وجع ،أن نضطر إلى أن نلزم أنفسنا بعدم الاندهاش ..أن تتساوى عندنا ردود الأفعال ، و أن نصبح مجردين من الذهول و من الانبهار.. أن يصبح كل ما يقع حولنا من المتوقع ، وأن يصير من كانوا سببا في دهشنا ؛دهشة جميلة تحملنا إلى عهد الصفاء والنقاء وتسبر بنا أغوار المعاني وتعبر بنا مراقي الكمال، فننتشي أن ظفرنا بهم وأن كنا لهم من المحبين ، أن يصيروا مفرغين من أسباب انبهارنا ، محملين ، وفقط محملين بأسباب خيبتنا .. وجع ،ألا تعدو معاني الدهشة عندنا أن تكون سوى حيرة وخيبة وارتباك..أن لن يبق في قاموس انفعلاتنا شيء اسمه " اندهاش" و لا " استغراب" ..بل شارفت الأحداث من حولنا على أن تكون تطعيما يكسبنا مقاومة ضد هذه المعاني .. فهل سنرى أكثر مما رأينا ؟ وهل سنسمع أفدح مما سمعنا ؟ فكل حدث جديد إنما هو كوجه من وجوه زهر النرد ، وجه بنقطة و آخر بنقطتين و آخر بست نقط ، وفي الأخير تجتمع كلها لتسمى نردا .. وجع ،ألا أن تأتينا رسائل الغيب فلا نكلف أنفسنا استيعابها .. أن يأتينا الألم والمرض كي يطهرنا من عفن الذنوب وأدران المعصية، فنأبى إلا أن نركب المعصية وتركبنا..وجع أن نتلبس بالذنب، لنعلم معنى الستر والانكسار والتوبة والانطراح بين يدي التواب الرحيم، لكن نستمرئه ونستلذ استمرارنا عليه.. وجع ،أن يُسَخِّر لنا الله من خلقه من يشدون على أيدينا، ومن ينبهوننا، ومن يبذلون لنا النصح، فنمر عليه وكأن لم يخترق مسامعنا ..أن نذنب فنعلم أنه ذنب، ويفتح علينا الله بالبصيرة فتتألم قلوبنا لحظة، ولكن عوض أن نسأل الله العفو والستر والمغفرة، وعوض أن ننطرح بين يديه في صدق متهمين النفس بالتقصير، متوسلين له بقوته وضعفنا، وعفوه وظلمنا أنفسنا .. نعلل لأنفسنا وقوعنا فيه، ونبحث عن كل التبريرات التي تجعلنا نقترفه مرة أخرى من غير ألم قلب ولا وخزة ضمير.. وجع ،أن نذنب ونتستر عن الخلق دون الخالق، وأن نجعله سبحانه أهون الناظرين إلينا، فيكشف الله طويتنا، ويظهر سريرتنا لأقرب الناس إلينا دون غيرهم عل الصفعة تفيقنا، ويعامل جحودنا بلطفه علنا نرعوِ ونعترف ونتوب ونحسن ونصلح .. لكن يغرنا لطفه فنتمادى، ويجرّئنا حلمه ورفقه فننشئ لنا صفحات مكرورة من نفس الذنب .. وجع،أن نسدر في الخطأ، وأن نستمر في الغي، وأن يكبلنا الجحود والعناد..أن تسرقنا الفتن، فننسرق لها..وأن تطوقنا النقم فننيخ لها المطايا..وأن تكبلنا الشهوة فنستعبد لها..أن نعلم مواطن فتنتنا ونحدد من أين نؤتى..فنمارس العمى كي لا نرى بعين البصيرة هواننا.. وجع،أن نستفيق للحظة، لكن تلك الفتيلة التي جعلت لتضيء ما حولنا، نعمي بنارها أبصارنا ونستلذ ببؤرة الظلام .أن نعلم أن الوفود على عليم رقيب سميع بصير محيط شهيد مهيمن حفيظ، وألا نهيء جوابا كافيا مستوفيا مقنعا لما نحن عليه إذا ما بادرنا ملك الموت، وحضر الوقوف بين يدي الآخذ بالذنب شديد العقاب.. وجع ،أن ننسى في خضم الفتنة أن نسترجع الأنفاس وأن نخطط للنجاة فنهيء جوابنا .. جوابا منمقا مزوقا مرتبا بليغا كما نفعل في الدنيا، وأن ننسى أن الوفود على عليم، وأن الشهادة يومها ممن أنطقها الذي أنطق كل شيء.. .. وجع،أن لا يصنعك الهم ،ولا يجعلك تغترف من طاقات النور الكامنة في أعماقك ،و من بحار جود مولى كريم جوا ..فأكبر الخسائر أن تفقد التناغم مع نفسك ،وأكبر الهزائم أن يشكلك الأسى كما يريد وأنت قادر على بعث الروح في أنفاسك المتشظية.. وجع،أن ذات صلاح..كانت هناك قدوة ..فلما سقطت..تداعت في النفوس معاني الفضيلة وانهار جدار اسمه الثقة ..في بقية صالحة من عهد الأمل ..أتدري يا صديقي ؟ يا من كنت يوما صديقي ؟ لم أفعل أكثر من جعلك تطفو فوق السطح بعدما كنت تكتسح الأعماق..هذا كل ما في الأمر... وجع، أن تجد من استخفى في لحية (أو في خمار )، واحتمى بآية يحفظها ..وحديث يفقهه..و فصاحة تبهر من حوله ..ليعفي نفسه من مواجهة نفسه ، ويحس بأنه في أمان مادام اللسان قادرا على أن يكون الحاجز ما بين عيوبه وعيون من حوله.. وجع ،أن يرى الفردُ الناسَ و قد ظهرت لهم أنياب ، بعد سقوط الأقنعة !.أن يتحول الليل إلى وحش كاسر ، و يتحول السرير إلى أفعى تتلوى بحدة و خبث حتى تكاد تطبق على العنق!. أن يُسحَب من الحياة ألوانها و طعمها و نكهتها و راىحتها!. أن يمتلئ القلب بالأسى عن آخره ، و يسيل على جدرانه الدماء الزائدة الطافحة!. وجع ،أن بعض من يبتسمون في وجهك ويعبسون في حضورك للآخرين ، يبتسمون أيضا لهم في حضورهم ، ويعبسون لك في غيابك.. ويا ليت الأمر توقف عند العبوس... وجع ، أن تقف وقفة تأملية من أجل إعادة ترتيب الأوراق و تصحيح المسار ، تجد نفسك عاجزا عن تحديد موقع خطاك ، ولا تدري هل حملتك الأحداث خطوتين إلى الوراء من أجل خطوة حثيثة إلى الأمام ، أم أنها زرعتك في نقطة البداية .. وجع، أن تعزم الرحيل ، تشرع مراكبك وتحمل حقائبك ،ثم تبحث عن جواز سفرك فلا تجده.. فتقرر رغم كل شيء أن تسافر ، لكن إلى أعماقك..أن تحرك عقلك وأن تبحث عن نفسك وأن تحطم الأصنام.. ثم تجهز نفسك لمخالب تنهش وجهك و لعبارات إن لم تحترز من سمها مزقت منك الأحشاء.. وجع،أن تنتهي في الوقت الذي يكون فيه من حولك بالكاد سيبدأون ..تلك النهايات الحاسمة ،مثلها كمثل من تعسرت ولادتها لتتمخض عن جنين ميت ،فارق الحياة تماما في الوقت الذي كان يتهيأ لمعانقتها .. وجع،أن تريد أن تتكلم، لكنك لا تجد من يسمع منك ألمك فيصنه، أو يسعى معك في تخفيفه عنك دون أدنى أذى.لذا، تجد أن الأجدر بك ولك أن تكتم ألمك، وأن ترحل في هدوء وبلا ضجيج، فللمدينة أهلها، ولستَ من أهلها، وليس لك أهلٌ بها...مريرٌ جدا أن تصف الأمل لكل يائس، وأن تكون أنت اليأس لكل أمل.ولا أشد حرقةً على قلبك من أن تجد أحلامك وآمالك تتبعثر، الواحدة تلو الأخرى، وأنت مقيد عن أي فعل يحول دون حتفها، بل حتفك أنت، وكأنك تستمتع بموتك. وما يضيرنا أن ننتظر إشراقة الشمس ولو بعد الزوال ؟؟ فلعل غيما قد حجبها وما زالت به حتى قبِل أن ينزاح .خيوطها المتسللة بين أسمال الغيوم تشي بها على كل حال ، وتفرُّق نسيج الغيم في الفضاء الرحب يعلن أنه إلى زوال ..في انتظارك أيتها الشمس ولو أبطأت .. فلطلتك احتفاء و أي احتفاء. إلى ذلكم الجين لكم نحتاج اليوم قبل أي وقت مضى إلى تضافر الجهود من أجل تصحيح المفاهيم و إعادة النظر في المسلَّمات.. لكم نحتاج أن نقف وقفة تأملية تصحيحية نجدد فيها النيات ، ونجرد فيها الأخطاء ونصحح المسارات ..ويوم نتوقف عن اللهث وراء " ما قالوا" و" ما فعلوا" و " ما لم يفعلوا" (هم)..ويوم نغير اتجاه بوصلة سباباتنا من أقصى الأمام ، إلى صدورنا محابس زلاتنا ، و مخابئ سرائرنا ، و معاقل تقصيرنا و ضعفنا ..وحينما نوقف الزمان على أعتاب أخطائنا ، ونشغل بها أنفسنا عن زلات غيرنا ..حينها فقط ، سنعلم أن الهوى غير مستعصم ، والنفس شيمتها الأمر ،والشيطان لا يحابي أحدا ..ليس منا من له حصانة ولا حق على الله مفروض أن يعصمه من الزلل ..إن هو إلا مدده وتوفيقه وهدايته ومنعه سبحانه ..و سنعلم أن الستر نعمة وتفضل من الستير سبحانه ، و بأن ما يجرؤنا على فضله إن هو إلا حلمه وغفره وإمهاله سبحانه ..وسندرك حينها أنه لو كان للذنوب والخطايا روائح ، لزكمنا بها من حولنا ، ولجعلناهم ينفضوا عنا وينسلخوا من حبنا انسلاخ النهار من الليل..لكن الخطأ خطأ ، ولا شيء يسوغه ،و الحق لا تبرأ ذمتك أمام الله إلا بإحقاقه ولو على نفسك ،فقط أحسن الظن و اختر عباراتك و أنت تندد به ، فليس من العقل أن يصحح الخطأ بخطأ مثله أو أكثر منه .. وقراراتنا ؛يكفي أن تكون سليمة و محكومة بشرع الله لتجعلنا أكثر جرأة وأكثر جسارة وأكثر استعدادا للدفاع عنها .. طموحاتنا تخصنا وحدنا وليس لغيرنا أن يحجر عليها....لكن ثمة اختيارات لا ترضى إلا بدفعك مهرها..كلمة الحق والثبات عليها مع اعتبار الإنصاف فيها أرفع من كل جمل المجاملات والمداهنات ، فما كان لله دام واتصل. قد نذوق مرارة الحياة وعلقمها فتصير أمامنا كما السرداب ..ظلام ومجهول وخوف من مزيد اقتحام.. نرى ملاذنا و كل منجاتنا في شيء أحيانا نحسه بعيد المنال..نقلب أبصارنا بين المتاح و المأمول ، فتسري بنا غما وتعرج بنا كمدا ،و لا نجد لنا أنيسا غير الدموع واللوعة.. ثم ما نلبث أن تتذكر أن ديننا دين أمل ، و ألا يأس في حياتنا ..فننتشي و نحن نفرد أجنحتنا احتفاء بالقادم الجميل ..ونغرد بصوت شدي : ألا يا أيها الحزن ادرج فلست جحرك ويا أيها اليأس لست عشك ،قد سمت روحي وعانقت في سمائها الأحلام.. بعد كل الذي أضناني التعبير عنه ، وأنهكني بيانه ، وتمنعت عني فصاحتي في إظهاره..لا أملك إلا أن أقول لك شكرا يا صديقي ..لولاك لم رجٌت الكثير من المسلمات في دواخلي...شكرا لك