تحول مسرح سرفانتس، التحفة المعمارية الإسبانية التي احتضنت عروض كبار الفنانين والمسرحين العالميين، الى بناية مهملة آيلة للسقوط ومهددة بالاندثار، بعد مائة سنة على بنائه في مدينة طنجة شمال المغرب. على مسافة قصيرة من مرفأ طنجة القديم الذي سيتحول الى ميناء ترفيهي لجذب السياح، تقف معالم مسرح سرفانتيس المعمارية، شاهدة على تاريخ هذه المدينة العريقة في التجارة الدولية والحركة الثقافية، وسط تساؤلات حول إمكانية صمود هذه المعالم أمام عوامل الزمن في ظل الإهمال. ويقول برنابي لوبيز غارسيا، المختص في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية في تصريح لفرانس برس مذكرا بماضي "مدينة البوغاز"، "نحن في حاجة الى استعادة تاريخ طنجة عندما كانت مدينة للتعايش، فإحصائيات تعود الى 1919 توضح ان تعدادها سكانها وصل الى 40 ألفا بينهم 26 ألف مسلم و5 آلاف يهودي وما بين 6 و7 آلاف إسباني". في شهر دجنبر الماضي تولى هذا المؤرخ إقامة معرض تم تكريسه لمئوية مسرح سرفانتس، في محاولة لنفض غبار النسيان الذي يغطيه بسبب موقعه في نهاية شارع ضيق في منطقة شعبية من مدينة طنجة العتيقة، حيث صار شبه حطام يثير تذمر العارفين بتاريخه. ويبدو السيراميك الأصفر والأزرق الذي يزين واجهة هذا المسرح متهالكا، فيما الرسوم والنقوش على السطح فقدت ملامحها، وداخل المسرح يعلو الغبار ما تبقى من كراس قديمة. وتقول سيسيليا فرنانديز سوزور، مديرة المعهد الثقافي الإسباني "سرفانتس" في مدينة طنجة "إن حالة المسرح اليوم (المملوك للدولة الإسبانية) تبعث على الشفقة". ويصف الكاتب رشيد التفرسيتي ورئيس جمعية البوغاز لصيانة تراث طنجة، حالة هذا المسرح بحزن، قائلا "لقد صار شبحا بدون ملامح (...) فقد أحضرتموني الى هنا لأتحدث عن حالته، لكن كل مرة أعود الى هذا المكان أحس بألم يعتصرني". يضيف التفرسيتي متنهدا "إنه لمن المحزن أن تؤول معلمة مثل هذه كانت رمزا للتعدد الثقافي الى ما آلت إليه اليوم". واكتمل بناء مسرح سرفانتس، الذي سمي أيضا مسرح سرفانتس الكبير، سنة 1913 وهي سنة افتتاحه أيضا، حيث عاش عصره الذهبي في فترة الخمسينات من القرن العشرين لما وصل تعداد الجالية الإسبانية حينها الى 30 ألف شخص، وظل لفترة طويلة أكبر مسارح شمال أفريقيا وأشهرها. وكان المسرح يتسع ل1400 شخص، وهو جذب فنانين كبارا في تلك الحقبة التي كانت فيها مدينة طنجة تحت الإدارة الدولية. ويروي المؤرخ لوبيز لفرانس برس أنه "خلال الحرب العالمية الثانية، حاولت قوات فرانكو العسكرية التي كانت تحتل شمال المغرب وحاضرة في مدينة طنجة، محو الطابع الحداثي للمسرح وتحويله الى مسرح إمبراطوري عبر إضفاء طراز فاشي نيوكلاسيكي عليه، لكن لحسن الحظ فشلت بسبب عدم توفر المال لفعل ذلك". واكتسب هذا المسرح شهرة كبيرة مع تحول مدينة طنجة الى منطقة دولية بموجب اتفاق بين فرنسا وإسبانيا وبريطانيا في 1925، وتشكلت هيئة لادارة المدينة ضمت 18 نائبا أجنبيا وستة مغاربة مسلمين وثلاثة من اليهود المغاربة. ومن بين المشاهير الذين تناوبوا على خشبة مسرح سرفانتس، المغني أنطونيو كاروزو، والمغنية باتي أدلين إضافة الى فرق موسيقى الفلامنكو الإسبانية الشهيرة بداية القرن الماضي، والمجموعات الموسيقية العربية والمغربية، كما يشرح رشيد التفرسيتي. ويروي التفرسيتي أن والده أدى ادوارا عدة على خشبة هذا المسرح، ويذكر ايضا ان فرقة محلية كانت تسمى "الهلال" قدمت في العام 1929 مسرحية عطيل الشهيرة لشكسبير. لكن بعد الحرب العالمية الأولى بدأت الأحوال الاقتصادية لعائلة بينيا المشرفة على المسرح تتدهور، ولم تعد قادرة على تحمل النفقات، ورغم الاقتراح بتحويل المسرح إلى كازينو، إلا أن العائلة رفضت بسبب حبها وتعلقها بالفن والثقافة، لتضطر في آخر الأمر الى التنازل عن المسرح وتسليمه للدولة الإسبانية. وحتى اليوم لم تتوصل السلطات المغربية والاسبانية الى اتفاق لترميمه. وتقدر ميزانية ترميم مسرح سرفانتس بما بين 4 و5 ملايين يورو، لكن موقفه في حي شعبي مهمل في المدينة العتيقة يشكل نقطة ضعف لإقناع المسؤولين باتخاذ القرار لصرف هذه الميزانية، ولا سيما في ظل الازمة الاقتصادية التي تعصف باسبانيا.