عبدالغني الدهدوه، رسام الكاريكاتور المتميز الذي تلقى رسومه الساخرة صدى واسعا لدى الصحافة والشارع المغربيين، وذلك من خلال إطلالته عليهما كلّ أسبوع عبر صفحات جريدة المساء، بشخوصه الكاريكاتورية المشاكسة وأفكاره الأصيلة التي تولد غالبا وسط صخب مقهى باريس: مرصده الفني، الذي يستطيع منه التقاط نبض الشارع وأخذ صورة بانورامية شاملة عن الحراك الذي يدبّ في المجتمع المغربي. يعرف فن الكاريكاتور صعودا وانتشارا متناميا في الصحافة المغربية، إلى ماذا يعزى هذا التطور؟ -لعل السبب في هذا الصعود المتنامي، يعود بالأساس إلى تغير ظروف النشر، ليس الكاريكاتير سوى جزء لايتجزأ من الصحافة بشكل عام، ولذلك فإن الذي يتطور في المغرب هو ميدان الصحافة، لأنها تعيش على إيقاع نقلة نوعية، من مرحلة هيمنت خلالها صحافة الهيئات السياسية، الرسمية منها، وغير الرسمية، إلى مرحلة أخرى، مغايرة تماما، حيث أضحت الصحف الأوسع انتشارا في البلد هي تلك التي يملكها خواص، معظمهم أصحاب دربة في الميدان الصحافي، والمعادلة تقول: إذا تطورت الصحافة فإن الكاريكاتير يجد كل الظروف مناسبة للإنتعاش والتطور والعطاء. ولكي نكون منصفين اتجاه أنفسنا واتجاه هذا الفن، فإننا يجب أن نعترف بأن أمام الكاريكاتير المغربي الكثير من المعوقات والصعوبات، والتي عليه مواجهتها، وعلى رأسها التضييق الممنهج على حرية التعبير، وتهميش هذا الفن المشاغب بطريقة مكشوفة، سواء من طرف بعض أرباب الصحف التي تهادن أصحاب القرار السياسي، أو من طرف جهات أخرى، تعتبر نفسها وصية على الشأن الثقافي..وكثيرا ما تجدني أتساءل عن مكانة الكاريكاتير وسط المهرجانات الفنية المائة، التي تنظم في المغرب كل عام. حيث يغيب فن الكاريكاتير بشكل مكشوف وواضح للعيان، وهو مايعبر عن تبرم، وخوف، واضحين، من هذا الفن المشاغب، وعلى العموم أرى أن مهمة رسام الكاريكاتير في بلدان العالم الثالث لازالت نضالية. هل هو تطور كمي أم نوعي؟ -التطور (النسبي) الذي حصل، حصل على مستوى الجبهتين معا، من الناحية النوعية، برز انعتاق واضح من التأثير الكبير الذي صبغته مدرسة العملاق ناجي العلي على أعمال الرواد، وفي هذا الجانب رأينا كيف بدأت تتجه أعمال الجيل الجديد نحو السخرية، بل تجنح أحيانا إلى التهريج!، عوض تلك السمة المأساوية والمريرة، التي كانت تطبع أغلب أعمال جيل الرواد.. أما التطور الكمي، فلاشك أن كل شاب موهوب بفن الرسم، أضحى يفكر في ولوج عالم الكاريكاتور، بسبب الإغراء الذي يمارسه هذا الفن بسحره وسخريته على المتلقي.. لماذا لا يتجاوز الكاريكاتور المغربي نطاق المحلية؟
-للكاريكاتير المغربي حضور لابأس به في خريطة الكاريكاتير العالمي، وفوز بعض الفنانين المغاربة بمسابقات تنظم على الصعيد الدولي، ومشاركة البعض الآخر في مهرجانات عالمية، يؤكد ذلك.. نلاحظ في السنين الأخيرة اتكال الكاريكاتور المغربي على الكلام بشكل مسهب، متى ينتهي الرسم ليبدأ الكلام؟ - في الواقع لا يتعلق الأمر باتكال، بقدر ماهو "موضة" عالمية يعرفها فن الكاريكاتير.. ولا ننسى إكراهات الواقع الذي يفرض نفسه، فالكاريكاتير يشبه السينما في توجهاته وخطابه، ونقاد السينما حينما يتناولون موضوع المباشرة في تناول المواضيع، أو بعض نقاط الضعف (التي يرونها كذلك) في الأفلام، يواجهون بأن ″السوق عايز كده″ وأن المخرجين إذا خاضوا في الإنتاجات التي تتخذ من الفن غاية وهدفا، فإن الإفلاس سينتظرهم في أقرب منعرج.. والأمر ينطبق على الكاريكاتير.. فإذا ما كنت أنشد طوال مسيرتي المتواضعة الرسم الدال، والساخر، بدون الحاجة إلى الكلام، فإن تلك الأعمال لا توافق بالضرورة المنظور الذي يرى من خلاله رئيس التحرير الأمر، فهو يضع نصب عينيه الشرائح الإجتماعية العريضة التي تستهلك المنتوج الصحافي.. وخلاصة القول، إن الكاريكاتور يخضع مثل جميع الفنون الأخرى لقانون "الماركتينغ" وهو منطق آخر قد يبتعد عن المفاهيم المثالية للفن. هل هناك تواصل بين الكاريكاتوريين الشباب وجيل الرواد؟ - ليس هناك تواصل بين الفنانين في المغرب، قد تتحقق بعض الصداقات الثنائية بين البعض، لكن التواصل الحقيقي الذي نتطلع إليه منعدم، وهذا ما يجعل الفنانون يفشلون في تأسيس إطار يلم الشمل، ويوحد الجهود، من أجل حماية هذا الفن وممارسيه في المغرب. من أين يستلهم عبدالغني الدهدوه أفكاره و رسومه؟ - يقال إن المعاني موجودة على قارعة الطريق، وهذا يعني أن بإمكان رسام الكاريكاتور مثله مثل الفنانين الآخرين أن ينهل الكثير من الأفكار انطلاقا من إكراهات اليومي والمعيش، وخاصة الشرائح الإجتماعية الفقيرة والبسطاء، فالكاريكاتور رسالة إنسانية، غايتها تحرير الناس، وتحسين مستوى حياتهم. ففن الكاريكاتور ينتمي إلى الفنون التي تحاول أن تجعل الحياة أكثر يسرا على ظهر البسيطة..