بوريطة: إفريقيا لم تعد في حاجة إلى الشعارات الإيديولوجية وإنما إلى العمل الملموس والحازم    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    حزب الاستقلال بالحسيمة يكتسح الانتخابات الجزئية بفوزه بأربعة مقاعد    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    المغرب يقترح منصة رقمية "صينية-عربية" وبرامج تكوين في الذكاء الاصطناعي لتعزيز التعاون    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    "حكومة غزة": 65% من ضحايا الإبادة الإسرائيلية أطفال ونساء وكبار سن    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    هيئة حقوقية تدين حملات التشهير ضد ساكنة بن أحمد    الأمن الوطني يوقف مروّج وشاية كاذبة حول جريمة قتل وهمية بابن أحمد    انتشال جثة فتى من وادي ملوية بعد اختفائه    أزيد من 403 آلاف شخص زاروا المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    عبد الله البقالي يترأس أشغال المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بالحسيمة    متصرفو قطاع التربية الوطنية يطالبون بتدخل عاجل من أخنوش    أسعار النفط تستقر مع بداية الأسبوع    كيم جونغ يقر بإرسال قوات إلى روسيا    مقتل 68 مهاجرا في قصف أمريكي    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    الصين: المغرب ضيف شرف النسخة ال11 لمؤتمر رواد الأعمال لمنتدى التعاون الصيني العربي    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    تيزنيت : الوقاية المدنية و الهلال الاحمر درعا السلامة و الأمان ب"سباق النصر النسوي"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    رد حكيم من بوريطة.. إسكات استفزازات العالم الاخر ومسه بسيادة العراق    بنكيران وحزب العدالة والتنمية.. زعامة تتآكل وسط عزوف القيادات وهروب إلى المجهول    المرزوقي يدعو التونسيين لإسقاط نظام قيس سعيد واستعادة مسار الثورة    المشتبه به في قتل مصلّ بمسجد في جنوب فرنسا يسلم نفسه للشرطة الإيطالية    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    أجواء حارة في توقعات طقس الإثنين    فريق نهضة بركان يتأهل لنهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    "منتخب U20" يواصل التحضيرات    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    فوزي لقجع يهنئ نهضة بركان بعد تأهله إلى نهائي كأس الكونفدرالية    أزروال يهنئ لقجع إثر تعيينه نائبا أولا لرئيس الكاف: "إنجاز مشرف ويعكس الكفاءة العالية والعمل المتواصل"    الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب يختتم فعالياته على وقع النجاح    عزيز أخنوش يختتم فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بزيارة ميدانية    درجات الحرارة تسجل ارتفاعا ملحوظا غدا الإثنين    والد لامين يامال: كنت مدريديًا… لكن برشلونة وفر لي لقمة العيش    منصة رقمية تواكب منتجي الحبوب    الأوغندي أبيل شيلانغات والمغربية رحمة الطاهري يتوجان بلقب ماراطون الرباط    بعد ارتفاع حالات الإصابة به .. السل القادم عبر «حليب لعبار» وباقي المشتقات غير المبسترة يقلق الأطباء    جريمة بن أحمد.. الأمن يوقف شخصا جديدا    9 صحفيين يحصدون الجائزة الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    المديني: روايتي الجديدة مجنونة .. فرانسيس بابا المُبادين في غزة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقهى "الحافة" يتهيّب الزحف الإسمنتي
نشر في طنجة 24 يوم 10 - 03 - 2013

على هضبة مطلة على مضيق جبل طارق، في حيّ مرشان أحد أقدم أحياء مدينة طنجة في شمال المغرب، يقع مقهى «الحافة» ذو المدرجات الذي اشتهر كوجهة مفضلة لمشاهير الفن والسياسة والثقافة، سواء المغاربة منهم أو الأجانب. هنا تبدو الشواطئ الإسبانية قريبة جداً، وهي التي لا يفصلها عن البرّ المغربي سوى 14 كيلومتراً، حيث تغلب زرقة البحر على نظرات الجالسين وتأملاتهم، أمثال الروائيين المغربيين محمد شكري والطاهر بن جلون، والمؤلف الأميركي تينسي ويليامز، ومواطنه الكاتب بول بولز الذي اختار الإقامة في طنجة منذ عام 1935.
يتّخذ المقهى الذي يوشك على الاحتفال بعيده المئة، من البساطة والهدوء عنواناً له، ويبدو ذلك جلياً من خلال كراسيه البلاستيكية وطاولاته الإسمنتية المزركشة، وجدرانه القديمة المصبوغة بالأبيض والأزرق، وأشجاره التي تجالس رؤوس الزبائن المحتسين أكواب الشاي الأخضر. بساطة المقهى لم تثن قادة سياسيين عن اكتشاف «الحافة»، بعيداً من البروتوكولات، كالأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق وينستون تشرتشل. ويؤكد أحد مرتادي المقهى القدامى أنه كان كذلك قبلة للجواسيس خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. كما يعرف «الحافة» بأنه شهد لقاءات جمعت بين أبطال الحركة الوطنية ومجاهديها، وعلى رأسهم الزعيم المغربي علال الفاسي.
وفي واقعة تاريخية تكاد تكون مجهولة، اجتمع الزعيم اللبناني الأمير شكيب أرسلان خلال الساعات الأربع والعشرين التي سمح له الفرنسيون بالبقاء فيها في المدينة، بزعماء المقاومة المغاربية خلف أشجار المقهى.
ذُكر «الحافة» في كتابات المؤلفين، فقد اعتبره الإسباني لويس إدواردو «جنة للباحثين عن التأمل أمام بحر يتمدد بين الشواطئ الأفريقية المغربية والشواطئ بمذاق النعناع». ووجد فيه عدد كبير من الفنانين ذوي الشهرة العالمية، السكينة التي تمدهم بالطاقة، كفرقتي ال «بيتلز» وال «رولينغ ستونز» البريطانيتين، والممثل الاسكوتلندي شون كونري ومغني الروك جيمي هندريكس، والكاتب الإيرلندي صامويل بيكيت. أما الفيلسوف الفرنسي بيرنار هنري ليفي، فاشترى منزلاً تطلّ شرفاته على مدرجات المقهى.
عبد السلام الهواري واحد من أقدم روّاد المقهى، يروي قصة نشوء هذا الفضاء التاريخي. «في عام 1914 حين شيّد الراحل بامحمد المقهى، لم يكن البحر ينفصل عن «الحافة». كان المكان مجرد خلاء، لا أثر فيه للحياة». ويضيف: «الراحل بامحمد عمل أشهراً في اقتلاع الصخور العملاقة وبعض الأشجار، حتى حول ذلك المرتفع في المكان الموحش إلى مدرجات وحقل صغير شيّد عليه مقهاه». «ظل المقهى محافظاً على طابعه التراثي»، يفيد الهواري، مشيراً إلى أن «زواره كانوا يجلسون على الحصائر، ويتفقد طلباتهم الشاب الفتيّ بامحمد الذي كان حريصاً آنذاك على ارتداء الزيّ التقليدي (الجلباب والطربوش المغربي)». أنهك المرض بامحمد، في السنوات الأخيرة من عمره، فاضطر لتأجير المقهى لصاحبه الحالي عبد الرحيم العاقل الذي عمل فيه نادلاً منذ عام 1971، ولم يتخل عن الأواني النحاسية القديمة في تحضير الشاي وحساء الفول، أو البيصارة».
يبيع سي مصطفى الفاكهة المجفّفة في المقهى منذ 27 سنة. هنا بنى علاقات حميمة بالمكان ورواده القدامى الذين لطالما افتخر الفضاء بهم وتباهى بوجودهم. هنا كان يعرف سي مصطفى أخبار العالم والمشاهير من دون أن يشاهد نشرات الأخبار أو يقرأ الصحف، بل من أفواه الرواد من الصحافيين والفنانين والسياسيين. أما اليوم، فهو يتحسّر على «أيام العزّ» قائلاً: «تغيّر زوار المكان ولم يعد المقهى يجذب الكتاب والروائيين والفنانين والمتأملين. انحرف عن وظيفته الأسمى من مكان للتأمل والتفلسف إلى مكان مدمني المخدرات الذين يعكّرون صفوه بأصواتهم المزعجة». يصمت لبرهة، ثم يتذكّر أن «بعض الشباب ممن يريدون الحفاظ على روح المقهى وتاريخه، يطلقون مبادرات بين حين وآخر، تحت شعار «تعالوا نقرأ في الحافة»، فيما يستعرض آخرون مواهبهم الفنية...». هذا المعلم التاريخي والثقافي «الكوزموبوليتان» مهدد بالزوال اليوم. الزحف الإسمنتي والأبراج «الفارهة»، يبدو أنها لن توفّر هذا المقهى البسيط بعمارته والذي يعتبر موقعه أثرياً بامتياز. هذا عدا عن قيمته المعنوية التي تحمل في طياتها ذكريات طنجة وتبدلاتها. أثار الأمر استياء رواد «الحافة» واعتبروه ضرباً بعرض الحائط لمَعلم من معالم طنجة التاريخية، معتبرين أن تهافت أطماع المستثمرين على الموقع الاستراتيجي للمقهى، يشوّه الإرث الحضاري للمدينة. فهل سيحافظ أصحاب المقهى على ارث الراحل بامحمد الذي رفض إغراءات البيع لإيمانه الراسخ بأن المقهى يتمتّع بتراث إنساني يعتز به المغاربة عموماً وسكان طنجة خصوصاً؟ وهل ستعلو أصوات أهالي طنجة رافضين هدم المعالم القيّمة؟ أم أن «الحافة» سيصبح مجرّد صورة تذكارية تعلّق على جدران المتاحف؟
* عن جريدة الحياة اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.