هل تعيد موسيقى الآلة، وقصائد المدح، والمديح، والغزل، والموشحات، والتواشي، وغيرها من ترانيم "طيري طان" و طاني طاناي" و"يا لالا" مدينة طنجة إلى أحضان التراث الأندلسي الجميل بمفرداته الإبداعية، وأصالته العربية الأموية، بطابعها الغربي الآوروبي المتوسطي. ذلك المزيج المركب في مختبرات قصور بني أمية صقور قريش، الذين جلبوا كل شيء جميل من شام وبغداد العرب، إلى قرطبة واشبيلية وغرناطة الأندلس؟0 وهل تدير طنجة ضهرها لتتجاهل التحايا، ونسيم الصبح، وشمس العشي، مع جبال نطقت أبجدية العرب زمان الوصل بالأندلس، فكانت قلبا يعشق كل جميل، وصدرا احتضن كل إبداع ومبدع، فتلاقت فيها بلاغة وفصاحة الراندي، والنابلسي، وابن الخطيب000بأوتار زرياب، وإيقاعات تلامذته0 فكانت النوبات، وكانت الأندلسيات والآلة. إحدى عناصر الامتداد الأندلسي بالمغرب، لمَا اختاره المورسكيون مستقرا لهم بعدما أساء الصبح في تفرقهم، ونزحوا مرغمين من فردوس فقدته العروبة تهاونا، إلى مغرب لم شملهم بما حملوه من فتات حضارة أبهرت الدنيا، ولم تتجاوزها الأزمان، رغم سنين الضياع في بحر الندم؟. فعندما تمتزج دندنة الأوتار، وإيقاعات الطبل والدف، ومواويل الحناجر الدافئة، بفضاء قصر بهي مزخرف من عهد السلطنة، والمشيء على إيقاعات التواشي السبع، وسط روض ضاحك كخرُود صبّغتها بوادِرُ الإحتشام، فذاك موعد لا يُنكر، مع فن لا يُذكر إلا بوَلع يزداد انتشارا جيلا بعد جيل. وكأن ليل قرطبة لم ينجلي، ولم ينتهي الأندلس من أفراحه، وكذلك عيش المحبين لا ينقضي. هي ثقافة توارثت آباءً عن أجدادٍ، وتجدرت وترسخت، فصارت ملتصقة بهذه المدينة كمثيلاتها من مدن مغربية معدودة، استقر بها من هاجر الأندلس كُرهاً. فكانت خير حافظ لها من الزوال والضياع، وباتت موروثا لا غنى عنه، وخصوصية نتباهى بها بين نظرائنا، ممن اعتُبروا معاقل للفن والموسيقي العربية. ولم يكن ذلك الارتباط اعتباطيا، بل له تاريخ و ذكرى، وتوثيق ليس له ناكر، فقد قال عنها أبن الأبار الأندلسي البلنسي وما خالفت غرناطة رأي ربة ** لتشمل أنوار الهدى كل جانب وجبان لم تبرح كشلب وطنجة ** مبارية هوج الصبا والجنائب و للإجابة على السؤالين السالفين، لابد أولا من قراءة في خارطة المهرجانات التي تتوالد و تتناسل سنة بعد أخرى بهذه المدينة، ومدى خدمتها لتراث المنطقة، وموروثها الفني والثقافي، ومدى مساهمتها في دعم مخطط التنمية، وخاصة في شقه السياحي. فكما ذكرنا في مناسبة عديدة، تفتقد طنجة لمهرجان يقترن باسمها وعراقة تاريخها، اقتران مهرجانات دولية وحتى عالمية بمدن عريقة كفاس، والرباط، والصويرة، والمراكش...وكلها مهرجانات بخصوصيات جغرافيتها، وثقافة أهلها. غير أن طنجة ورغم تنوع ثقافتها، وتموقها الجغزافي الذي يعطيها تميزا قل مثيله، ملتقى الثقافات، و معبر الحضارات، تعيش على طول السنة علو إقاع مهراجانات متناسخة، لا تخدم المدينة في شيء، اللهم بعض الاستثناءات. فكثيرون هم من أرادوها غربية وهي ليست كذلك، وكثيرون أرادوها أمازيغية ولا هي كذلك أيضا، وكثيرون أرادوها جبلية وليس ذلك طبعها، وكذلك أرادوها زاوية للدراويش والمتصوفة وهي منفتحة غير منغلقة، وقابلة لتعايش الجميع فوقها، فتكاثرت المهراجانات وتنوعت، وغابت روح المدينة وحضور أهلها، وانتشر الصخب ما بين جاز، وطقطوقة، و راب، وعرض أزياء لا علاقة لها بالمدينة وتقاليد أهلها. وكل نافع ومستنفع طبعاً، وكل شيء بدعم مالي ولوجيستيكي متفاوة. بين ماهو لفلان، وصاحب فلان، وما ليس له علاقة لا بالأول ولا بالثاني. أرقام تتجاوز خط المعقول في كذا مهرجانات، وأخرى يخجل المرء من ذكرها في غيرها. فعنما نستمع لمدير مهرجان نحسبه يليق بمدينة طنجة، ويفي بالغرض إلى حد كبير، في ظل الإمكانيات المتواضعة التي ترصد له، وفي ظل غياب الدعم المماثل للذي يحظى به غيره، وهو يتحدث عن الإكراهات المادية التي تواجه تنظيم مهرجان يتغنى بالتراث الأندلسي الذي يعشقه الطنجويون إلى حد الجنون، فإننا نتأسف كثيراً، كون مال المدينة لا يستفيذ منه سوى مهرجانات الجاز و الطّْنِيزْ، التي علاقة لها بالمدينة وساكنتها لا من قريب ولا من بعيد، ولا يعلم غالبيتهم مواعيدها، ولا حتى أماكن إقامتها، تلكم هي التفاهة بعينها، وتلك هو الاستهزاء بالناس وطبعهم. طنجة ليست في حاجة لإحياء ثقافة غيرها في مهرجاناتها. وليست بديلا عن أية مدينة غربية، ولا أهلها في اشتياق لثقافة غيرهم. لكنها بحاجة إلى مهرجانات بخصوصيتها وخصوصية مغربيتها، وبإشعاع دولي و عالمي، يرقى بسياحتها، ويجلب إليها العشاق من كل فج عميق. فكذلك كانت دائما وجهة لكل عاشق محب للفن والإبداع، وكذلك نريدها بعيدا عن المزايدا والمناقصات. وبمنأى عن التنافس الحزبي الذي خرب كل شيء جميل، وأفسد كل الأذواق التي تربت على كل ما هو رفيع.