– متابعة: "طنجة تغيرت كثيرا، لم تعد تلك المدينة التي عهدناها أيام طفولتنا، جمالية أزقتها وشوارعها تدهورت بشكل كبير"، هذه بعض ارتسامات مواطنين إسبان ولدوا وعاشوا في مدينة طنجة سنوات الخمسينات والستينات، قبل أن تحملهم الأقدار إلى بلادهم الأصلية في إسبانيا، لكن وجدانهم ظل مرتبطا بمسقط رأسهم في مدينة البوغاز. هم إسبان بمقتضى الرابطة الدموية التي تربطهم ببلدهم وبمقتضى قوانين الجنسية المعمول بها، عاشوا نعومة طفولتهم وجزءا من ربيع شبابهم بأحياء في المصلى وكازا كابيطول وشارع سينارو وشارع إيطاليا، أحياء جعلتهم يحسون بأن انتماءهم الحقيقي يعود إلى مدينة طنجة أكثر من بلدهم الأصلي في إسبانيا. هم أعضاء مؤسسون ونشطاء في إطار جمعوي اختاروا له اسم "Simpre Tànger"، كمبادرة تهدف إلى حفظ ذاكرة ماضيهم الجميل في المدينة. كان لبعضهم معنا حديث حول علاقتهم بمدينة البوغاز خلال زيارتهم لمقهى "لحظات طنجة" الثقافي، الذي يشرف عليه الفاعل المهتم بمجال تاريخ طنجة، يونس الشيخ علي. "أنا طنجاوية"، تقول أولغا (58 سنة)، إحدى ناشطات الجمعية معبرة بلهجة مرحة عن انتمائها العميق لمدينة طنجة، ثم تضيف "المزاج الطنجاوي يعجبني كثيرا وهو ما يدفعني لأقوم بزيارات مستمرة من وقت لآخر لأستمتع بالتجوال بين أزقة المدينة". متعة التجوال بين أزقة وشوارع طنجة، التي تتحدث عنها أولغا، تعكرها الكثير من المظاهر السلبية التي طرأت على المشهد العام، "كلشي تبدل في طنجة، كاين عمارات بزاف"، تقول الناشطة الجمعوية في حديثها إلى "طنجة 24" معبرة عن أسفها لتراجع جمالية ورونق شوارع المدينة "الازقة التي كنا نسكن فيها أصبحت في حالة رثة"، تضيف أولغا بلهجة طنجاوية تتخللها كلمات إسبانية وفرنسية. وبنفس المشاعر يعبر "ريكاردو غارسيا"، ناشط آخر من أعضاء جمعية "Simpre Tànger"، عن إعجابه بطنجة وأيضا تحسره لزمن "الهينون" الجميل، غير أنه أبى إلا أن يدرج بين ثنايا تصريحاته حادثة يعتبرها مثيرة وقعت له مع الملك الراحل محمد الخامس "كان عمري سبع سنوات عندما خرجت مع أمي إلى ساحة 9 أبريل لاستقبال السلطان عند زيارته إلى طنجة، لكني تفاجئت بطلب محمد الخامس لي من بين مئات الأطفال المغاربة والإسبان، وأمام ذهول وهلع والدتي التي لم تعرف السبب اصطحبني السلطان إلى قصره. وفي المساء عدت بقفة محملة بالفواكه والشكولاتة والخضر وما لذ وطاب من الطعام". غارسيا المولود سنة 1953 بشارع كاستيا بمدينة طنجة، يبرز مدى ارتباطه بمدينة البوغاز الذي لم ينقطع رغم انه غادرها منذ أكثر من خمسين سنة، "كل سنة أزور طنجة لتذكر نفحات الماضي وأيضا للترحم على والدي الذي توفي سنة 1957 ودفن في مقبرة بوبانة"، يشرح غارسيا القاطن حاليا بمحافظة ألكانطي الإسبانية. وحكايتا أولغا وغارسيا مع طنجة ما هي إلا جزئين صغيرين من حكايات عديدة لإسبان ولدوا وترعرعوا في طنجة أيام "الهينون" الدولي، وما كان تأسيس هذه الجمعية في اسبانيا إلا نتيجة لحنين الذكريات لهذه الحكايات التي تغلف ماضي هؤلاء الاسبان الذين أبوا أن ينسوا طنجة وقررا أن يتذكروها إلى الأبد.