطة. غير أن بلحفيظ، والي الأمن الذي تم إعفاؤه يوم الاثنين بقرار من المديرية العامة للأمن الوطني، عندما كان يسرد أمام الصحافيين بانتشاء كبير، إنجازاته ونجاحاته في الرباطووجدة وغيرها من المدن التي شغل فيها مناصب أمنية، لم يتوقع بالمرة أن تكون نهاية مساره المهني الحافل بهذا الشكل، أي أن يتم إلحاقه بدون مهمة في الإدارة المركزية للأمن الوطني، تلك الإدارة التي يطلق عليها العاملون في سلك الأمن مصطلح "الكراج". و"الكراج" كما هو معلوم هو ذلك المستودع الذي يتم فيه إيداع الأدوات المعطوبة إلى حين التخلص منها أو إصلاحها في أحسن الأحوال. لكن يبدو أن الاحتمال الثاني غير وارد مع والي الأمن المقال بلحفيظ، لأن الرجل مقبل على التقاعد، بمعنى أن "كراج" مديرية الأمن هو آخر محطة له في مسيرته المهنية. وبخلاف حالات عدد المسؤولين الأمنيين الذين تم إلحاقهم بالمديرية المركزية بدون مهمة، لارتكابهم أخطاء وتجاوزات مهنية ثابتة، فإن حالة عبد الله بلحفيظ، تبدو مختلفة قليلا، فبالرغم من استمرار حالة التردي الأمني وانتشار الجريمة في مدينة طنجة، وفشل الأجهزة الأمنية في فك لغز حوادث خطيرة عرفتها فترة ولاية بلحفيظ، فإن سرقة تلفاز من قصر أمير سعودي معروف بطنجة، كان وحده كاف ليشكل السبب المباشر في إعفاء والي الأمن من مهامه وإلحاقه ب"الكراج". وبالحديث عن الأخطاء المهنية، فإن بلحفيظ الذي انتهج منذ مجيئه إلى طنجة، إستراتيجية أمنية مختلفة عن سابقيه من مسؤولي الأمن بالمدينة، غير أن هذه الإستراتيجية، ارتبطت بشكل كبير حسب العديد من المراقبين للشأن المحلي، بمجال المرور والجولان، فيما لم يتم لمس أي تطور بالنسبة للجوانب الأخرى في المجال الأمني، ربما هذا هو السبب الذي جعل البعض يطلق على عبد الله بلحفيظ صفة "والي أمن المرور". وفي الوقت الذي استبشر فيه الكثير من سكان طنجة بمجيء عبد الله بلحفيظ، بعد أن روي عنه (وروى عن نفسه أيضا) الكثير من الإنجازات، في وجدة على وجه الخصوص، فإن أمل المواطنين سرعان ما خاب فيما يتعلق باحتواء الوضع الأمني في المدينة، الذي ظل يعرف حالة تردي مستمرة منذ ماي 2012 (تاريخ ترسيم بلحفيظ واليا لأمن طنجة). ومن تجليات فشل إستراتيجية بلحفيظ، حسب ساكنة طنجة، هو عدم وفائه بتعهده بالقضاء على بؤر الدعارة والفساد في المدينة، خاصة "زنقة الشياطين"، الواقعة غير بعيد عن مقر ولاية الأمن. غير أن السقوط الفعلي بدأ بتاريخ 22 فبراير 2014، عندما عاشت مدينة طنجة أطوار أخطر عملية سطو، استهدفت وكالة بنكية في واحد من بين الشوارع الحيوية بالمدينة، حينها قام ثلاثة مجهولين بإطلاق الرصاص على حراس ناقلة أموال كانت تستعد لتفريغ حمولاتها بالوكالة البنكية، وقاموا بالفرار بعد أن سرقوا مبلغا ماليا كبيرا تضاربت الأنباء حول قيمته. لكن الأجهزة الأمنية لم تتمكن من القبض على الجناة وكأن الأرض ابتلعتهم، في المقابل، تم إطلاق حملة واسعة ضد مستعملي السيارات الحاملة للزاج المعتم، خاصة تلك الحاملة لنفس شعار ماركة السيارة التي تم تنفيذ الجريمة بها. وقبل ذلك، وبالتحديد بعد شهور من تولي عبد الله بلحفيظ منصبه بطنجة، تسببت إستراتيجيته الأمنية، في أخطر حالات انفلات أمني في منطقة بني مكادة، عندما اختار استعمال القنابل المسيلة للدموع وسط تجمعات سكنية تضم مستوصفا ومستشفى بالإضافة إلى مدرسة، من أجل تنفيذ حكم قضائي، يقضي بإفراغ منزل من عائلة، أحدا أفرادها كان يعاني من مرض أدى إلى وفاته داخل مقر ولاية الأمن، الأمر الذي كان يهدد باشتعال الأوضاع على نطاق واسع منطقة بني مكادة، في الوقت الذي لم تفلح فيه هذه الإستراتيجية في تحرير الملك العام بمختلف مناطق المدينة. لكل جواد كبوة، ولما لا كبوات، وهذا ينطبق كثيرا على عبد الله بلحفيظ. فهناك أرقام كان يصرح بها الرجل، تؤكد تحقيق نتائج إيجابية في إطار الاستراتيجية الأمنية دائما، لا سيما في مجال المرور، بالإضافة إلى اعتقال العديد من الرؤوس الكبيرة في مجال ترويج المخدرات وسط الأحياء السكنية، وإن كانت هذه الأحياء نفسها ما زالت تعرف استفحالا خطيرا في هذه الأنشطة الإجرامية.