فقدت جماعة العدل والإحسان ومعها الشعب المغربي أحد أبرز قياداته الربانية والسياسية المناضلة، حيث انتقل إلى دار البقاء الشيخ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان، وخلف من ورائه صدقة جارية هي جماعته الإسلامية التي تحظى بتواجد عميق في الشارع المغربي طيلة قرابة الثلاثين سنة. وهي مناسبة استغلها لتعزية قيادات جماعة العدل والإحسان وأعضائها في وفاة الشيخ الرباني الجليل، سائلين الله عز وجل له جنة الخلد، ولأنصاره ومريديه الصبر والسلوان. ولا يجادل أحد في مناقب الرجل ومواقفه النضالية المعروفة اتجاه القضايا الإسلامية، وفي حرصه على توجيه رسائله لملوك المملكة ناصحا، ووفائه لمنهجه الراديكالي في التغيير والقومة والزحف ورفض الاستبداد، تماما على غرار منهجه التحليلي لمنهاج النبوة. وظلت دار المخزن على عدائها للرجل وجماعته، وتبنى كلاهما خطابا تصعيديا ضد الآخر، جعل كل منهما يتحين الفرص للانقضاض على الآخر ومحاولة التضييق عليه. ولعل فرصة الربيع العربي التي أتاحت للجماعة فرصة التعبير عن آرائها الراديكالية اتجاه النظام، قد جعلتها تحتفظ بذات مستوى الخطاب السياسي، الذي بدا واضحا أنه يخضع لإطار تحليلي ديني يشكل مرجعية في الفهم والخطاب لدى الجماعة، لم يكن من السهل تجاوزه لإقناعها بولوج مقنن للعمل السياسي، بالنظر لما يتسم به المخزن ذاته من احتكار للسلطة وفتك بأعدائه، وبالنظر لقدرة هذا الأخير وعلى مر التاريخ على تطويع مختلف المكونات السياسية التي تدور في فلكه. بصحة الأدلة الشرعية التي انبنى عليها كتاب المنهاج للمرشد، فإنه ينبغي علينا التسليم بأنه اجتهاد في باب التطبيق السياسي، مادام التاريخ الإسلامي لا يخلد نموذجا سياسيا واحدا للحكم، ولا يمنع من اقتباس تجارب الحكم الإنسانية الناجحة، خاصة نموذج الدولة المدنية المنفتح على تجارب التعدد السياسي والهوياتي، وله قدرة أكبر على استيعاب مختلف المكونات المجتمعية والسياسية. ولاشك أن انخراط الجماعة في حركة 20 فبراير إلى جانب المكونات اليسارية الراديكالية المعارضة شكل مناسبة لتطوير خطاب الجماعة، لكن من دون أن يصل إلى هذا الحضور المعارض إلى إيجاد أجوبة ومخارج حقيقية لفلسفة الجماعة في التغيير. لذلك فإن وفاة الشيخ عبد السلام ياسين قد لا تطرح أزمة خلافة داخل جماعة العدل والإحسان، بقدر ما يجب أن تثير إشكالية فكر، فهل رحيل الزعيم من شأنه أن يخلد نفس الفكر الموجه للجماعة، أم أنها ستشكل مرحلة لطرح كثير من الأسئلة حول مستقبل الجماعة، ليس فقط كجماعة دينية مربية، ولكن حول مستقبلها كفاعل سياسي معارض لا يمكن تجاوزه في الممارسة السياسية المغربية، وحول إمكان توظيف هذا المخزون النضالي في خدمة الشعب، وعدم الاستمرار في الانزواء في ركن المعارضة الراديكالية الذي يتحين فرصا ربما قد لا تجيء. ولربما حشرت نفسي في هذا النقاش حول جماعة العدل والإحسان، من صميم قناعتي بأن تحليل خطاب الجماعة ومنهجها من طرف القائمين على أمرها وفق مرآة الشرع والسياسة والشعب، يعتبر جزءا من النقاش العام الذي يحق للجميع المساهمة فيه، مثلما هو حق المغاربة جميعا في المساهمة في النقاش العام المرتبط بواقع مختلف الفاعلين السياسيين بالمغرب.