وكعادته على كل رأس سنة، لن يكف هاتفي المحمول طوال منتصف الأسبوع القادم عن الرَّن و الاهتزاز كباقي هواتف عباد الله، مُشْعِراً إِيَّايَ بوصول رسائل قصيرة، كتلك التي استقبلها كل آخر يوم من كل سنة ميلادية، تختلفت عباراتها حسب اختلاف أصحابها وجنسهم ومستواهم الثقافي، “سنة سعيدة”، “هبي نيو يير”، “بوناني”، “عام سعيد وعمر مديد” … ميساجات يتفنن مُرْسِلوها في تنسيقها وانتقائها، وكلها تصب في معنى واحد، التهنئة والتبريك بحلول السنة الميلادية الجديدة.إلا رسالة واحدة لن أنساها أبدا، تلقيتها ذات سنة من شخص يعلم جيدا أنني لا أحبذ تبادل التهاني بهذه المناسبة، كما يعلم جيدا أنه إن كان لي شعور خاص في ليلة رأس السنة فلن يكون غير الحصرة على ثلاثمائة وخمسة وستون يوما مرت من عمري، وأصبحت من الذكريات كباقي السنون التي سبقتها، وغيرها مما سيأتي إن كان في العمر بقية.تقولة الرسالة المذكورة: “عوضك الله خيرا عن سنة (..) وحقق مبتغاك في (..) ” وهي الرسالة الوحيدة التي اضطرتني إلى اعتماد رد مختصر “آمين”. وفعلا أتمنى صادقا من الله أن يعوضنا عن سنة مضت، وسنوات سبقتها بخيرٍ منها. فقد طويت صفحاتها بِحَرِّها وقَرِّها، خيرها وشرها، وأصبحت من الماضي الذي ربما لن نجد في سجلاته يوما عملا نفتخر بإنجازه.مرت سنة كنا قد استقبلناها بالمتمنيات كما نفعل الآن مع لاحقتها. استقبلناها وكلنا أمل في أن يتحقق لبلدنا، لِجهتنا، ولمدينتنا كل ما يتطلع إليه المواطن البسيط من أحلام بسيطة (على قد حالو) فهو دائما يقول” الله يدخلها علينا بالصحة و الهناء”هذه الصحة التي لن تتوفر أبدا في مدينة لا يزال مستشفاها محمد الخامس على حاله مرقدا للأموات الأحياء، و يخشى المسؤلون عنه حتى مواجهة الإعلام إلا باتفاق مسبق على ما سيقال ويُنشر.لن تتوفر في مدينة تتنفس تحت الماء كلما تهاطلت أمطار الخير بنسبة معقولة، و تعبرها المياه العادمة من شرقها وغربها وجنوبها في اتجاه بحرها المتوسط، وسط الشوارع والأزقة و الأحياء و الساكنة، وأمام المباني الإدارية.لن تتوفر في مدينة تحتضن في قلبلها مزبلة تستقبل أطنانا من النفايات والسموم كل يوم، فتحولها النيران إلى دخان تحمله الرياح إلى أنوف خلق الله. لن تتوفر في مدينة تعيش العديد من أحيائها على الهامش، حيث الفقر والبؤس وانعدام وسائل العيش الكريم، وحيث التشرد والإدمان على المخدرات يزداد يوما بعد الآخر…أما الهناء، فبقدر بساطة الكلمة، بقدر ما يصعب مناله، رغم أن هناء المواطن البسيط يتحقق فقط بضمان قوت يوم أولاده، والاطمئنان على أمنهم وسلامتهم، وحمايتهم من التعنيف والاغتصاب، وإيجاد مقعد لهم داخل فصول الدراسة، و ضمان وصولهم سالمين إلى بيوتهم، دون اعتراض سبيلهم، أو سلبهم هواتفهم، ودهسهم بعجلات حافلات نقل العمال المجنونة…انتهت سنة أخرى و كلنا أمل في تحقيق حلم طنجة الكبرى، أو بالأحرى، كلنا خوف من الوقوع بين أنياب طنجة الكوبرا. نحلم بمراحيض عمومية تكفينا التبول على الأشجار والحيطان. نحلم بشاطئ نظيف وحدائق للأطفال. نحلم بمسابح وقاعات رياضية لأجيال المستقبل. نحلم بطرق وأزقة بلا حفر ولا أوحال. نحلم بفاتورات الماء والكهرباء في المتناول…نحلم ونحلم، ومن كثرة الأحلام صرنا لا نستيقظ إلا لننام ونحلم.نحلم بمجالس تُدَبِّر و لا تُدْبِر. نحلم بأغلبية تُعَمِّر ولا تُزَمِّر، و بمعارضة تناقش ولا تناوش. و قبل كل هذا وذاك، نحلم بمواطن صالح، غيور، قادر على التغيير، ونحن نغادر المحطة الحالية، و نركب القطار الذي سيحملنا إلى محطة موالية، حيث طنجةالمدينة الحلم، بأهم ميناء تجاري متوسطي، وأشهر مرينا وميناء ترفيهي، وقطار تي جي في، ومحاور طرقية، و مرائب تحت أرضية، و ممرات فوق أرضية، و شَيِلاَّهْ أَسِّي اليعقوبيفليستعد الجميع لركوب قاطرة المعقول، و كفى من التيه بين رسائل البوناني، والفالاتتاين، والاحتفال باليوم العالمي الرعشة، والقبلة، والضمة، والكسرة…، و لنكن في مستوى الواقع والمطلوب، فلا مكان لحمار يحمل أسفارا في طنجة الكبرى، وتِلكم رسالتي إلى من يدَّعون اهتمامهم بشأني، وشأن العديد من أمثالي من المواطنين البسطاء، الحالمين بالصحة والهناء، و عوضنا الله خيرا عن سنوات وعقود مضت دون شيء يُذْكَرْ !