التركيز على شمال المغرب كبنية ثقافية وتاريخية وقيمية، ومحاولات إحداث الطفرة الهوياتية به، أمر استوجب عليه ضرب ناقوس الخطر من لدن كل الهيآت المجتمعية القاسية والدانية الممتلكة لذرة من الضمير المجتمعي الحضاري. لا نعتقد أن هناك من أحد يشك في صيانة البقعة الجغرافية هذه للعديد من القيم الحضارية الإسلامية للمجتمع المغربي، قيم ناذرة تحكم الشكل العام والخاص للأسر المحافظة بالمنطقة التي احتفظت بالغالب بأصالتها. إن محاولات الزج بها في متاهات حقيقية أمر تتحمل فيه المسؤولية الدولة بشكل مباشر، وتسخير إدارتها والمال العام لخدمة هذه الأجندات مساهمة خبيثة لانفصام حقيقي للشخصية السائدة بالمنطقة. ابتدأ الأمر بتنظيم الابن المدلل لعائلة الفهري بفندق موفنبيك بطنجة لملتقيات دولية مشبوهة تحت غطاء الحوار الثقافي، تجاوز فيها الأشكال التقليدية للتطبيع مع الكيان الصهيوني –التطبيع الاقتصادي السياسي- إلى درجة استدعاء مجرمة الحرب الدولية تسيبي ليفني –وزيرة الخارجية آنذاك- أحد مهندسي حرب سبتمبر 2010 على غزة وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء. بعدها بقليل استضافت إحدى المكتبات الفرنسية المتواجدة بقلب مدينة طنجة وفي أكبر شوارعها عبد الله الطايع أحد الشواذ المسمى بهتانا وزورا بالأديب، وأحد مؤسسي جمعية "كيف كيف" للشواذ بالمغرب للدفاع عن أطروحاته الغير بشرية. لكن الصدمة كانت برسو السفينة البلجيكية بميناء تطوان المحمولة بسفاحين بدعوى الإجهاض، وتقديم خدمات مجانية للنساء الراغبات في الإجهاض، لكن الأمر لم يبدأ من هذه النقطة، بل ابتدأ بممارسات داخلية من جمعيات مشبوهة مختبئة تحت الجبة الحقوقية لتلتجئ لاحتقار الوطن بشعبه وإهانته بممارسة إحدى الأنواع الخطيرة من الاستقواء الخارجي ضد المصالح الداخلية للوطن. فمن محاربة الهوية والقيم وإعلان التطبيع، جاء دور نوع آخر من الأفعال الخسيسة، لكن هذه المرة كان له وقع خاص على النفوس، فكل الأخطاء تغتفر إلا الخيانة، خيانة وطن ودين، ونضال شريف، خيانة قيم المقاومة والممانعة لجيل فريد، اعترف بها العدو قبل الصديق، وضحى من أجلها أجدادنا بعد أن قدموا للأحفاد المشعل. برمجة شريط وثائقي بطنجة في المهرجان الوطني للسينما المطبع مع الصهيونية، وهو شريط "تنغير جيروزالم"، خيانة للموقف الشعبي (الرسمي)، خيانة للمقاومة الفلسطينية، خيانة لليهود المغاربة، ودعوة صريحة لأفضع أنواع التطبيع وخيانة للأمة. لكن هل سيبقى الشمال تحت رحمة قصف هويته وقيمه المثلى، هل لمحاولات تمييعه وفسخه أن تكف؟ سبق وأن حذرت أزيد من 17 هيئة مدنية في وقفة إنذارية عرض الشريط المطبع، وهناك دعوة لوقفة حاشدة الثلاثاء المقبل إن لم يحذف من برنامج المهرجان. لكن، إن تم اللجوء لسياسية الأذن الصماء وبرمجة الشريط، ستدخل المنطقة منعطفا آخر بقتل جذور قيم المجتمع، وتدخل بالجيل الجديد إلى المجهول، وتلحق الانفصام الحاد للشخصية المركبة للأجيال اللاحقة.