مهرجان ربيع سيدي بليوط بنفحاته الأندلسية، في هذه الدورة (2013 - الخامسة) سلط الضوء مساء يوم الاثنين 15 أبريل الجاري بالمركب الثقافي للمقاطعة على مظاهر الثقافة الأندلسية بالمغرب عبر ندوة ثقافية، استحضر من خلالها الباحث والعارف بمكونات الحضارة الاندلسية الدكتور أحمد عيدون الى جانب السيد محسن لعلى مراد والفنان عبد الرحيم المنياري،الجوانب الرئيسة والمضيئة في تاريخ المغرب والاندلس منذ سقوط غرناطة وربطها بالالوان الموسيقية الاندلسية التي عرفها الغرب الاسلامي بضفتيه الجنوبية والشمالية والتي ساهمت فيه حركة الهجرة التي ظلت مستمرة، بل وداعمة لهذا التلاقح الحضاري المتقارب جدا في تناغم وتمازج رائعين. وفي جو شبه دراسي تعليمي قام الدكتور أحمد عيدون من مقعد محاضرته ليشرح طبقه الموسيقي الاندلسي بعيدا عن التنظير، ليفسح المجال للفرقة الموسيقية التي كانت تتقاسم فضاء الخشبة بقيادة رئيس الجوقة السيد بريول، التي شنفت مسامع الحاضرين، والذين كانوا بالمناسبة كثرا، بألوان أندلسية حسب الطلب وما يقتضيه المقام، فكانت بالفعل، كما قال الباحث عيدون، هندسة معمارية بكل المقاييس. وإذا كانت النوبة الموسيقية هي عبارة عن متتالية غنائية، فإنها عند الاندلسيين المغاربة تتفرع الى إحدى عشرة نوبة اختصت بها كل من المدرسة الشمالية من تطوان الى طنجة والمدرسة الوسطى بصيغة أهل فاس. وهي التي عرفت مجموعة من التأثيرات مشرقية كالتي استاقتها من قرطبة نتيجة هجرة أهل المدينة إليها وانتقالها إلى المغاربة في شكل «حجاز كبير»و«اعرق اعجم»،... لكنها عندما وصلت إلى الفنانين والعازفين المغاربة المهرة طرزوها بنكهة محلية نطقا وعزفا عن طريق إدخال بعض العلامات غير الموجودة في الأصل الاندلسي نفسه وهو الذي - بالتالي- سيضفي عليها طابع التأصيل المحلي المغربي، وهو ما سبق وأن اشار إليه قيد حياته المفكر المغربي علال الفاسي حين وصف الموسيقى الاندلسية بأنها موسيقى مغربية بقوله «الموسيقى المغربية المسماة أندلسية». إن الموسيقى الاندلسية في استعمالاتها المتعددة تشتغل على «الرصد» الذي يجد جذوره عند أهل سوس وبتخوم الصحراء المغربية، وهو ما يبين أصالة التقعيد لهذا اللون الموسيقي. وفي حديث مستطرد للفنان عيدون أشار إلى ان الموسيقى الاندلسية إلى جانب نوباتها لها «طبوع» تصل إلى 26 طبعا، جعلتها محطة استلهام وتاثير في جل الالوان الموسيقية الاخرى، كالملحون والطقطوقة الجبلية وغيرها. والاكثر من ذلك وهو الجميل، أوضح الفنان عيدون، أنه من العيب أن ننعت الطرب الاندلسي بأنه طرب نخبوي تختص به فئة دون أخرى، وهو الموروث الذهني القديم والمغلوط، بل الموسيقى الاندلسية هي موسيقى المغرب الكامل، وبالتالي يجب العمل على إخراجها من هذه الانتقائية المفتعلة . إن اعتماد الموسيقى الاندلسية على «الشعر» و«الموشح» و«الزجل الاندلسي» كان مدعاة لفتح باب الاجتهاد الفني لدى المغاربة الذين اختصوا بما يسمى ب«البراويل»جمع بروال، وهو ملحون مغربي مائة بالمائة ،يصاغ بدقة متناهية عزفا وغناء، ويجد أذنا أكثر استساغة لطربيته وعذوبة ترانيمه. ولم يفت الاستاذ عيدون الحديث عن ما يسمى ب«التواشي» بلغة أهل الطرب الاندلسي، والتي تعتبر ملح الغناء والعزف المغربي. ختم الاستاذ عيدون مداخلاته النظرية وكذا التطبيقية بأن ألمع إلى أ المويسقى الاندلسية ليست مويسقى فقط، بل هي كانت ولازالت حاضرة في المعيش اليومي للمغاربة من خلال كونها وسيلة عمل بالأعراس والأفراح، وهي حاضرة، أيضا، في المأكل والملبس والعمارة، حيث يتجلى تنميقها للبيوت من زليج وموشارابي وزرابي... وبالتالي فهي منظومة كاملة وأيقونة الحضارة الإسلامية من المغرب إلى الاندلس. بعد ذلك، وفي حديث عربي دارج، استطاع محسن مراد أن يخرج من جلبابه الاداري الرسمي إلى صف الشارح المستفيض في علوم الطبخ وعلاقته بمنطقة الأندلس وكيف تم استنساخ جذور بعض الاكلات كالبايلا مثلا المأخوذة من كلمة البقايا والميريا الآتية من كلمة المرايا وغيرها كثير...وهو ما جعل من الليلة المغربية الاندلسية ليلة ثقافية تحظى بإعجاب كبير وتقدير متميز.